الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

جناح فرنسا.. أنوار وإبهار وابتكار

جناح فرنسا.. أنوار وإبهار وابتكار
6 سبتمبر 2021 06:00

حسن ولد المختار (أبوظبي)

«ندعوك لاستكشاف الضوء بصفته مصدراً للإلهام والمعرفة والإبداع. يسعى جناح فرنسا إلى إعادة النظر في كيفية التقدم، وإلى تحريك المشاعر، وبناء العلاقات، وإطلاق العنان لأفكار جديدة لإعادة تشكيل عالمنا». بهذه العبارات التي تستدعي، منذ البداية، أفق وألق الأضواء وعصر الأنوار، وتحفّز الإلهام والابتكار، يستقبل جناح فرنسا في «إكسبو 2000 دبي» -في موقع المعرض- زواره، مستعرضاً مفاجآت هذا الجناح المتميز في كل شيء، في فلسفة العرض، والبنية المعمارية البديعة، وأيضاً في برنامجه الحافل بالأنشطة والفاعليات الثقافية والتجارية والفنية والعلمية والبيئية، طيلة أشهر المعرض الستة، ويتوقع القائمون على الجناح أن تجتذب إليه ما بين 20 و30 ألف زائر يومياً.
وعلى رغم ظروف الجائحة العالمية، فقد تم إنجاز جناح فرنسا، واكتمال أعماله الإنشائية منذ شهر أبريل الماضي، أي في فترة تسبق بـ5 أشهر، موعد انطلاق فعاليات المعرض مطلع شهر أكتوبر المقبل، وعند اكتمال الجناح قال وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إن «تسخير الابتكارات والاختراعات العلمية والتقنية في خدمة التقدم البشري: كان هو ما تسعى فرنسا لتكريسه وترسيخه منذ قرن الأنوار. وفي مواجهة الأزمة الوبائية الراهنة، كما في مواجهة التحول والتحدي البيئي، وفرص وإمكانات الثورة الرقمية، يأخذ هذا المسعى اليوم معنى جديداً ويكتسي صبغة إلحاح مستجدّة. ولهذا أردنا أن نجعل جناح فرنسا في إكسبو 2020 دبي بؤرة لأنوار القرن الحادي والعشرين». وأضاف الوزير لودريان: «سيمكّن جناحنا أيضاً من تسليط الأضواء على مقدّراتنا ومجالات تميزنا في قطاعات السياحة، والضيافة، والثقافة، وذلك بفضل روزنامة حَدَثية ثرية من الفاعليات، ستتيح للزوار طيلة أشهر المعرض الستة فرصة إلقاء نظرة موسعة على تراث بلادنا، وتنوع وثراء ثقافتها وخبراتها ومخترعاتها الكثيرة»، مشيراً، بهذه المناسبة، إلى قوة وتنوع الشراكات القائمة بين فرنسا والإمارات في مختلف المجالات.
بدورها، أكدت إيمانويل وارغون -وزيرة دولة مكلفة بالإسكان، أن «هذا المعرض سيكون فرصة سانحة لإبراز الدور الطليعي لفرنسا في مجال تحسين جودة الحياة بيئياً، على صعيد عالمي. وسنبرهن من خلال أمثلة حية، أن بلادنا تلعب دوراً قيادياً، دولياً، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى نطاق أوسع في مجال التحول البيئي»، وهذا ما أكد عليه أيضاً أريك لينكييه رئيس الشركة الفرنسية للمعارض «كوفريكس»، وبهذه الصفة هو المفوض العام لجناح فرنسا في إكسبو.
ويرى الفرنسيون أن معارض «إكسبو» كانت على الدوام فرصة لالتقاء الشعوب في الحاضر، وتعاونها لبناء المستقبل، وهذان المحددان ظلا حاضرين دائماً في فلسفة الأجنحة الفرنسية في هذه المعارض الدولية، وهما محددان يستصحبهما أيضاً اليوم جناح فرنسا في إكسبو دبي 2020. وفي هذا المقام، يؤكد لودريان، أن «الدورة الـ24 التي ستنطلق في دبي ستكون فرصة لعودة الحيوية وإعادة الانطلاق للاقتصاد العالمي، وستكون فرصة سانحة أيضاً لرسم ملامح عالم ما بعد كورونا. ومن هذا المنطلق فستكون دورة تاريخية بكل المقاييس، تاريخية لأنها تقام تزامناً مع الاحتفال بعام الخمسين في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتاريخية لأنها تقام لأول مرة في مدينة من منطقة الشرق الأوسط، وتاريخية أيضاً لأنها ستكون مختبراً لصناعة المستقبل، وهي أهم وأكبر حدث دولي يلتقي فيه العالم أجمع بعد الجائحة».
ومع أن صناعة المستقبل لابد أن تتم بالتعاون والتضامن الدولي، إلا أنها أيضاً لن تخلو من منافسة، ومن هنا فسيتيح هذا الحدث الدولي الكبير فرصة ثمينة لفرنسا لإبراز عناصر جاذبيتها وإظهار قوة تنافسيتها، لتقدم أمام شركائها ما تقترحه من حلول وابتكارات للاستجابة للعديد من التحديات الكبرى التي تواجه العالم اليوم، ولتعريفهم أيضاً بغنى تراثها وقدرتها على الاختراع والابتكار. ومن هذه التحديات الدولية الكبرى اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وأنه بحلول سنة 2050 سيزداد سكان المدن بمليار ونصف مليار نسمة، وفي الوقت نفسه فمن المستهدف دولياً الوصول إلى حالة حياد كربوني.. وهذا التحدي -أو المفارقة- يمكن تجاوزه فقط بتوسيع وتنويع الابتكارات والحلول التقنية الذكية في هذا المجال، ولدى فرنسا هنا الكثير مما تستطيع تقديمه للعالم.

بريالباتو وبيسكيه سفيرا الجناح
وقد اختير سفيران لجناح فرنسا هما جيسيكا بريالباتو، وهي طاهية حلويات في أحد أشهر فنادق باريس، وقد حصدت لقب «أفضل طاهية حلويات في العالم عام 2019»، وتعِد زوار الجناح بمفاجأة لذيذة ستكون في الانتظار فيها مذاق من تقاليد المطبخ الفرنسي واستلهام من المطبخ الإماراتي. ومعها توماس بيسكيه وهو رائد فضاء فرنسي من وكالة الفضاء الأوروبية، وسيوجه تحية خاصة من الفضاء في فترة انعقاد إكسبو 2020، فيما هو منخرط في مهمة «ألفا» بمحطة الفضاء الدولية.
وقد أشرفت على الهندسة المعمارية لجناح فرنسا، الذي تبلغ مساحته أكثر من 5000 متر مربع، مجموعات: بيريس-برادو وسيلنيكييه وغرابلي، ويصل ارتفاعه 21 متراً، وبذلك سيوفر رؤية بانورامية شاملة لموقع إكسبو. وقد تم شحن مكونات الجناح في 180 حاوية بضائع إلى دبي. وبهندسته الجريئة، والملتزمة بيئياً، سيكون همزة وصل بين ماضي فرنسا المعماري والثقافي، وتطلعاتها لصنع مستقبل زاهر وحافل بالوعود. وتجسيداً لمفهوم الاستدامة والطاقة النظيفة والحلول البيئية المبتكرة رُكبت على واجهته الخارجية ألواح طاقة شمسية بمساحة 2500 متر مربع.
وقد اختير للجناح شعار: «الإلهام بسرعة الضوء»، وهو شعار يختصر تطلعاته وبرنامجه الساعي لأخذ الزوار في رحلة تعريف واحتفاء بالابتكارات والإبداعات الفرنسية الفريدة والجريئة، في جميع المجالات، التي صنعت، وما زالت تسهم بقوة في صنع تاريخ البشرية. تاريخ من التقدم: العلم، البحث، التكنولوجيا، الفن والحِرف، التعليم.. الخ. ويتألف برنامج الجناح الحافل من أنشطة المعرض الدائم، المستمرة طيلة الأشهر الستة، وخمسة معارض مؤقتة، متتابعة زمنياً، ومتجددة كل شهر تقريباً، واحداً بعد الآخر.

مسار الزوار
تستقبل الزوار واجهة خارجية فسيحة بمساحة قرابة 1600 متر مربع، مع التشجير، مغطاة بمظلة من ألواح الإضاءة الشمسية، وفي هذا الفضاء الخارجي يستكشف الزوار أعمالاً فنية فوتوغرافية، فضلاً عن أعمال فنان شاب فرنسي- إيراني يدعى سباند دانيش، يستدعي هو أيضاً روح الأنوار من خلال استلهام لفضاء نسق حضري، ومنحوتات ومجسمات تركيبية ملهمة موجهة خاصة للزوار من الأطفال. كما تقترح في هذا الفضاء أيضاً مجموعة «ليل3000» معرضاً ابتكارياً عن الأزياء بعنوان منسوجات الحلم «TextiDream»، بمشاركة 35 شركة ومؤسسة ومخترعاً، وفيه اختراقات مستقبلية في هذا المجال في شكل كبسولات متضمنة آخر الابتكارات، وبأسلوب يستصحب الحركة والضوء وروح العلم والشعر معاً.
أما أول ما يستقبل الزوار في الداخل فردهة استقبال رئيسية تعرض فيها مجموعة «ذا إكسبلوررز» بانوراما واسعة بالمشاهد والصور عالية الجودة من التراث الثقافي والطبيعي والإنساني لمناطق فرنسا المختلفة، مع شاشات عرض كبيرة، ويمكن هنا مشاهدة بعض أثمن كنوز التراث الفرنسي في مجالات الفنون والهندسة المعمارية والنقل والبيئة.. الخ. وتخصص القاعة الرئيسية في الدور الأرضي للجمهور العام، في حين يخصص الطابق الأول من الجناح، المسمى «البلفدير»، لجمهور مستهدف (من المديرين التنفيذيين والعلماء، والشركاء والمدعوين) وفيه فضاءات قابلة للتعديل، ويشمل قاعات اجتماعات ومطعماً وقاعة سينما. وسيشهد «البلفدير» فعاليات فنية مثل معرض «إيتوبيا» عن التصوير الفائق والمستقبلي، وآخر من «إيمترك» عن كبسولة «فوياجر» للسفر المستقبلي التي يمكن أن تتسع لأربعة أشخاص. وتبلغ مساحة هذا الفضاء 1160 متراً مربعاً، على شكل 4 أجزاء، وشرفة مساحتها 40 متراً، فضلاً عن وجود مظلة على ارتفاع 15 متراً ومساحة مفتوحة. والواجهة والمظلة تشكلان شاشة إضاءة وسماء اصطناعية ذات دلالة فنية وتخيلية، تستدعي في الذهن مفهوم الضوء والتنوير المستمر.

المعرض الدائم
أما المعرض الدائم في الفضاء الرئيسي، فهو بؤرة «النور والتنوير»، وقلب الجناح النابض ونواة برامجه المُبهرة، ويشغل مساحة تزيد على 800 متر مربع، وقد خصصت فعالياته لتقديم وتجسيد مفهوم التقدم باعتباره مفهوماً مؤسِّساً لمعارض إكسبو أصلاً، وأيضاً لكونه مفهوماً إنسانياً حالماً وجامعاً. وفي هذا المعرض الدائم ثلاثة فضاءات منفصلة يقترح كل منها تعريفاً مختلفاً لمفهوم التقدم، بحسب جيستين فيليرس مفوضة الجناح.
وكما يمكن أن نتوقع فقد تم استدعاء مفهوم التنوير الذي اختير شعاراً لهذا المعرض، من خلال واحد من أكثر المشاريع رمزية في عصر التنوير الفرنسي الشهير، هو موسوعة «الإنسكلوبيديا» لديدرو ودالمبير ذائعة الصيت، المسماة أصلاً «القاموس المُبرهن للعلوم والفنون والحِرف» التي نشرت بين 1751 و1772، حيث ستتم استعارة نسخة أصلية من 35 مجلداً من هذه الموسوعة الخالدة من الأرشيف الوطني الفرنسي وعرضها في الجناح. وفي وجود هذه الموسوعة تذكير بأن فرنسا لم تكفّ منذ قرن الأنوار عن الدفع بمسيرة العلوم والاختراعات التقنية في خدمة مسيرة التقدم الإنساني. وفي المعرض الدائم أيضاً يتناول الركن الجغرافي ابتكارات ذات صلة بمفهوم التقدم في مجال النقل، فسيقدم ستة شركاء في الجناح ابتكاراتهم، حيث تعرض مجموعة «رينو» ضمن ابتكاراتها السيارة الكهربائية «موبيلايز» Mobilize ضمن حلولها المستقبلية للنقل الذكي المستدام والصديق للبيئة وببصمة كربونية محايدة. وتعرض مجموعة «فلايينج وولز» منطاد LCA60T للنقل الجوي في المستقبل الذي يمكن أن ينقل شحنات تصل 60 طناً، وهو حل طموح ومبتكر ووحيد من نوعه عالمياً.. يمكن أن يسهم في فك العزلة عن المناطق النائية، ويدعم فرص التنمية في غياب البنية التحتية في المجتمعات الأكثر فقراً. وفي المعرض الدائم أيضاً فعالية مشوقة في شكل مجرة من ثلاثة كواكب افتراضية، أحدها معرض افتراضي تحت الجليد عن القارة القطبية الجنوبية «أنتركتيكا» للتبصير بالتحدي البيئي، وآخر عن التقدم ومستقبل العلوم والتعليم العابر للتخصصات، ورحلة مع تاريخ تقدم العلوم من الإنسكلوبيديا إلى ويكيبيديا. وفي كوكب الفن تعرض مجموعة «آر إكسبلورا» سفينة- متحفاً لتسهيل وصول الفن إلى الجمهور، لتفاوت الفرص واقعياً في وصول الجمهور إلى الفن. وكذلك هناك عرض عن تجربة منطقة «إيل دو فرانس» في الحلول والخدمات الذكية في الفضاء الحضري المديني.. وهي تجربة يمكن أن تكون ملهمة للدول البازغة. ويتناول المعرض الدائم أيضاً مفهوم التقدم تجسيداً وانسجاماً مع موضوع إكسبو دبي 2020: «تواصل العقول وصنع المستقبل»، حيث تم تصميم هذا الركن في استلهام وانسجام مع مفاهيم ​​صناعة المستقبل المشترك. كما سيكون الزوار على موعد مع فاعليات أخرى عديدة يضيق المجال هنا عن حصرها كلها، من بينها فاعلية مشوقة تستحضر الأديب -والطيار- الفرنسي الشهير أنطوان دي سانت إكسوبيري، ومغامراته الاستكشافية في جميع أنحاء العالم. وهذه الرحلة الخيالية والشاعرية تكشف الجوانب المترابطة بين مختلف مجالات المعرفة والثقافة الإنسانية كالفنون والعلوم والتقنيات والاختراعات وموهبة الاستكشاف واختراق الآفاق.. الخ.

تاريخ حافل
ولفرنسا تاريخ حافل في دورات معارض إكسبو العالمية منذ بدايتها في منتصف القرن التاسع عشر بمعرض لندن 1851، حيث استضافت باريس الدورة الثانية من المعرض الدولي الشامل سنة 1855، كما استضافت أيضاً دورات عديدة أخرى لاحقة، من أشهرها دورة إكسبو باريس 1889 التي كُرست للاحتفاء بالذكرى المئة للثورة الفرنسية. وهي الدورة نفسها التي بُني لها برج إيفل الشهير ليصبح منذ ذلك التاريخ إيقونة ورمزاً ذا جاذبية ورمزية خاصة في المخيال الدولي عن العاصمة باريس، وعن فرنسا بشكل عام.

الجناح ما بعد «إكسبو»
ومثلما خلّد التاريخ برج إيفل، كشاهد ماثِل على دورة إكسبو 1889 في باريس، سيخلد أيضاً الجناح الفرنسي في إكسبو 2020 دبي، حيث عُرفت منذ الآن وجهته النهائية بعد اكتمال زمن المعرض نهاية شهر مارس المقبل. فقد تم شراء مكونات هذا المبنى الذكي والصديق للبيئة، والقابل للتفكيك والشحن، من طرف المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية، الذي سينقله لإعادة تركيبه بشكل دائم في مقره بمدينة تولوز.

المعارض المؤقتة
أما المعارض المؤقتة الخمسة فتسعى إلى إبراز روح التنوع والتميز والمعرفة الفنية والخبرة الفرنسية، في مجالات الفن الرقمي والفن البلاستيكي (المرئي) والعمارة والمطبخ والموضة، حيث تنتظر الزوار رحلة افتراضية عبر الزمن تقترحها «لوريال» و«هسيتوفري» في تاريخ كاتدرائية نوتردام الشهيرة، في باريس، منذ بنائها في القرون الوسطى، وحتى الأعمال الجارية الآن لإعادة ترميمها بعد حريق عام 2019.
وفي فنون المائدة سيتعرف الزوار -مع مجموعة شلهوب العريقة التي تأسست قبل 65 عاماً- على فن العيش الفرنسي، ومباهجه الشائقة الكثيرة. وستعرض في متجر الجناح تشكيلة واسعة من التذكارات والمشغولات الحرفية المصنوعة بإتقان من طرف مبدعين فرنسيين وعلامات تجارية فرنسية. كما سيكتشف الزوار أيضاً إبهار الكثير من الاختراعات الفريدة الجديدة الأخرى، التي تفتح نوافذ على أنماط وابتكارات من شأنها رفع مستويات جودة الحياة، تحليقاً مع الخيال، ورسماً لملامح المستقبل.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©