عندما بدأ العالم بمؤسساته المتشعبة والكثيرة يتحدث عن عولمة الفكر والاقتصاد، ويسقط في جغرافيا الاشتغال والحواجز وحتى الفرامل، كانت كرة القدم قد سبقت هذا التحول التاريخي، بأن أعطت لنفسها منذ عقود خلت صفة الكونية، وبأن نجحت في أزمنة الاحتراس والخوف من التغول في وضع جسر عابر للقارات وللمحيطات، وذاك الجسر هو العشق الذي إن عرفه الفلاسفة بالسعادة المطلقة، عرفته كرة القدم بالحب اللامتناهي، وبالثورة على المشاعر، وبالإحساس الذي يوحد الملايين ممن فرقت بينهم الجنسيات والألوان والعقائد.
ونتيجة لهذا التطور المضطرد في تسويق أحداث كرة القدم، وجدنا أن البطولات أصبحت عبارة عن خيمات تنصب هنا وهناك، والغاية زيادة الجاذبية، ورفع قيمة المنتج لتحقيق أعلى قدر من الإيرادات، والحال أنه منذ زمن ليس بالقصير، وجدت المؤسسات الرياضية أن أفضل طريقة لفتح أسواق جديدة بهدف رفع الغلة والإيرادات، هي إنهاء العمل بالمساحات المغلقة، فلا تظل البطولات حبيسة جغرافيا ضيقة، وهي أهل لكي تيمم أشرعة المراكب شرقاً أو غرباً، شمالاً أو جنوباً، لاستنشاق هواء جديد.
واليوم عندما ينصب السوبر السعودي خيمته الجميلة في أبوظبي المضيافة، في السفر الأول من نوعه لبلاد عربية، فإنه يفعل ذلك استجابة لفكر تسويقي سائد، لمنظومة اشتغال ناجحة، تهدف لرفع درجات الجذب والانفتاح على كل المحيطات، وتأسيساً لمرحلة متقدمة في عولمة الكرة السعودية، على غرار ما يحدث مع الكرة الإيطالية والإسبانية والفرنسية، وقد كانت من أولى المنظومات الكروية التي سارت على طريق الكونية ورحلت بطولات السوبر إلى بلاد بعيدة.
وكان الاتحاد السعودي لكرة القدم، وهو يجعل من أبوظبي محج النجاحات الباهرة، محطة السفر العربي الأول، أنه اختار الفضاء المثالي، ليحقق كل الأهداف المراد بلوغها.
ورغم أن نسخة السوبر السعودي، المُرحَّلة إلى أبوظبي حاضنة الابتكار والنبوغ، لن تنتهي إلا اليوم بنهائي أسطوري بين الهلال والاتحاد صانعي الأمجاد في نهائي كل الأعياد، إلا أن المعطيات وحتى المؤشرات على نجاح فاق كل التوقعات للمشروع مرئية رأي العين، فنسخة أبوظبي هي اليوم الأعلى تسويقياً بعوائد قياسية، إذ تضاعفت نسبة النمو 800 مرة، مقارنة مع عوائد النسخة الماضية، يضاف لذلك كله الحضور الجماهيري القياسي في مباراة الهلال والنصر، والمرتقب أن يكون أكبر في نهائي اليوم بين الهلال والاتحاد.
إن النجاح الكبير الذي تسجله نسخة أبوظبي للسوبر السعودي، هو نجاح لإبداع الفكرة بكل ما هو مُبْتَكر فيها، وإقرار على أن طريق أي منا للأفكار العظيمة، يبدأ من التحرر من الأفكار التقليدية، وهو ما فعله بالضبط الاتحاد السعودي لكرة القدم، عندما ابتكر لكأس الدرعية نمطاً جديداً ومستحدثاً، بل ومستوحى من التجارب المُلهِمة للآخرين، فألبسه ثوباً مبهجاً براقاً، وسافر به إلى أبوظبي لكي يزيده جمالاً وجاذبية.