عدد اليوم
شعبان بلال (القاهرة)
هل تخيلت يوماً أن تكتشف جبلاً من الذهب يكون ملكاً لك وسكان مدينتك، دون وجود أي سلطات رقابية تحاول الاستيلاء أو حماية هذا المعدن النفيس؟
ربما يُمكن رؤية ذلك في عمل درامي وليس في واقع حقيقي وملموس، إذ تُعد فرص الحصول على هذا المعدن صعبة للغاية، فهو من المعادن التي تباع بالجرام الواحد.
قبل أيام، وفي إحدى قرى جمهورية الكونغو الديمقراطية، الواقعة في وسط أفريقيا، كسرت هذه الصورة وتحول هذا المشهد الدرامي إلى واقع، بعد اكتشاف سكان هذه القرية جبلاً من الذهب، وسط عدم وجود أي سلطات أو جهات حكومية تمنعهم من التنقيب والحفر والامتلاك.
ومع انتشار مقطع فيديو على مواقع التوصل الاجتماعي بصورة كبيرة - تحققنا من صحته - ظهر فيه تجمع مئات الأشخاص كخلايا نحل فوق جبل لونه يميل إلى الأصفر، حاملين معدات وآلات حفر وتنقيب، في ازدحام شديد، وتسارع غير مسبوق لجمع رواسب الذهب في أجولة وملابسهم أيضاً وتحميلها إلى منازلهم، من أجل تنقيتها من الرواسب، لاستخلاص الذهب الخالص النقي.
وعلى الرغم من هذا التزاحم من سكان القرية على جمع الذهب، فلا توجد أي سلطات أو جهات رقابية لحماية هذه الثروات، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين سكان العالم الذين شاهدوا هذا المشهد بذهول.
قرية الذهب
ومن جمهورية الكونغو الديمقراطية، يقول آدم محمد بوليلو نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية المصرية الكونغولية، إن هذه القرية تُدعى «بوكافو» وتبعد ما يقرب من 2000 كيلومتر عن العاصمة كينشاسا، وأيضاً على الحدود مع دول: بورندي ورواندا وأوغندا.
وتحتوي هذه المنطقة، حسب ما قال بوليلو لـ «الاتحاد»، ثروات هائلة من المعادن خاصة الذهب، مؤكداً أن هذا الاكتشاف ليس الأول من نوعه، فهناك العديد من الاكتشافات السابقة لمعادن نفسية، مثل الذهب والألماس والنحاس الأصفر واليورانيوم ومعادن أخرى متعددة.
وأكد آدم بوليلو، أنه لا توجد استفادة من هذه الجبال من المعادن في مواجهة الفقر والجوع الذي يُعانيه شعب الكونغو، الذين يبلغ عددهم حوالي 92 مليون نسمة، لكنه أشار إلى أن الجيل القادم واعٍ ومثقف، ويعمل على الاستفادة من هذه الثروات ودعم الشعب الكونغولي.
ويعتبر التنقيب عن الذهب ممارسة قديمة وواسعة الانتشار في جميع أنحاء العالم، وقد أصبحت في العصر الحالي نشاطاً تجارياً عالمياً يمارس في كل القارات، باستثناء القارة القطبية الجنوبية.
ومن الكونغو الديمقراطية إلى السودان، والذي شهد قبل أيام أيضاً اكتشاف جبل ذهب مهجور في منطقة قريبة من مدينة وادي حلفا في أقصى الشمال، لكنه تسبب في مصرع 6 أشخاص أثناء عمليات التنقيب والحفر على هذا المعدن النفيس، حسب بيانات رسمية من السلطات المسؤولة هناك.
ثروات أفريقيا
ويقول إيهاب وصفي، عضو شعبة الذهب في اتحاد الغرف التجارية المصرية، إن أفريقيا غنية بالثروات المعدنية وبصورة خاصة الذهب وبعض الأنواع من الأحجار الكريمة، مضيفاً أن هناك كميات كبيرة لا تدخل ضمن إحصاءات استخراج الذهب، لأن هناك استخراجاً غير مقنن، خاصة في الدول الإفريقية.
وأضاف وصفي أن هناك جبالاً من الذهب في أفريقيا، خاصة في دول جنوب أفريقيا وغانا والسودان والكونغو والدول الواقعة على النيل، مشيراً إلى عدم القدرة على استغلالها بالصورة المُثلى، لوجود أعمال غير قانونية، وعدم وجود جهات قوية للرقابة عليها.
وأشار الخبير الاقتصادي المتخصص في الذهب إلى أن جائحة «كورونا» أثرت بصورة مباشرة على أسعار الذهب، التي شهدت تذبذباً كبيراً خلال عام 2020، موضحاً أنه على الرغم من الانخفاض على الطلب على الذهب عالمياً، فإن أسعار الذهب شهدت ارتفاعات لم تسبق في تاريخه، وذلك بسبب الاتجاه للاستثمار في الذهب كملاذ آمن للاستثمار في ظل الركود في باقي القطاعات.
وعلى الرغم من امتلاك القارة الأفريقية كميات هائلة من الذهب، فإن الصين تعد أكبر منتج للذهب في العالم، حسب بيانات موقع الإحصاءات العالمي «statista»، بينما الدول التي لديها أكبر احتياطيات تقديرية هي أستراليا وروسيا وجنوب أفريقيا، في حين تمتلك الولايات المتحدة أكبر حيازات من الذهب في أي بلد في جميع أنحاء العالم، بينما تتصدر شركة نيومونت الأميركية قائمة الشركات الرائدة عالمياً في تعدين الذهب، والتي اندمجت في عام 2019 مع شركة تعدين الذهب الكندية باريك جولد.
رواسب ذهبية
ويري الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، أن لفظ جبال الذهب يُطلق مجازاً على المناطق الجبلية والصخرية التي توجد بها رواسب كبيرة من الذهب، مضيفاً أن الذهب منتشر في معظم الدول الأفريقية، لأنه يتميز بتعدد طريقة التكوين وواسع الانتشار في معظم الصخور، حيث يتكون مع الجرانيت والصخور النارية ومع البراكين وتحت الأرض، وبعض الرواسب في البحار والمحيطات وغير ذلك، على عكس معدن الألماس الذي يتكون بطريقة واحدة وفي نوع واحد من الصخور.
وأضاف شراقي، الحاصل على الدكتوراه في الذهب من جامعة كولورادو الأميركية، أن هناك 35 دولة أفريقية تُنتج الذهب، منها 10 دول تُنتج بكميات تجارية، مضيفاً أن 50% من ذهب العالم الحالي مصدره القارة الأفريقية، ومعظم هذه النسبة من منجم يقع في دولة جنوب أفريقيا، وهو أكبر منجم في القارة، ويُدعى «ويت واترز راند»، وما زال حتى الآن ينتج، ويليه منجم أشانتي الواقع في غانا بغرب أفريقيا.
وأشار الباحث المصري إلى أن 50% من ذهب أفريقيا ينتج عن أشخاص ينقبون في رواسب الأودية، خاصة أنها لا تحتاج لأدوات أو معدات، لكن المناجم تسيطر عليها شركات تعدين متخصصة، وتستخدم معدات حفر وتنقيب على السطح وتحت الأرض.
