الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

خبراء لـ«الاتحاد»: الزراعة بالمياه المحلاة.. توجه استراتيجي لزيادة الإنتاج المحلي

خبراء لـ«الاتحاد»: الزراعة بالمياه المحلاة.. توجه استراتيجي لزيادة الإنتاج المحلي
8 يوليو 2020 01:16

شروق عوض (دبي)

 يعد إمداد المزارع بالمياه من محطات التحلية خطوة رائدة تعزز توجه دولة الإمارات الاستراتيجي نحو زيادة الإنتاج المحلي من الغذاء، وتوفير حلول مبتكرة لتحديات شح المياه الذي يعد من أبرز تحديات الزراعة في الدولة، بما ينعكس إيجاباً على تحقيق الأمن الغذائي المستدام في الدولة، حسب خبراء اقتصاد ومياه.
وأكد الخبراء لـ«الاتحاد» أنّ استخدام تكنولوجيا تحلية المياه من أهم الحلول التي تعوض نقص المياه الضرورية لزراعة العديد من المحاصيل الأساسية داخل الدولة، وهو أمر يساهم في إمداد مزارع المواطنين بالمياه من المحطات لإنتاج أصناف عدة من الغذاء، وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها في المستقبل.  وأشاروا إلى أن الإمارات تدرك جيداً أهمية محطات تحلية المياه كواحدة من الابتكارات التكنولوجية التي تساهم في تخفيف حدة التحديات المؤثرة سلباً على الزراعة المحلية، مثل تداعيات المناخ الصحراوي الجاف، والزيادة السكّانية، والنمو والتطوّر الاقتصادي، والاستهلاك المفرط لموارد المياه الجوفية والعذبة، وغيرها من التحديات، حيث بات البحث عن طرق مبتكرة وغير تقليدية للنهوض بالزراعة المحلية وبذل الجهود من قِبَل الأفراد والمؤسسات الحكومية في هذا الشأن من الضرورات الملحّة.
أوضح الخبراء أن اعتماد مجلس الوزراء مؤخراً قراراً بتشكيل فريق لدراسة إمداد المزارع بالمناطق التي تشرف عليها الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء، بالمياه من محطات التحلية الجديدة، لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة حتمية لاهتمام دولة الإمارات منذ سنوات، بالزراعة المحلية، وازدياد هذا الاهتمام مع ظهور جائحة فيروس «كورونا» المستجد التي شلت حركات استيراد وتصدير الأغذية في دول العالم أجمع، إذ تكرّس الحكومة الاتحادية جهودها في هذا الشأن، بغية تحقيق الأمن الغذائي المرتكز على تمكين جميع المواطنين والمقيمين في الدولة من الحصول على غذاء صحي وآمن وكافٍ ذي قيمة غذائية مناسبة، بأسعار مقبولة في جميع الأوقات، بما في ذلك حالات الطوارئ والأزمات، لضمان حياة نشطة وصحية.
وقالوا إن الاستفادة من محطات تحلية المياه في الزراعة المحلية، خطوة مهمة، إذ تنتج مياهاً عذبة، تساهم في رفع إنتاجية العديد من المحاصيل ذات النوعية العالية؛ ولذلك تعتبر المياه المحلاة بديلاً عن المياه الجوفية التي باتت تعاني مشكلات عدة، منها التناقص المستمر في المخزون، والاستخدام الجائر، والهبوط في المناسيب.

 وأشاروا إلى أنّ استخدام المياه المحلاة في الزراعة لن ينعكس سلباً على نوعية المزروعات، كصلاحيتها للاستخدام الآدمي، في حال الالتزام بالمواصفات والمعايير، واستخدام المزارعين لمغذيات التربة والنباتات، لمجابهة بعض التراكيز التي قد تسبب حساسية لبعض المزروعات.

أهداف حالية ومستقبلية
اعتبر إبراهيم البحر، خبير في شؤون المستهلك والتجزئة، أنّ قرار إمداد المزارع بالمياه المحلاه يحقق الهدف الرئيس لحكومة الإمارات، وهو تحقيق الأمن الغذائي للدولة، عبر توفير منتجات غذائية محلية بكثرة، وبأسعار مناسبة لجميع شرائح المجتمع، من خلال إزالة التحديات التي يواجهها المزارعون، مثل ارتفاع تكلفة التشغيل وشح المياه الجوفية، ما يؤدي إلى زراعة القليل من أصناف الخضراوات والفاكهة المحلية.
وأكد أنّ حكومة الإمارات تهدف من وراء القرار إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية المحلية في المقام الأول، مروراً بتوفير منتجات عالية الجودة، وإنشاء صناعات جديدة مبنية على مخرجات الزراعة المحلية، عوضاً عن نظيرتها المستوردة وتطوير منظومة وطنية توفر غذاءً مستداماً، وضمان العائد الاقتصادي للدولة، وانتهاءً بالتوسع في استصلاح الأراضي الزراعية، كما يساهم القرار على المدى القريب في خفض تكلفة التشغيل على المزارعين، عبر توفير إمداد دائم من المياه المحلاة، وتوسيع استخدام نظم الزراعة الحديثة والتوسع في زراعة أصناف عدة من الخضراوات والفاكهة.

الاكتفاء الذاتي
 أكّد الدكتور عبدالحميد رضوان، مستشار اقتصادي، أنّ أهداف إمداد المزارع بمياه محلاة، ليست مقتصرة على مساعدة المزارعين للنهوض بمهنتهم والاستمرار فيها فحسب، وإنما تسعى الدولة إلى تعزيز مستوى الاكتفاء الغذائي، حيث أظهرت جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19»، أهمية التركيز على الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الأساسية، ودولة الإمارات تؤمن بأنّ الاكتفاء الذاتي المحلي أصبح خياراً استراتيجياً، وهو أمر ليس جديداً عليها، حيث ركزت عليه خلال السنوات الماضية، وخير دليل على ذلك إنشاء وزارة للأمن الغذائي، وإطلاق مبادرات واستراتيجيات خاصة بالاكتفاء الذاتي، والعمل الدؤوب على تعظيم إنتاج الغذاء محلياً، من خلال إتاحة الفرص للمزارعين للاستثمار في الأراضي الصالحة للزراعة، وتوفير المياه والبذور وأنواع الزراعة الحديثة والتكنولوجيات.
 ونوّه إلى أنّ الدولة تبذل جهوداً متواصلة لإيجاد حلول مفيدة لمشكلة لمشكلة فقر المياه التي تعانيها حال بعض الدول ذات الطبيعة الصحراوية، وتطبق سياسات تنموية رائدة لإنتاج سلاسل من المزروعات غير المستهلكة للمياه لتلبية احتياجات المجتمع، وقد أدى ظهور جائحة فيروس «كورونا» المستجد، إلى الاهتمام أكثر بتطبيق هذه السياسات، مؤكّداً أن الدولة تسعى عبر آليات مبتكرة لتحقيق أهدافها المستقبلية المتمثلة في توفير منتجات عالية الجودة وإنشاء صناعات جديدة مبنية على مخرجات الزراعة المحلية، والتوسع في استصلاح الأراضي الزراعية، وغيرها من الأهداف، رغم ارتفاع التكلفة الاقتصادية لتوفير المياه المحلاة للمزارع، فالاكتفاء الذاتي بات هدفاً استراتيجياً، ولا بديل عن تحقيقه.
وقال إن قرار مجلس الوزراء بمد المزارع بالمياه المحلاة، قرار استراتيجي طويل الأمد يسعى إلى توفير عائدات اقتصادية كبيرة للدولة ومن ثم المزارعين، من خلال مساعدتهم على زراعة أنواع عدة من المنتجات، بما يتناسب مع البيئة المحلية ودرجات الحرارة، إضافة إلى تطوير منظومة وطنية توفر غذاءً مستداماً، وإنشاء صناعات جديدة معتمدة على المنتجات المحلية عوضاً عن المستوردة.

حلول إضافية
أكّد خليل عمار، خبير المياه في المركز الدولي للزراعة الملحية «إكبا»، أهمية استخدام محطات تحلية المياه في الزراعة، لمميزات عدة، منها توافر المياه البحر بشكل واسع وغير محدود، وعدم تأثرها بخطر الجفاف الذي تعانيه بعض الموارد المائية كالمياه الجوفية، مشيراً إلى وجود أكثر من (1300) محطة تحلية في مزارع إمارة أبوظبي على سبيل المثال.
وقال: المياه الجوفية التي لا تعتبر حلاً مستداماً نظراً لاعتمادها على مصدر غير متجدد، وبالتالي فإنّ استمرار استخدامها يؤدي إلى هبوط مناسيب المياه الجوفية وزيادة ملوحتها، إضافة إلى تبعات التخلص من المرتجع الملحي الناتج عن عملية التحلية، مؤكداً أنّ التوسع في استخدام محطات التحلية الصغيرة للمياه الجوفية ليس حلاً، في حين أنّ استخدام المياه المحلاة من البحر على المدى البعيد يعتبر حلاً مستداماً.  وأضاف: إن استخدام التكنولوجيا المتقدمة وإجراء التحسينات على بعض أنواع التكنولوجيات المستخدمة في تحلية المياه، والتركيز على استخدام الطاقة البديلة أو النووية وغيرها من أنواع الطاقة في التحلية لها إيجابيات عدة، منها انخفاض التكلفة والحفاظ على البيئة، وبالتالي فإنّ استخدامها محفّز كبير لتحقيق الأمن الغذائي في الدولة.   وأكد أنه رغم تبعات جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19»، وما تسببت به من أضرار، فقد كان لها بعض الميزات الإيجابية، كالاهتمام بمسألة الاعتماد على الإنتاج المحلي، عوضاً عن الاستيراد، موضحاً أن الزراعة المحلية توفر منتجات أفضل للمستهلك، من حيث النوعية، بعيداً عن مشاكل التخزين، ومن المرجح أن تكون الأفضلية على المدى القصير للإنتاج المحلي، خاصة إذا تحسنت النوعية من خلال الطرق الحديثة المستخدمة، وبالتالي يمكنه أن ينافس المنتجات الزراعية المستوردة، ويحقق الأمن الغذائي للدولة بشكل أفضل.
 وأشار إلى أنّ تكلفة تحلية المياه في دولة الإمارات واصلت انخفاضها مؤخراً، حيث بلغت نسبة الانخفاض إلى 13%، إلا أنها لا تزال مرتفعة، حيث يتراوح معدل التكلفة وفقاً لطريقة التحلية ما بين (0.5 - 0.8) دولار للمتر المكعب الواحد، ومن المرجح أن يشهد على المدى البعيد انخفاضاً كبيراً مع استخدام طرق حديثة أقل تكلفة.  وشدد على أنّ إمداد المزارع بالمياه من محطات التحلية تجسيد عملي وخطوة رائدة تعكس توجه الدولة الاستراتيجي نحو زيادة الإنتاج المحلي من الغذاء.

الأمن الغذائي
أكد رضا مسلم، المدير والشريك لشركة «تروث» للاستشارات الاقتصادية والإدارية، أنّ مد المزارع بالمياه المحلاة، رغم ارتفاع تكلفة تحليتها، يصب في خدمة تحقيق الأمن الغذائي للدولة في المقام الأول، وذلك من خلال توفير كميات كبيرة من المنتجات الزراعية المحلية، في منافذ البيع والأسواق التجارية، عوضاً عن نظيرتها المستوردة، ويعتبر ذلك حلاً جذرياً لمشكلة استنزاف المخزون الجوفي للمياه في المقام الثاني، كما يمثل دعماً المزارعين المواطنين للاستمرار بالزارعة، وإزالة العقبات كافة التي يصادفونها، مثل تكبد مبالغ مالية عالية على مياه الري خلال موسم الزراعة، وتشجيعهم على زراعة أصناف متعددة من الخضراوات والفاكهة في المقام الثالث.
 وطالب بضرورة الالتفات لمسائل عدة لتحقيق الأهداف الرئيسة لدولة الإمارات في هذا الشأن، إذ يتوجب على الجهات المعنية بقرار مجلس الوزراء بإمداد المزارع بالمياه المحلاه، بضرورة حصر احتياجات المزارعين من كميات المياه تبعاً لمساحات مزارعهم وحجم إنتاجها وإضافة المكملات الغذائية للمياه أولاً، وذلك للمحافظة على مورد الماء وإنتاج مزروعات عالية الجودة تضاهي المستوردة، ويتوجب على المزارعين عدم الإسراف في المياه المحلاة، واتباع مبدأ الترشيد خلال ريّ المزروعات، وهو أمر يحمل في مضمونه رد الجميل لدولة قدمت لهم هذا التسهيل الكبير المتمثل في منحهم مياهاً محلاة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©