الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«الاقتصاد الأخضر».. سلاح الإمارات في مواجهة تغير المناخ

«الاقتصاد الأخضر».. سلاح الإمارات في مواجهة تغير المناخ
18 ابريل 2021 02:17

شروق عوض (دبي)

رغم ما يشهده المجتمع الدولي حالياً من عودة الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ إلى صدارة أولويات أغلبية دول العالم تحقيقاً لمبدأ التعافي الأخضر من التبعات التي خلفتها جائحة فيروس «كورونا» المستجد «كوفيد- 19»، فإنّ الإمارات لم تدرك هذا المبدأ الآن، لأنها تبنته طيلة السنوات الماضية عبر الاقتصاد الأخضر لحرصها الدؤوب على لجم تحديات تغير المناخ المؤثرة على الإنسانية واستدامة البيئة والحياة على كوكب الأرض، بالإضافة إلى توظيف أحدث التقنيات وغيرها الكثير لمجابهة تلك التحديات، بحسب خبراء في التغير المناخي والبيئة والاقتصاد.
وأكد الخبراء في تصريحات لـ «الاتحاد» أنّ الإمارات شهدت خلال السنوات الماضية تحركاً واسعاً على مستوى تعزيز الاستثمار والتمويل لمشاريع وتوجهات الاستدامة والتحول نحو منظومة الاقتصاد الأخضر، لدفع جهود العمل من أجل المناخ وحماية مستقبل البشرية من التحدي الأهم الذي يواجهها حالياً، وضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة، حيث تم إطلاق العديد من الاستراتيجيات والمبادرات والمشاريع.

  • قيس السويدي
    قيس السويدي

بداية، قال قيس السويدي، خبير في وزارة التغير المناخي والبيئة: إن التغير المناخي يعد أحد أهم القضايا البيئية على المستويات الوطنية والعربية والعالمية، نظراً لما ينطوي عليه من مخاطر اقتصادية واجتماعية وبيئية»، مؤكداً أنّ هذه القضية حظيت باهتمام مبكر وبالغ في دولة الإمارات، وتعددت الجهود التي تبذلها الدولة لمواجهة تداعيات هذا التغير والتكيف مع تأثيراته المحتملة على النظم البيئية والقطاعات الاقتصادية، وتبنت في سياق هذه الجهود مجموعة مهمة من السياسات شملت سياسة التنويع الاقتصادي والتركيز على الاقتصاد الأخضر، وسياسة تنويع مصادر الطاقة بالتركيز على الطاقة المتجددة والنظيفة وتعزيز كفاءة الطاقة وغيرها.
وذكر أنّ للإمارات مسيرة حافلة في العمل من أجل البيئة والمناخ منذ تأسيسها على يد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه-، وكونها الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تدعم وتوقع طواعية على اتفاق باريس للمناخ، وتوفيرها منصة عالمية لتقييم تنفيذ المساهمات الوطنية المحددة عبر استضافة وتنظيم اجتماع أبوظبي للمناخ يونيو الماضي، وتحفيزها للجهود العالمية عبر الإعلان عن رفع سقف مساهماتها الوطنية المحددة في قمة الأمم المتحدة للمناخ سبتمبر الماضي.
وأشار إلى أهم جهود الدولة بشأن العمل من أجل المناخ، منها: إطلاق مشروع خريطة رأس المال الطبيعي في الدولة والتي تقيم أثر المشاريع في القطاعات كافة على النظم البيئية المحلية، ودليل الأعمال الخضراء المستدامة، وتوفير منصات تجمع المبتكرين ورواد الأعمال في الاستدامة مع المستثمرين وجهات التمويل المختلفة لضمان تنفيذ ابتكاراتهم وتحويلها لمشاريع فعالة على أرض الواقع، لافتاً إلى أنها تعد واحدة من أوائل الدول في المنطقة التي صادقت على اتفاق باريس الذي يلزم أكثر من 180 دولة ببذل المزيد من الجهود للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة والتكيف معها، حيث تعهدت ضمن مساهماتها الوطنية الطوعية المحددة تجاه الدول عامة والدول العربية خاصة بتنويع مصادر الطاقة والوصول بحصة الطاقة النظيفة والمتجددة من إجمالي مزيج الطاقة المحلي إلى  24% بحلول عام 2021.
وأضاف: «كما رفعت الدولة خلال قمة الأمم المتحدة للعمل المناخي التي عقدت في سبتمبر الماضي في نيويورك، سقف مساهماتها لتصل نسبة الطاقة النظيفة والمتجددة إلى 50% بحلول 2050، علاوة على إنشائها إطار عمل للسياسة الوطنية تماشياً مع دورها الاستباقي في دبلوماسية المناخ الدولية، من خلال التحول إلى الاقتصاد الأخضر والذي يتسم بالقدرة على التكيف مع التغير المناخي ويعد بمثابة فرصة واعدة للتنويع الاقتصادي، مما يسهم في نهاية المطاف في تعزيز مكانة الدولة عالمياً كنموذج رائد في مجال الطاقة المتجددة والابتكار الأخضر».
ولفت قيس إلى أنّ الحلول السابقة الذكر، شكلت جزءاً من جهود الدولة لأجل المناخ، فبفضل الدعم الذي توفره القيادة الرشيدة تم تأسيس المعهد العالمي للنمو الأخضر والذي ساهم في تحفيز حركة الدراسة والبحث للتغير المناخي، وإطلاق «شبكة أبحاث تغير المناخ في دولة الإمارات» والتي ستعمل على تعزيز منظومة جمع البيانات وإعداد الأبحاث والدراسات ذات العلاقة بتأثيرات التغير المناخي، وتعزيز قدرات كافة القطاعات على التكيف مع تداعياته في منطقة الشرق الأوسط، عبر التعاون الوثيق مع العديد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية المتخصصة على مستوى المنطقة.

حلول ناجعة
وحول بقية الحلول التي اتخذتها الإمارات للاستجابة إلى مخاطر المناخ، قال قيس السويدي: «تمثلت في الخطة الوطنية لتغير المناخ 2050 والتي تسعى إلى إيجاد إطار عام يعزز ويوحد الجهود المحلية للعمل من أجل المناخ، وإجراء تقييمات لمخاطر تغيره واتخاذ تدابير فورية بحلول عام 2020، وتعميم تخطيط التكيف في سياسة التنمية وبحلول عام 2025، وإجراء الرصد والتقييم المستمر لضمان تدابير التكيف القائمة على الأدلة خلال الفترة ما بين 2030 إلى 2050، كما يجري العمل حالياً على إصدار القانون الاتحادي للتغير المناخي، والذي من مهامه تعزيز مكانة الدولة في مؤشرات التنافسية العالمية ودعم جهود التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، وسيسهم القانون على دعم الابتكار والبحث والتطوير في مجال العمل من أجل المناخ، إضافة إلى برنامج التكيف الوطني مع تغيره ويستهدف تلبية متطلبات المرحلة الأولى من خطة التغير المناخي، حيث يرتكز البرنامج على ثلاثة أهداف رئيسة متمثلة في تحديد اتجاهات المناخ وتقييم الآثار، وتحديد مخاطر المناخ التي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، وإشراك جميع مجموعات أصحاب المصلحة في التنفيذ، وغيرها الكثير من الحلول».
وأشار إلى أن دولة الإمارات استثمرت في 70 دولة حول العالم في مشاريع بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 16.8 مليار دولار أميركي، كما قدمت الدولة ما يزيد على 400 مليون دولار من المساعدات والتمويلات والقروض الميسرة لمشاريع الطاقة النظيفة حول العالم.

  • رياض الدباغ
    رياض الدباغ

اهتمام محلي وعالمي
بدوره، اعتبر الدكتور رياض الدباغ في جامعة عجمان، أنه مع بدء بوادر الاهتمام العالمي بقضية التغير المناخي، ركزت دولة الإمارات اهتمامها على المشاكل والتحديات المتعلقة بالتغير المناخي، بالتوازي مع اهتمامها بالقضايا البيئية الأخرى، وقد برز هذا الاهتمام جلياً في العدد الكبير من الاستراتيجيات والمبادرات والمشاريع المتعلقة بالاستجابة لتلك التحديات، مؤكداً أن الدولة لن تتوقف عند هذا الحد وإنما تعتزم المضي قدماً لاستكمال ما بدأته، واستنباط المزيد من الحلول والوسائل لاستثمار مواردها بحكمة بالغة وعلى نحو مستدام، لتعزيز الاستدامة البيئية فيها وإثراء تجربتها الرائدة بالمزيد من الإنجازات، مستندة في ذلك إلى الإبداع والابتكار والعلوم المتقدمة وأفضل الممارسات، وتوظيف طاقات شباب الإمارات وإمكانياتهم لتحقيق ما تصبو إليه أهداف «العمل من أجل المناخ».
وأشار إلى أن قضية تغير المناخ الناتجة عن تراكم انبعاثات الغازات الدفيئة وتفاقمها، بدأت مع الثورة الصناعية، حيث اعتمدت الدول المتقدمة على الوقود الأحفوري، وخاصة الفحم، في صناعاتها، كما لعبت عوامل أخرى مثل تغير استخدامات الأراضي وإزالة الغابات وتغير أنماط الإنتاج والاستهلاك دوراً مهما في تفاقم هذه القضية، إلا أن دولة الإمارات رغم ازدهارها الاقتصادي بمختلف الأنشطة والمشروعات الموزعة على القطاعات كافة، وتصدرها بالمؤشرات الاقتصادية العالمية، تعد نموذجاً متفرداً في «العمل من أجل المناخ» على المستويين العالمي والعربي، وخير دليل على ذلك هو معدل إنتاج دولة الإمارات للانبعاثات الكربونية المتدني مقارنة بما تشهده من نهضة ونمو، إذ لا يتجاوز 0.5% من المعدل العالمي، علاوة على مشاركتها الفاعلة في المحافل الدولية الخاصة بتغير المناخ، حيث تشارك الدولة خلال الفترة المقبلة في الدورة الجديدة من مؤتمر دول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ (كوب 26)، كما تستضيف الدولة الحوار الإقليمي للتغير المناخي لمجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أرضها.

  • رضا مسلم
    رضا مسلم

تهديد البشرية
 وأكد رضا مسلم، مدير شركة «تروث» للاستشارات الاقتصادية، أن دولة الإمارات منذ بداية تأسيسها أولت عناية خاصة بالمحافظة على المناخ، ويظهر ذلك جلياً الجهود الصادقة التي بذلها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس دولة الإمارات، من أجل المحافظة على البيئة داخل الدولة، حيث تنبه سريعاً لمسألة تأثر البيئة بتغير المناخ، لافتاً إلى أن الدول المتقدمة هي المتسببة الرئيسية في هذا التغير، عبر التطور الصناعي غير المسبوق وغير المتوقع ومعدلات النمو وزيادة السكان، في انبعاث ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون الملوث لجودة الهواء.
وذكر أنه نتيجة للسلوك الإنساني غير المسؤول فقد انعكس ذلك على تدهور البيئة والمناخ في آن واحد، حيث باتت تعاني مكونات البيئة من آثار تغير المناخ المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب المياه، الأمر الذي ألقى بظلاله السلبية على انخفاض الأمن الغذائي الطبيعي وجودة الهواء وتركيبته، حيث بات غاز ثاني أكسيد الكربون الضار السائد عليه، مشيراً إلى توقعات العلماء والخبراء تؤكد على أنه إذا استمرت سلوكيات الإنسان على نفس الوتيرة، فإن البشرية جمعاء سوف تتأثر بتأثرات بالغة تنعكس على مختلف القطاعات التي يتعاملون معها بشكل يومي مثل الصحة والاقتصاد والغذاء وغيرها.
وأكد أن القائمين على اتخاذ القرار في الإمارات في الوقت الراهن لا زالت مستمرة في بذل المزيد من الجهود بشأن المحافظة على البيئة المحلية عبر التخفيف من آثار تغير المناخ، وذلك عبر طريق الإصرار والتأكيد على ضرورة التعاون الدولي والمشاركة الدولية في المحافظة على المناخ وعدم إفساد البيئة الدولية وإيجاد حلول حقيقية تجتمع عليها حتى لو أنفقت المبالغ الطائلة لحماية البشر.

الإمارات علامة مضيئة
ولفت رضا مسلم إلى أنه ضمن جهودها إقناع بعض الدول بالانضمام إلى المحفل الدولي الخاص بتغير المناخ، وخير دليل على ذلك الإجماع الدولي الذي يظهر أن دولة الإمارات كانت ولا زالت إحدى العلامات المضيئة والإيجابية وينظر لها كنموذج متفرد في هذا المحفل ويحتذى به، ونتيجة لحرصها على المحافظة على بيئتها المحلية وإطارها المناخي المحدود فهي تلعب دوراً محورياً في المساهمة الحقيقية بشأن المحافظة على المناخ العالمي عبر تقديم المساعدات ودعم المنظمات الدولية المختصة بهذا الشأن، وهي سخية في هذا المجال، حيث لا تدخر الإمارات أي مجهود مرتبط بالدول المجاورة لها والدول الإقليمية في الشرق الأوسط ودول العالم.

  • عبدالحميد رضوان
    عبدالحميد رضوان

مساهمات الإمارات
بدوره، أكد عبدالحميد رضوان، مستشار اقتصادي، أن مساهمات الإمارات في التخفيف من تغير المناخ على مستوى العالمي، لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة لخيرات مسيرة طويلة في شأن العمل من أجل المناخ على أرضها وفي بعض الدول، والدليل على ذلك مساهمة الشركات الإماراتية في توفير مصادر الطاقة المتجددة لبعض الدول النامية، الأمر الذي انعكس بالإيجاب عليها من خلال توفير الوقود الطبيعي والكثير من الأموال والتخفيف من البطالة في أراضي تلك الدول.
وأوضح أن مساهمتها على مستوى العالم بشأن العمل من أجل المناخ، كانت ولا زالت أكثر عمقا، نظراً لامتلاكها التكنولوجيا والإمكانيات المالية لدعم الدول النامية، أما على المستوى المحلي، فقد أولت عناية خاصة في خططها على البعد البيئي والاقتصاد الأخضر الذي سيساهم في حماية البيئة بالمقام الأول، ما ينعكس على اختيار المشاريع المبنية على الصناعات التي ستقوم عليها لغاية 2030، هي صناعات مفيدة للبيئة ورفاهية المجتمع في آن واحد.

الخسائر الاقتصادية
بيّن الخبراء، أنه وفقاً للإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية التي أظهرت أنّ التعامل مع تحدي تغير المناخ الذي يودي بحياة 7 ملايين إنسان سنوياً نتيجة تلوث الهواء، ويتوقع أن تؤثر تداعياته سلباً على قدرة 220 مليون شخص على البقاء بنهاية العام الجاري (2021)، وبلغت قيمة الخسائر الاقتصادية التي تسبب فيها 335 مليار دولار في 2017، وقد اتخذت الإمارات خطوات استباقية لمجابهة هذا التحدي الأكبر عبر التركيز في خططها التنموية على إيجاد حلول ناجعة لمواجهته، تشمل التركيز على المعرفة والدراسات المتخصصة بمظاهر التغير المناخي وتأثيراته التي نشهدها حالياً والمتوقعة مستقبلاً، واعتماد إجراءات لمواجهته والتكيف مع تداعياته بما يتناسب مع خصوصياتها من حيث طبيعتها المناخية وقدراتها الاقتصادية وتركيبتها السكانية والمجتمعية، وخفض الانبعاثات الكربونية الصادرة عن القطاع الصناعي، والتوظيف الأمثل والأكثر فعالية للتقنيات الحديثة وبالأخص الذكاء الاصطناعي والحلول الابتكارية، ما ساهم في نجاحها في مجابهة التحديات وتحويلها إلى فرص تنموية واستدامة حماية البيئة.

اهتمام عالمي
لفت الخبراء إلى مواكبة الإمارات للحراك والاهتمام العالمي بمواجهة تحدي التغير المناخي، حيث شاركت في الاجتماعات التحضيرية التي نجم عنها توقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بهذا الشأن في عام 1992، وصادقت عليها عام 1995، كما صادقت على بروتوكول «كيوتو» فور دخوله حيز التنفيذ في عام 2004، وكانت أول دولة في المنطقة تصادق على «اتفاق باريس للمناخ» في عام 2015، كما تستعد لمشاركة المجتمع الدولي في الدورة الجديدة من مؤتمر دول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ «كوب 26»، والذي تزيد أهميته في تحفيز الدول على رفع سقف مساهماتها المحددة وطنياً لتواكب متطلبات نمو بمعدلات سريعة صديقة للبيئة في الوقت ذاته، وهو أمر بادرت الإمارات إليه عبر إعلانها عن التقرير الثاني من مساهماتها المحددة وطنياً في ديسمبر الماضي والذي رفعت فيه سقف مساهماتها بصورة ترفع مستوى جهودها المحلية والعالمية للعمل من أجل المناخ، وتقدم للعالم نموذجاً عملياً حقيقياً من أجل حماية كوكب الأرض، وضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة، علاوة على استضافة الدولة الحوار الإقليمي للتغير المناخي لمجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أرضها، بمشاركة ممثلين رسميين من دول المنطقة.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©