السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الرواد الأوائل في حفر آبار النفط.. مسيرة عطاء

فؤاد صيلين انضم لشركة أدنوك للحفر منذ 34 عاماً (من المصدر)
23 مايو 2021 03:17

سيد الحجار (أبوظبي)

في صيف عام 1979، وصل الشاب الإماراتي سليمان المسكري إلى أبوظبي قادماً من إنجلترا، بعد إكمال دراسته وحصوله على شهادته الجامعية من جامعة «بليموث بوليتكنيك»، ليلتحق بالعمل في إحدى منصات الحفر في أبوظبي والمملوكة للشركة المعروفة آنذاك باسم «شركة الحفر الوطنية»، والتي تعرف حالياً باسم «أدنوك للحفر».
وعلى مدى عقود، ساهمت «أدنوك للحفر» في مسيرة نمو وتطور دولة الإمارات، من خلال دور كوادرها المواطنة التي اتسمت بالكفاءة والإخلاص والتفاني في العمل عبر سنين خدمتها الطويلة في الشركة، لتمثل حافزاً للأجيال الجديدة لاستكمال المسيرة.
وتماشياً مع التزام أدنوك بالاستثمار في الكوادر البشرية، حرصت أدنوك للحفر منذ تأسيسها على رعاية وتشجيع الكفاءات الشابة من المواطنين، ودعم تطورهم المهني في كافة المجالات مع التركيز على التقنيات الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، خصوصاً في ظل مسيرة التحول الرقمي التي تقوم بها الشركة لمواكبة التغيرات التي يشهدها قطاع الطاقة ولضمان النمو والتطور. 
وتمتلك «أدنوك للحفر» أكبر أسطول حفر في الشرق الأوسط يتكون من 96 حفارة برية وبحرية حديثة، بالإضافة إلى قوى عاملة متخصصة تتكون من 7 آلاف مهندس وخبير وفني يساهمون مجتمعين في دعم جهود أدنوك الرامية للمحافظة على مكانتها ضمن الشركات الأقل تكلفة في إنتاج النفط الخام في العالم.

  • سليمان المسكري أمام أول منصة حفر في أبوظبي «AD-1» (من المصدر)
    سليمان المسكري أمام أول منصة حفر في أبوظبي «AD-1» (من المصدر)

طرق صعبة
ويقول سليمان المسكري، الذي يعد أحد الرواد الأوائل من المواطنين الذين عملوا في مجال حفر آبار النفط والغاز في الدولة: يكمن نجاح شركة «أدنوك» للحفر في إخلاص وتفاني كوادرها العاملة، لقد كنا ضمن أوائل العاملين في الشركة التي أُنشئت لتنفيذ هدف واحد مهم للغاية، ألا وهو حفر الآبار لتمكين دولة الإمارات من إنتاج النفط والغاز. 
وتتطلب أعمال الحفر مهارة عالية، حيث يتم تنفيذها في بيئات عمل قاسية وفي ظروف صعبة في الصحراء والبحار، لذا يتم تدريب الموظفين الميدانيين على العمل وفقاً لأنظمة السلامة الأكثر دقة المعروف باسم «ميثاق أدنوك 100% صحة وسلامة وبيئة».
ويتذكر المسكري، المتقاعد حالياً والبالغ من العمر 74 عاماً بدايات عمله الميداني بمجال حفر الآبار قائلاً: عملت في أول حفارة للشركة والتي كانت الحفارة البريةAD-1، وذلك في حوض الربع الخالي للمنطقة الغربية، حيث كان حقل «عصب» في مرحلة الإنتاج، وفي تلك الأيام كان عدد الطرق المعبدة قليلاً للغاية، وكانت القيادة على الطرقات صعبة، وكان يتعين التواصل مع مشغلي اللاسلكي قبل الانطلاق تحسباً للضياع في الطري، أتذكر أنني وصلت للحفارة التي كانت تتلألأ في تحت أشعة الشمس بعد ثلاث ساعات من السفر، واندهشت من حجمها، فقد كانت ضخمة للغاية بالنسبة لي.
ويضيف: كانت كرفانات الإعاشة تقع على مسافة قريبة من الحفارة، ما استلزم إعطاء اهتمام إضافي لاحتمال انبعاث غاز كبريتيد الهيدروجين من البئر بتركيزات عالية، بما قد يؤثر على صحة وسلامة عمال الحفر، حالياً تشكل الصحة والسلامة والبيئة أولوية رئيسية لجميع الأعمال في أدنوك، ولكن حتى في ذلك الوقت كان هناك احترام لمعايير السلامة.

نمو وتوسع
وشكلت فترة السبعينيات والثمانينيات فترة توسع ونمو لشركة «أدنوك للحفر» مع الاستحواذ المستمر على منصات الحفر لتلبية الطلب على حفر المزيد من الآبار البرية والبحرية، وتمتعت الشركة بكوادر بشرية متميزة اضطلعت ببناء قدرات الحفر الوطنية. ويقول المسكري: «منذ البداية، كان الحفر من أهم العمليات، لأنه كان يتعين علينا حفر الآبار لاستخراج النفط. وكان دور عمليات الحفر كبيراً ولا يزال كذلك حتى الآن. في البداية، اعتقدنا أنه سيكون لدينا عدد يتراوح من 8 إلى 10 حفارات، واليوم تملك الشركة 96 حفارة تبلغ قيمتها مليارات الدراهم، وكثير من تلك الحفارات تمت صناعتها في دولة الإمارات، مما ساهم في تعزيز القيمة المحلية.

تأهيل المواطنين
ويعتقد سليمان المسكري، والذي شهدت مسيرته المهنية تطوراً ملحوظاً، حيث تسلم إدارة الشؤون الإدارية في شركة أدنوك للحفر بحلول عام 2000، أن نمو الشركة وتوسعها قد أدى إلى تحقيق إنجاز غير مسبوق في دول الخليج.
وكانت إحدى الأولويات الرئيسية في مطلع الألفية هي تشجيع المزيد من الإماراتيين على الالتحاق بوظائف في مجال الحفر، وكان ذلك مدفوعاً بالنقص العالمي في أطقم عمال الحفر المتخصصين.

ويتذكر المسكري، الذي تقاعد في عام 2009، قائلاً: في البداية كان من الصعب استقطاب مواطني دولة الإمارات للعمل في مجال الحفر، لذلك عملنا على تعديل السياسات وأنظمة الدرجات وفرص العمل حتى نتمكن من تشجيعهم على الانضمام للشركة.  وسرعان ما لاحظ الجميع أن هنالك المزيد من خريجي الجامعات بين المتقدمين للوظائف، وقد خطت»أدنوك للحفر«خطوة إضافية، حيث أنشأت مدرسة تدريب خاصة بها، ثم توسعت هذه المدرسة في عام 2015 لتصبح مركز تدريب الحفر في بدع العوشانة في منطقة الظفرة، مما أتاح الفرصة أمام الشباب الإماراتي لاكتساب المهارات والحصول على وظائف ناجحة في حفارات الشركة.   وكان المسكري مسروراً للغاية بتخريج أكثر من 1000 مواطن إماراتي، بالإضافة إلى انضمام عدد من الخريجات المواطنات من جامعات محلية لصفوف متخصصي الحفر في الشركة. ويقول المسكري: فضلاً عن الاهتمام الكبير اليوم بالتدريب والتأهيل للعاملين، تحرص الشركة على التوسع في استخدام المعدات والتقنيات والتكنولوجيا الحديثة، مع التركيز على بناء قدرات جيل المستقبل من المتخصصين في مجال الحفر، وتزويدهم بالمهارات والمعرفة المتقدمة، بالإضافة إلى الخبرة العملية للعمل بكفاءة، وإدارة حلول الرقمية، والتشغيل الآلي عن بُعد، وتوظيف الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي. واليوم يعيش سليمان المسكري حياة هادئة في العين حيث يقضي معظم أوقاته في العناية بحديقته وزيارة أفراد عائلته، وبرغم ذلك، فإنه لا يزال مرتبطاً إلى حد كبير بعالم الحفر، حيث يستذكر 50 عاماً من تاريخ دولة الإمارات ودور»أدنوك للحفر«في صنع هذا التاريخ.

السنوات الأولى
واليوم يمكن ملاحظة وجود هيكل معدني رمادي اللون بجانب المقر الرئيسي لشركة أدنوك، على كورنيش أبوظبي، هذا الهيكل هوAD-1، أول منصة حفر برية في أبوظبي تم شراؤها عام 1973، وهذه المنصة لها أهمية ومكانة خاصة في قلوب أطقم فرق الحفر الذين يرون فيها الأساس لأسطول ضخم من الحفارات البرية والبحرية وتلك العاملة على الجزر التي تمتلكها أبوظبي، أو شركة «أدنوك للحفر» بصورة أكثر تحديداً.   عبد المنعم الكندي هو أحد الأشخاص العارفين بهذا التاريخ الحافل بالإنجازات، حيث شغل سابقاً منصب المدير العام لشركة»أدنوك للحفر«، ويشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي للموارد البشرية والتكنولوجيا والدعم المؤسسي في مجموعة أدنوك، بالإضافة إلى رئيس مجلس إدارة»أدنوك للحفر«. 
ويقول الكندي: بدأت حياتي المهنية في أدنوك منذ أكثر من 40 عاماً، وكنت معجباً للغاية بأعمال الحفر، كان عمل فريق الحفر شاقاً، ولكنه كان ممتعاً للغاية، وكان أسعد وقت في حياتي المهنية عند تعييني بمنصب المدير العام لشركة»أدنوك للحفر«عام 2001، حيث قمت من خلال منصبي هذا بقيادة أعمال الحفر التي تتيح لأدنوك الكشف عن الموارد الهيدروكربونية لخدمة الوطن.

  • سليمان المسكري في أحد مواقع عمل الشركة (من المصدر)
    سليمان المسكري في أحد مواقع عمل الشركة (من المصدر)

جنسيات متنوعة
ولا شك أن العمل الشاق على الحفارات جعل عمال الحفر فريقاً متماسكاً على الرغم من أنه فريق مؤلف من جنسيات مختلفة، إلا أن جميعهم كانوا يسعون لتحقيق النجاح، مدركين تماماً حجم المساهمة التي كانوا يقدمونها. ويقول فؤاد صيلين، السوري الجنسية البالغ من العمر 52 عاماً:»عندما ذهبت إلى الحفارة البحرية للمرة الأولى عام 1987 كنت مرتبكاً بشدة، ولم أكن متقناً للغة الإنجليزية في ذلك الوقت، ولكني كنت حريصاً على فهم كيفية العمل وكيف تتم الأمور«. 
وبعد 34 عاماً، أصبح فؤاد صيلين قائداً لفريق حفر في الشركة، ومتمرساً في كل ما يتعلق بأعمال الحفر.  ويتذكر فؤاد صيلين قائلاً:»في كل مرة كنت أسير فيها حول مهبط المروحيات، وأرى العمل الذي نقوم به على الحفارة، كنت أدرك مدى أهمية ما كنا نفعله بالنسبة لتوفير وقود الديزل للسفن، والوقود للمروحيات، والطاقة لإنارة المصابيح الكهربائية في أبوظبي، كل ما كنا نفعله على تلك الحفارة كان سبباً لهذا النجاح«.

نمو الأسطول
وصاحب الزيادة في أعداد الكوادر الإماراتية المؤهلة في مجال الحفر نمو في أسطول حفارات الشركة، فمنذ عام 2010 ولغاية يومنا الحاضر، ضاعفت»أدنوك للحفر«عدد الحفارات بثلاث مرات، وشمل ذلك بناء حفارات في دولة الإمارات بقيمة 7 مليارات درهم.
وفي عام 2018، دخلت»أدنوك للحفر«في شراكة مع شركة خدمات الحفر الدولية»بيكر هيوز«، التي استحوذت على حصة بنسبة 5%، مما مهد الطريق لشركة»أدنوك للحفر«لتصبح الشركة الوطنية الأولى في المنطقة التي تقدم خدمات متكاملة لحفر وتهيئة الآبار. 
ويقول أحمد المنصوري، من مكتبه في المقر الرئيسي لشركة أدنوك للحفر في أبوظبي: متحمس جداً بشأن المستقبل، وعملنا في أدنوك للحفر مصدر فخر لنا ولمن حولنا من عائلات وأصدقاء.
ويتذكر المنصوري، البالغ من العمر 49 عاماً، أيامه على الحفارات البحرية على سواحل أبوظبي أيضاً عام 1992، وعندما كان في العشرين من عمره غادر المنطقة الغربية بعد إتمام المرحلة الثانوية ليجد نفسه في عرض البحر. ويقول المنصوري: جئت من الصحراء إلى عالم مختلف، لقد بدأت من الصفر، كعامل خام، وتدرجت في عدة وظائف عبر مسيرة مهنية شهدت تطوراً مستمراً.  ويضيف المنصوري وهو يتذكر الغاز المتدفق أثناء عمله في حفارة دلما في عام 1994: كانت مرحلة مليئة بالإثارة أثناء الحفر والاستكشاف، في انتظار تلك اللحظة الحاسمة، وأنت تحبس أنفاسك، كان الأمر أشبه بالبحث عن الذهب، تلك اللحظة التي تصل فيها إلى مكمن نفطي، تجعلك تشعر بالفخر بحفارتك وبشركتك وبوطنك.

  •  عبد المنعم الكندي (وسط) وسليمان المسكري (الثالث من اليمين)
    عبد المنعم الكندي (وسط) وسليمان المسكري (الثالث من اليمين)

مسيرة نمو وتطور
بدأت عمليات الحفر لاستكشاف النفط والغاز في أبوظبي قبل عدة عقود، ولعبت دوراً محورياً ومهماً في مسيرة نمو وتطور البلاد، ونجحت في يناير 1953 في اكتشاف النفط لأول مرة على بعد 16 كيلومتراً جنوبي طريف، وذلك باستخدام هيكل معدني على شكل قبة، وأُطلق على النفط المستخرج اسم مربان.
وشكل اكتشاف النفط في دولة الإمارات نقطة تحول كبيرة في مسيرة دولة الإمارات في تاريخها، وكانت هناك رؤية تنموية شاملة لعب فيها قطاع النفط والغاز دوراً محورياً رسمت ملامحه وحددت أهدافه الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة في دولة الإمارات، ممثلة بالوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه.
وفي عام 1972، أسس مجلس وزراء أبوظبي، شركة الحفر الوطنية، مما أدى إلى نشوء أول شركة تابعة لشركة النفط والغاز الوطنية العملاقة التي ستصبح فيما بعد أدنوك، هذه الشركة التابعة تعرف حالياً باسم»أدنوك للحفر».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©