تكبر شجرة العيد حين نعلّق على أغصانها فوانيس الأمل، ونقول لطيورها سافري بأجنحة المحبة، وانقلي رسائل قلوبنا إلى أمم السلام. ومن روائع سيرتنا في كل عيد، أن الفرح يصير أغنية المستقبل، حيث ندخلُ يداً بيد، مع أطفالنا إلى لحظة الضوء ونرفع صوتنا عالياً بكلمة السعادة التي نريدُ لها أن تصير قانوناً يومياً في جميع تعاملاتنا مع البشر. وليس ألذ إلى قلوبنا من يوم العيد لنعبّر فيه عن الطبيعة السامية التي تشربناها من تاريخنا العربي والإسلامي. هذه الطبيعة القائمة على فهم الوجود باعتباره ممراً ومناسبة لحظية لحياة خالدة أخرى. وكي نعيش حقاً، علينا أن نستثمر الفرح ونجعله مناسبة يومية ومنهجاً نتحلى به في الحل والترحال.
يأتي العيد في كل عام حاملاً أهزوجة فرح قديمة سمعناها في الطفولة من أفواه الجدّات والأمهات. لكنها في العمق، ليست مجرد أهزوجة أو أغنية، وإنما هي خطابنا البريء الذي لا نزال نتشبث به وسط الكوارث والقضايا الشائكة التي تلقي بظلالها الثقيلة على العالم. ونحن، ننظر إلى مصدر الضوء ونريد له أن يكبر ويعم الكون كله، وننظر أيضاً إلى جهة العتمة والظلم والمأساة ونريد لها أن تنتهي كي يتاح لشجرة العيد أن تمد أغصانها إلى الجالسين في زوايا الأرض كلها.
وفي العيد، تخرجُ امرأةٌ من بيتها في الغابة وتقصد أطراف المدينة. وحين تجلس تحت مئذنة السلام، تسقط عليها نفحات حبٍّ من جهات الأرض كلها ويسري في عروقها نشيد أملٍ جديد. ثم يأتي رجلٌ بثيابٍ بيضاء ويفتحُ شقاً في جدار اليأس كي يعبر الناس إلى جهة احتفالهم بمولد الحرية وارتفاع التغاريد. ولاحقاً يستيقظ الرسام من غفوته ويبدأ بدمج الألوان المنسية راسماً قوس مرح يبرقُ في أفق الكون كله، ومن حول الرسام يتجمهر أطفالٌ ويبدأون بتوزيع المظلات على العابرين.
نحن هنا في نهار العيد فقط. أما في المساء، فنرى الشعراء والفلاسفة يقفزون في نهر التغيير تاركين قصائدهم القديمة تموتُ وحدها. وعلى جانبي النهر، يتناسلُ الورد معلناً عن ولادة الكلمة السعيدة. هذه التي ننطقها في العيد وكأنها فتيلُ إشعال الفرح في القلوب والنفوس.
كنتُ في العيدِ خاتماً يبحثُ عن يدٍ ممدودة للمصافحة، وحين وجدتها، صرتُ الطائر الذهبي الذي وجد عشّه أخيراً وعرف أين يستقرُّ فيه.