الإثنين 20 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

5 عقود حولت النموذج الإماراتي إلى نهج ل«اختصار الزمن»

جانب من مصانع شركة الإمارات العالمية للألمنيوم (الاتحاد)
20 ديسمبر 2021 01:24

يوسف البستنجي (أبوظبي)

لا تتوقف قصة دولة الإمارات عند حدود بناء مؤسسات دولة ووزارات وهياكل حكومية، بل هي عملية بناء حضارة جديدة، أساسها الإنسان الفاعل المتفاعل، القادر على استيعاب مختلف الحضارات والثقافات والشعوب، المنفتح على العالم، المتقبل للآخر المختلف عنه، القادر على إيجاد القواسم المشتركة لتطوير وتعزيز العمل والبناء والإنتاج، وتحقيق المزيد من الرفاهية، في بيئة عيش أساسها احترام إنسانية الإنسان، بغض النظر عن جنسيته أو جنسه أو لونه أو عرقه أو أصله أو دينه.
وإذا كان المرء يستمتع أحياناً بقراءة التاريخ، فإنه في معظم الأحيان يلجأ إلى خياله لمحاولة فهم وتصور تطورات الحضارات الكبيرة السابقة، والدول والشعوب والقادة الذين كان لهم الكلمة الفصل في صناعة الأحداث والتطورات.
ولأن الأحداث التاريخية المؤثرة في حياة البشرية، قلما تتكرر، وإذا حدث فهي مرة كل عدة قرون، عندها فقط نعلم كم هم محظوظون الناس الذين عاشوا وعاصروا وما زالوا يعيشون على أرض دولة الإمارات، لأنهم بكل بساطة، يرون في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة كيف يصنع التاريخ أمام أعينهم.
قبل خمسة عقود فقط، كانت دولة الإمارات عبارة عن قطعة من الصحراء، ولذا فقد كانت التحديات كبيرة جداً، ولهذا جاءت الإنجازات بحجم التحديات، فخلال برهة من الزمن لا تتجاوز خمسة عقود، وهو زمن قصير جداً قياساً بأعمار الدول، أصبحت دولة الإمارات، ملتقى قارات العالم، والمكان الأمثل للحياة، الذي يجتمع فيه ويمر منه ويزوره العالم، بل إنها تحولت من نقطة ترانزيت وعبور إلى مقصد نهائي للباحثين عن الأمن والأمان والرفاهية والحياة الكريمة والإقامة في مجتمع متعدد الثقافات، ودولة البنى التحتية الأكثر تطوراً، والخدمات الأفضل على مستوى العالم.
والمؤكد أن ذلك لم يأت من فراغ ولم يكن وليد مصادفة، بل كان نتيجة فلسفة حكم فريدة من نوعها ومدرسة في الأخلاق، أسسها المغفور له مؤسس دولة الاتحاد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، الذي آمن بأن البناء على الإنسانية والمحبة وعمل الخير والمساواة هو البناء الذي يدوم ويتطور، وأن الأخلاق والمصداقية والاحترام المتبادل يجب أن تكون أساساً لبناء الدولة وركيزة علاقاتها مع ضيوفها ومع العالم الخارجي.
ومثلت قناعة المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه» بأن الثروة الحقيقية للدولة وللتنمية وللاستدامة والمستقبل، تكمن في الإنسان، ودعم وتطوير وتأهيل الكوادر البشرية، هو حجر الزاوية والركن الأهم في بناء الدولة والمجتمع، ولذا كانت وصيته الدائمة: «إن النفط ثروة ناضبة.. علموا أبناءكم».
 إن فلسفة الحكم والبناء التي استندت إليها دولة الإمارات، تمت ترجمتها في المؤشرات المالية والاقتصادية والتنموية، خلال العقود الخمسة الماضية بجلاء، لتظهر اليوم في مستويات الإنجاز الذي تحقق في النهضة العلمية والمعرفية والصناعية والزراعية والعمرانية والخدماتية وشتى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتالياً عدد من المؤشرات والبيانات التي يمكن من خلالها الاستدلال على حجم الإنجاز:

الموازنة العامة
وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة المالية لدولة الإمارات، يتضح حجم الإنفاق على بناء الإنسان من جهة وبناء مؤسسات الدولة من جهة أخرى، عند التدقيق في الموازنات العامة الاتحادية التي تشكل جزءاً (يتراوح بين 12% و14% سنوياً) من إجمالي الإنفاق السنوي الحكومي العام (إنفاق الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية)، لكن اعتمادها كمؤشر يقدم الكثير من الدلالات، على فلسفة الدولة، حيث تضاعفت قيمة الإنفاق الاتحادي السنوي، في الموازنات الاتحادية الرسمية، على مدى العقود الخمسة الماضية، أكثر من 300 مرة، ما يعتبر أحد معدلات النمو التي قد لا يكون لها مثيل على مستوى العالم.
ويقول سعيد راشد اليتيم، وكيل وزارة المالية المساعد لشؤون الموارد والميزانية: يقف هذا النمو شاهداً على مسيرة التقدم والتنمية والازدهار التي حققتهما الدولة خلال السنوات والعقود الماضية.
 وتظهر البيانات أن قيمة الإنفاق الإجمالي في الميزانية العامة الاتحادية بلغ نحو 1.27 تريليون درهم، خلال خمسين عاماً، أكثر من نصفها تم توظيفه لتطوير قطاعات التعليم والصحة والإسكان والمنافع الاجتماعية التي تصب في خدمة الهدف الأساسي للدولة، وهو بناء الإنسان وتوطين العلم والمعرفة والخبرة، والاستفادة من أفضل الممارسات العالمية المتطورة في عملية التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية.

  •  مصنع ستراتا بالعين (الاتحاد)
    مصنع ستراتا بالعين (الاتحاد)

 الصناعة
 فاقت إنجازات قطاع الصناعة الإماراتي كافة التوقعات، حيث أصبح حجم القطاع اليوم يعادل الناتج المحلي الإجمالي لعدة دول في الشرق الأوسط، بعد أن تجاوزت قيمته 150 مليار درهم، والجدير ذكره في هذا المجال أن نوعية التصنيع في دولة الإمارات تتجاوز أهمية القيمة المادية التي وصل إليها.
ووفقاً للبيانات الصادرة عن شركة «ستراتا» التابعة لشركة «مبادلة للتنمية» المملوكة لحكومة أبوظبي، فقد أصبحت دولة الإمارات اليوم أحد أكبر منتجي أجزاء الطائرات في العالم، وتحولت مدينة العين الإماراتية من واحة صحراوية كانت مصدراً للمياه فقط، إلى أحد أهم مراكز العالم لتصنيع وتطوير أكثر الصناعات تعقيداً، حيث صدرت شركة «ستراتا» لصناعة أجزاء الطائرات منذ عام 2010 عندما بدأت التصنيع وحتى الآن أكثر من 68 ألف قطعة وجزء من أجزاء الطائرات لشركات عالمية في مقدمتها، «بوينغ» و«إيرباص» و«ليوناردو فينميكانيكا»، وعدة شركات كبرى أخرى، ولم يعد اليوم هناك طائرة من طائرات إيرباص تحلق في السماء حول العالم، إلا وضمن تكوينها يوجد قطعة واحدة على الأقل منتجة في مدينة العين الإماراتية. 
إن الإشارة لصناعة أجزاء الطائرات هي مجرد مثال فقط، بهدف إبراز حجم التقدم العلمي والتقني والمعرفة التي نجحت الدولة في توطينها هنا، أما قطاع الصناعة الإماراتي، فقد أصبح مزوداً رئيسياً للبتروكيماويات والحديد والألمنيوم والعديد من المنتجات الحيوية الأخرى للأسواق العالمية، بما فيها الأكثر تطوراً.
ويملك أيضاً عدة محاور رئيسة ذات أهمية كبرى على مستوى الاقتصاد العالمي، منها الزجاج والكابلات والسيراميك والصناعات الهندسية، وصولاً إلى صناعة الأدوية والصناعات الغذائية والورقية والجلدية والمعدنية، وغيرها الكثير.

وجهة استثمارية
 وتعتبر دولة الإمارات اليوم إحدى أهم الوجهات الاستثمارية لأكبر الشركات العالمية والمستثمرين وأصحاب الثروات المليارية، حيث تشير بعض الدراسات والبحوث المتخصصة أنها تتصدر دول الشرق الأوسط من حيث عدد المليارديرات الذين يقيمون بالدولة، وتحتل المركز 22 عالمياً في عام 2021.. وحلت الإمارات بالمرتبة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وال 15 عالمياً من حيث جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية المباشر، بحسب تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي للعام 2021 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، حيث استطاعت استقطاب نحو 20 مليار دولار أميركي استثمارات أجنبية مباشرة في 2020. 

سوق للعمل 
وتعتبر دولة الإمارات أيضاً قبلة للباحثين عن فرص للعمل والحياة الكريمة، وتظهر بيانات رسمية صادرة عن دوائر التنمية الاقتصادية المحلية، أن أكثر من 740 ألف شركة مسجلة رسمياً في دولة الإمارات مطلع 2021، منها نحو 100 ألف شركة في المناطق الحرة بالدولة، فيما تؤكد بيانات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء أن سوق العمل في الدولة يوظف ما يقارب 7.4 مليون عامل، غالبيتهم من المقيمين ينتمون لأكثر من 200 جنسية، يعيشون ويعملون في الإمارات.
 وتعتبر دولة الإمارات ثاني أكبر مصدر لتحويلات العاملين بالخارج، على مستوى العالم، بحجم تحويلات سنوية يتجاوز متوسطه 150 مليار درهم بحسب بيانات صادرة عن مصرف الإمارات المركزي. وتشكل تحويلات العاملين بالدولة نحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي بالمتوسط السنوي.
 
البنى التحتية
ولم يتوقف تحقيق الحلم الإماراتي عند بناء الدولة الأكثر عصرية من ناحية البنى التحتية والمطارات والموانئ العالمية، وتوفير الكهرباء والمياه والإنترنت وخدمات الاتصالات المتطورة، بل حققت قفزات لا حدود لها حتى في الخيال، في مجال الإدارة العامة، ومستويات الرفاهية، والتطور العام، لتتربع على قمة العالم في العديد من مؤشرات التنافسية، ولتصبح أبوظبي اليوم إحدى أهم العواصم العالمية التي تشد إليها الرحال، لا من قبل زوار عاديين فقط، بل من قبل رؤساء القوى العظمى، وصناع القرار والمسؤولين والمستثمرين والعلماء الأكثر أهمية وفاعلية وتأثيراً على مستوى العالم. لقد تبنت القيادة الإماراتية الحكيمة سياسة تنموية اقتصادية واجتماعية فريدة من نوعها، تمثل اليوم مدرسة ونموذجاً للبناء والنماء لكل الشعوب التي يحدوها الأمل في سبيل الحصول على مستقبل أفضل.

القطاع المالي
خلال العقود الخمسة الماضية نما قطاع المصارف والخدمات المالية الإماراتي ليصبح اليوم أكبر قطاع مصرفي في الشرق الأوسط بقيمة موجودات إجمالية تجاوزت 3.2 تريليون درهم، ولتتحول دولة الإمارات بفعل ذلك إلى أحد أهم المراكز المالية والاستثمارية العالمية، التي تعتبر الأكثر جاذبية وجدوى للمستثمرين والشركات الباحثة عن فرص آمنة ومستدامة.
 وطورت دولة الإمارات أسواقاً مالية تعتبر بين الأكثر عمقاً وفعالية في الشرق الأوسط بحجم تداولات يومي يتجاوز عدة مليارات من الدراهم وبقيمة سوقية تجاوزت مؤخراً حاجز التريلوني درهم.. إن ما تحقق في الاقتصاد الإماراتي اليوم يعتبر معجزة حقيقية بكل المقاييس، ورغم أن الدولة تعتبر أحد أهم منتجي النفط والغاز في العالم، إلا أن القطاع النفطي حالياً، لا يشكل أكثر من 27% من الناتج المحلي الإجمالي. واليوم، وبعد خمسة عقود، وظفت خلالها دولة الإمارات عائدات النفط خير توظيف، في بناء الدولة والإنسان، نجحت قيادة الدولة في تقديم وجه حضاري إنساني منفتح متطور، استقطب اهتمام العالم أجمع، واستحوذ على ثقة الحكومات والمنظمات الدولية، والإنسان والشركات والشعوب.

الطاقة
في قطاع الطاقة يكفي القول إن الدولة انضمت رسمياً إلى نادي الدول النووية، حيث بدأت إنتاج الكهرباء باستخدام المفاعلات النووية في أبوظبي، كما تعتبر الدولة قيادية على مستوى العالم في قطاع الطاقة المتجددة على مستوى التصنيع والإنتاج والتوزيع والخدمات.

السياحة 
لم يكن أكثر المراقبين تفاؤلاً يتوقع، قبل خمسة عقود، أن تصبح دولة الإمارات إحدى أهم الوجهات السياحية على مستوى العالم، بعدد سياح وصل إلى أكثر من 27 مليون سائح سنوياً، كما بلغ عدد المسافرين الدوليين عبر مطارات الدولة 128 مليون مسافر في 2019، قبل جائحة كورونا، ولم يك أيضاً من المتوقع أن يتجاوز مطار دبي الدولي مطار هيثرو ليتربع على قمة مطارات العالم من حيث عدد المسافرين الدوليين الذي تجاوز 92 مليون مسافر.

مسبار الأمل
آتت خطط الدولة أُكلها بسرعة فاقت التوقعات، وخلال خمسة عقود فقط، تمكنت دولة الإمارات من أن تصبح بين أوليات الدول التي وصلت إلى كوكب المريخ، من خلال إطلاق مسبار الأمل، بإمكاناتها العلمية والتقنية، وبعقول أبنائها، وأن تضع لمساتها الخاصة على التطور العلمي والتقني والحضاري على مستوى العالم، وأن تصبح علامة مميزة لها مكانتها الخاصة لدى المبتكرين والمبدعين والعلماء والخبراء.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©