الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الشرق الأوسط.. مفترق طرق مناخي

الشرق الأوسط.. مفترق طرق مناخي
28 مايو 2023 01:24

وائل بدران (أبوظبي)

 

تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كثيراً من التحديات، وقد لا يكون التغير المناخي السبب الوحيد لأزماتها، لكن إذا استمرت معضلة الاحتباس الحراري وما لها من آثار على تدهور البيئة والزراعة ونقص المياه، ومن ثم الغذاء، فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في كثير من الدول، لاسيما تلك التي عانت بالفعل من اضطرابات لفترة طويلة. 
ورغم الحاجة إلى استثمارات تقدر بزهاء 2.7 تريليون دولار في المتوسط سنوياً، في إطار جهود مواجهة التغير المناخي العالمية، بحسب تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» (يونكتاد)، تبدو المعادلة شديدة الوضوح: فضعف التصدي للتغيرات المناخية العالمية يعني تراجع القطاع الزراعي، ومن ثم انعدام الأمن الغذائي، وندرة المياه، الأمر الذي يفضي بدوره إلى زعزعة استقرار المجتمعات مع استمرار نمو السكان بوتيرة سريعة. لكن هل تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رفاهية عدم مواجهة التغير المناخي؟ وما هو مدى قدرة المنطقة على التكيف مع التداعيات المناخية؟ وما الفوائد التي يمكن أن تعود على المنطقة إذا ما تولت دفة القيادة العالمية للتصدي لهذه الظاهرة التي تهدد كوكبنا؟ هذا ما ترصده «الاتحاد» في السطور التالية، مستطلعة آراء مسؤولين دوليين وخبراء ومحللين رفيعي المستوى. 
وفي حين تردد مؤرخو الشرق الأوسط في الربط بين التغير المناخي ودورات صعود وأفول المنطقة، مفضلين بدلاً من ذلك التركيز على الشخصيات والثقافة والعرقيات، إلا أن بعض المحللين، مؤخراً آثروا الابتعاد عن فرضية أن الظروف المناخية في الشرق الأوسط ظلت ثابتة على مرّ القرون، بل وذهبت بعض التفسيرات إلى حد التأكيد أن التغير المناخي لعب دوراً كبيراً في تاريخ المنطقة منذ آلاف السنين. 
وتقول الدكتورة دينا عساف، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة لدولة الإمارات: «إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه مخاطر كبيرة جداً ناتجة عن التغير المناخي، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة». 
وأضافت، في تصريحات خاصة لـ «الاتحاد»: أن «من الموارد المالية المحدودة إلى الديناميات الجيوسياسية المعقدة، هناك حاجة ملحة لمعالجة العوائق القائمة لضمان استجابة جماعية ومنسقة» لمواجهة التغير المناخي وتداعياته.
ويتفق المحللون على أنه إذا لم تُوَاجه «هشاشة البيئة» في الشرق الأوسط، فقد يجعل ذلك أجزاء منها غير صالحة للسكن في فترات التدهور المناخي، ويدفع ذلك ملايين البشر إلى «هجرة مناخية». 
الدكتور جون سيكو، أستاذ «دراسات التنمية» بجامعة «ولونجونج»، وكبير الاستراتيجيين السياسيين والأمنيين في معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، حذر من أن معظم النماذج تُظهر أنه من دون الجهود الرامية إلى كبح الانبعاثات الكربونية، فإن منطقة الشرق الأوسط ستواجه مزيداً من حرارة الطقس والجفاف خلال العقود المقبلة. 
وأشار سيكو، في تصريحات خاصة لـ«الاتحاد»، إلى أن ذلك سيؤدي إلى نقص في الغذاء، وزعزعة الاستقرار، خصوصاً في المناطق التي لا تمتلك سبلاً للتكيف.
لاجئون مناخيون
تحذر التقارير من أن تؤدي تداعيات التغير المناخي إلى حدوث نقص في الغذاء، وهو ما سيضطر الملايين من «اللاجئين المناخيين» إلى الفرار، بيد أن الأزمة الأكبر تكمن في أنه قد لا يكون هناك أماكن متوافرة، وبحسب التقديرات، نزح ما يقارب 25 مليون شخص سنوياً عالمياً بسبب الكوارث البيئية بين عامي 2008 و2016، فيما تشير بعض أسوأ السيناريوهات، إلى أن عدد اللاجئين المناخيين سيصل إلى 1.4 مليار بحلول عام 2060. 
وحتى لو وجدت أماكن تحتضن اللاجئين المناخيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن أساليب المساعدة الإنسانية التقليدية في ظروف مشابهة، التي تعتمد على توفير مأوى مؤقت حتى يتمكن اللاجئون من العودة إلى منازلهم، لن تجدي نفعاً، وستطلب استبدالاً. 
ووفق هذه التقديرات، سيؤثر التغير المناخي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على جوانب الحياة كافة، من حالات طقس متطرفة إلى نقص المياه وانعدام الأمن الغذائي، وإنْ لم يحدث ذلك بصورة متساوية في كل دولة، لكن المحللون يحذرون من أن التداعيات ستمتد إلى مناطق واسعة، ما لم يتم التصدي لظاهرة الاحتباس الحراري.
وربما يختلف المحللون حول ما إذا كانت ظواهر الطقس المتطرفة، مثل الفيضانات أو حرائق الغابات على سبيل المثال، من شأنها أن تؤدي إلى حدوث صراعات داخلية، لكن المؤكد أن ندرة الموارد ستؤدي إلى النزاعات أو تفاقمها على أقل تقدير، كما تفسح المجال أمام الجماعات الإرهابية وحركات التمرد، وتضعف الحوكمة في كثير من الدول. 
ويضرب الخبراء مثالاً على ذلك، بما يحدث راهناً في الصومال التي كانت يوماً ما أحد أهم مراكز التجارة العالمية وأكثرها ازدهاراً واستقراراً، في سياق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتسارعة، بفعل درجات الحرارة المرتفعة للغاية، ونقص هطول الأمطار والجفاف، وانعدام الأمن الغذائي، مع زيادة عدد السكان بوتيرة متسارعة.  كما يشيرون إلى ما يحدث من فيضانات بوتيرة غير مألوفة في اليمن، عازين إياها إلى التغير المناخي، وهو ما يفاقم من المشكلات المركبة التي تواجه الدولة اليمنية، من تدهور بيئي واحتياجات إنسانية هائلة تتجاوز وسائل الإدارة المحلية لتجاوزها، بما يفاقم عدم الاستقرار السياسي، ويزيد من وتيرة الهجرة وحالة عدم اليقين. 
التكيف
وعلى مرّ السنوات الماضية، تعاملت المجتمعات مع التغير المناخي بدرجات متفاوتة من النجاح، وتتباين قدرة دول منطقة الشرق الأوسط على التكيف ومواجهة الجفاف المتكرر وظواهر الطقس المتطرفة، فيما يعتمد التكيف مع تداعيات التغير المناخي بدرجة كبيرة على الموارد الوطنية ومدى رغبة الدول في التعاون مع بعضها البعض لمواجهة تأثيرات الاحترار الحراري.
ولعل أحد التحديات التي تواجه التكيف مع المخاطر المرتبطة بتغير المناخ هو اتخاذ قرارات في «عالم متغير، مع استمرار عدم اليقين بشأن شدة وتوقيت تأثيرات تغير المناخ، وحدود فاعلية التكيف». 

 

وقال جون سيكو لـ «الاتحاد»: «في حين يصعب التنبؤ بتأثيرات التغير المناخي، التي لا يمكن توقعها في نهاية المطاف، إلا أن كل دولة ستتأثر بصورة مختلفة عن الأخرى، فعلى سبيل المثال دول الخليج ستكون في وضع أفضل بكثير من غيرها»، مضيفاً: «إن التكيف مع التغير المناخي وتخفيف تداعياته السلبية مرتبط في نهاية المطاف بالاستثمارات، ومن ثم القدرة على تمويله». 
وأكد أن الإمارات، على سبيل المثال، واحدة من أفضل دول العالم من حيث القدرة على إنتاج الطاقة الشمسية، لافتاً إلى أن الاستثمار في الطاقة الشمسية والتحول الفعال يجعل الإمارات ليس فقط مصدراً للبترول، ولكن أيضاً مصدراً للطاقة النظيفة في أنحاء المنطقة. لكن «سيكو» حذَّر من أن الدول التي تعاني من الصراعات، خصوصاً مثل اليمن، أو أزمات اقتصادية مثل لبنان تجد نفسها في وضع بالغ الصعوبة للاستثمار في حلول الطاقة النظيفة أو الزراعة كثيفة الإنتاجية التي تعتمد على التقنيات والتكنولوجيا المتقدمة. 
وبحسب مؤشر «نوتردام» لقدرة الدول على التكيف مع التغير المناخي، تتصدر الإمارات دول المنطقة الأكثر قدرة على التكيف في الشرق الأوسط، تليها المملكة العربية السعودية. ومن بين الدول ذات الاستعداد المتوسط للتكيف مع التغير المناخي، فتشمل القائمة الشرق أوسطية الأردن ومصر ولبنان، فيما تأتي ليبيا والسودان والعراق واليمن والصومال، بين الدول الأقل استعداداً للتكيف، من بين دول أخرى. 
وتحذر الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ أيضاً من أن العديد من المخاطر العالمية المتعلقة بتغير المناخ ستتركز في المناطق الحضرية، ما يعني أن «المخاطر تتزايد لأولئك الذين يفتقرون إلى البنية التحتية الأساسية والخدمات أو يعيشون في مناطق سكنية ذات جودة سيئة ومكشوفة».
وبالنظر إلى أن حجم الأزمات المعاصرة يتجاوز الموارد المتاحة للإغاثة، تبرز أهمية الدعوة إلى التعاون الإقليمي المنسق في قضايا تغير المناخ، وكذلك المطالبة بمشاركة أكثر فاعلية في برامج تغير المناخ من المؤسسات الدولية المعنية والمنتشرة على الصعيدين العالمي والإقليمي. 

التعاون
ودعت ليديا أفيلز، سفيرة «التحالف الأوروبي للمناخ» الذي دشنته المفوضية الأوروبية، دول الشرق الأوسط، مثل الدول الأخرى كافة، إلى التركيز أكثر على هدف خطة التنمية المستدامة رقم 17، ألا وهو «الشراكات من أجل تحقيق الأهداف»، دون إهمال الأهداف المستدامة الـ 16 الأخرى. 
وقالت: «أعتقد أننا جميعاً بحاجة إلى بعضنا بعضاً بقوة، فعندما يضربنا الجفاف، أو تنفد المياه، أو لا يوجد طعام، علينا أن نستعد لأسوأ الظروف بذكاء وجدية، فنحن مسؤولون ولدينا امتياز المعرفة المسبقة، ولدينا جميع الأدوات».
ومن هذا المنطلق تكمن أهمية إيجاد حلول استباقية للأزمات المستقبلية، عبر تعاون جماعي بين دول المنطقة من ناحية بالتنسيق مع المنظمات الدولية. 
وشددت أفيلز على ضرورة التعاون بين الدول، قائلة على الجميع الإقرار بنقاط الضعف ونقاط القوة لدى الآخرين، للتآزر فيما بينهم، لاسيما أن عملية التحول تحتاج إلى مقاربة إبداعية، ومنطقة الشرق الأوسط تقوم بجهد كبير لتصبح محور جذب للخبراء رفيعي المستوى، يساعدون في إطلاق المبادرات القيادية لعالم أكثر استدامة.
وساعد التحالف الأوروبي للمناخ في توسيع نطاق الوعي بمبادئ الاتفاق الأخضر لمختلف المجتمعات والقطاعات، بما في ذلك الشرق الأوسط، كما جرى تحفيز العديد من التغييرات والتطورات في الاتحاد الأوروبي وعلى المستوى العالمي نتيجة للمبادرات المناخية في الاتحاد الأوروبي. 
وقالت في تصريحات خاصة لـ«الاتحاد»: «لقد رأينا تأثيراً إيجابياً ينتشر كالدومينو، ونرى أيضاً مناطق أخرى تنفذ ابتكاراتها ومبادراتها الخاصة التي تأتي في إطار التعاون الكامل لمكافحة التغير المناخي على المستوى العالمي».
أفيلز نوّهت إلى أن الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط لديهما مصالح مشتركة، مثل الحاجة إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية كالمياه والطاقة والغذاء من بين أشياء أخرى، منوّهة إلى أنه من الممكن تعزيز التعاون عبر التحول للتركيز على المصالح المشتركة.
وقالت: «لدينا أشياء مشتركة أكثر مما نُقرّ، والاصطفاف جنباً إلى جنب في هذا الاتجاه بداية جيدة». 

وتتفق الدكتورة دينا عساف المنسقة المقيمة للأمم المتحدة مع ما قالته أفيلز، موضحة: «وسط هذه الجهود، تقف الأمم المتحدة كمدافع ثابت عن العمل المناخي والتنمية المستدامة، والتزام الأمم المتحدة بمعالجة التغير المناخي واضح من خلال أطرها الشاملة، مثل اتفاقية باريس وأهداف التنمية المستدامة، وحثّها الزعماء العالميين وجميع أفراد المجتمع على اتخاذ إجراءات جماعية».
وأضافت عساف في تصريحاتها لـ«الاتحاد»: «تدعم الأمم المتحدة بنشاط الدول كافة في تحقيق أهدافها الوطنية في مجال التغير المناخي من خلال توفير الخبرات التقنية وتسهيل الحوارات بشأن السياسات التي يجب اتباعها». 
الابتكار 
الخبراء والمسؤولون يجمعون على أهمية الابتكار واستخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة كأدوات أساسية ذات دور محوري في محاربة التغير المناخي.
واعتبرت ليديا أفيلز، سفيرة «التحالف الأوروبي للمناخ»، التابع للمفوضية الأوروبية: «إن مبادرات التغير المناخي في الاتحاد الأوروبي أطلقت شرارة كثير من التطورات داخل التكتل وفي أرجاء العالم».
وتابعت إن «التحالف الأوروبي للمناخ» يطبق بالفعل مبادئ الابتكار والاستدامة في إطار مبادرات مختلفة، وتضطلع المفوضية الأوروبية بجهود رائعة في مساعدة مختلف المشاريع والابتكارات على مستويات مختلفة، وهو ما يقود القارة الأوروبية نحو مستقبل أكثر استدامة، ونوّهت إلى أن منطقة الشرق الأوسط من جانبها حققت تقدماً بطموحات كبيرة في مجال تخزين الطاقة واستخدام الذكاء الاصطناعي للابتكار والتكنولوجيا العميقة. 
ونوّهت أفيلز، وهي أيضاً مستشارة دولية في مجال المناخ والابتكار، إلى الاستثمار المستدام الذي نراه يحدث بشكل متزايد في إطار الأهداف الطموحة، مؤكدة قدرة منطقة الشرق الأوسط على تولي دفة القيادة في العمل المناخي.
التكلفة
وتقدر تكلفة تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة عالمياً، بما يتراوح بين 5 و7 تريليونات دولار سنوياً، حسبما يشير جيفري باير، من «زيست أسوشيتس» للأبحاث، ومصطفى بيومي الباحث في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية في دراسة حديثة لهما.
ويشير باير وبيومي إلى أن هناك فجوة تمويل عالمية تقدر بما يتراوح بـ2 و4 تريليونات دولار، إذ لم يتم تخصيص سوى 3 تريليونات حالياً، ولا بد من سدها من أجل تحقيق التحول إلى مستقبل أكثر عدالة واستدامة. 
وفيما يقدر إجمالي الناتج المحلي العالمي بنحو 90 تريليون دولار، يعتبر صندوق النقد الدولي أن المجتمع الدولي بحاجة إلى جمع زهاء 3 تريليونات دولار سنوياً لمحاربة الاحترار المناخي.
وأما تقرير «ماكينزي» لعام 2022، فيؤكد أن العالم سيحتاج 275 تريليون دولار للوصول إلى نظام اقتصادي خالٍ من الكربون بحلول عام 2050، أي ما يناهز حجم إجمالي الناتج العالمي لثلاث سنوات. 
ويقدّر «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» «يونكتاد» فجوة التمويل اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بما يناهز 230 مليار دولار سنوياً، منذ عام 2014.
وفيما يتعلق بمكافحة التغير المناخي، فإن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي قدّرت وجود حاجة إلى استثمارات سنوية بما يتراوح بين 1.6 و3.8 تريليون دولار في أنظمة إمداد الطاقة خلال الفترة بين 2016 و2050 من أجل منع ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية، غير أن وكالة الطاقة الدولية أكدت أن ما استثمرته دول العالم في الطاقة النظيفة وكفاءة الأنظمة يقدر بنحو 600 مليار دولار في عام 2019، قبل أن تتراجع بشكل طفيف في الأعوام التالية بسبب وباء «كوفيد». 
لماذا نكافح التغير المناخي؟
الإجابة البديهية عن هذا السؤال هي الحيلولة دون وقوع الكوارث البيئية والإنسانية والسياسية المترتبة على تداعيات التغير المناخي، لكن هناك بعداً آخر بالغ الأهمية، ألا وهو أن الاستثمار في مكافحة الاحتباس الحراري هو استثمار يدر مليارات الدولارات، ويوفر ملايين فرص العمل للشباب. وبحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن تكاليف التكيف مع التغير المناخي سنوياً في الدول النامية وحدها يناهز 70 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتراوح بين 140 و300 مليار دولار في عام 2030، وما يصل إلى 500 مليار دولار عام 2050. 
وعلى رغم من قيمة الاستثمارات اللازمة لمحاربة التغير المناخي تبدو هائلة، لكن العائد على هذه الاستثمارات يقدر بأربعة أضعاف، إذ تقدر «اللجنة العالمية للتكيف» مع آثار التغير المناخي أن استثمار 1.8 تريليون دولار في مجالات أنظمة الإنذار المبكر والبنية التحتية الملائمة مناخياً وتحسين الزراعة في الأراضي الجافة وحماية أشجار المنجروف عالمياً ومصادر المياه المرنة، يمكن أن يوفر تكاليف تقدر بـ 7.1 تريليون دولار، ويحقق منافع اجتماعية وبيئية هائلة. 
ويشير تقرير «اقتصاد المناخ الجديد» إلى أن التحرك الفعّال نحو التحول إلى اقتصاد مستدام ومنخفض الكربون يمكن أن ينتج عنه مكاسب اقتصادية مباشرة تقدر بنحو 26 تريليون دولار حتى عام 2030، مقارنة باستمرار العمل كالمعتاد، لكن الأهم من ذلك أن هذا التحرك من شأنه أن يساعد على تفادي أكثر من 700 ألف حالة وفاة مبكرة تلوث الهواء. 
ويؤكد تقرير حديث للبنك الدولي أن دعم الاستثمارات منخفضة الكربون، من خلال تمويل 10 قطاعات في الأسواق الناشئة الـ21 حول العالم، يمكن أن تولد استثمارات بقيمة 10.2 تريليون دولار، و213 مليون وظيفة، وتقليص 4 مليارات طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الأسواق الناشئة وحول العالم، إلى جانب جذب استثمارات بقيمة 29.4 تريليون دولار مرتبطة بالمناخ في ستة قطاعات رئيسة هي المخلفات والطاقة المتجددة والنقل العام والمياه والسيارات الكهربائية والمباني الخضراء، بحلول عام 2030.
وأوضح التقرير أنه فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن دعم هذه الاستثمارات يمكن أن يوفر 4.2 مليون وظيفة وفرص استثمارية بقيمة 200 مليار دولار خلال الفترة ذاتها. 

ولمواجهة التحديات المرتبطة بالتمويل اللازم لمحاربة التغير المناخي ينصح الدكتور ويليام غيريش، أستاذ العلاقات الدولية من جامعة ولونجونج الأسترالية، إلى تمكين بنوك التنمية متعددة الأطراف، مثل بنك التنمية الآسيوي، مشيراً إلى أن مؤتمر «كوب 28» سيكون منصة مهمة لمناقشة هذا الأمر، والبناء على ما تحقق في «كوب 27».  وأوضح أن هذه البنوك ستكون قوى فاعلة قوية في تعزيز التمويل المناخي، منوّهاً في الوقت نفسه إلى أن بنوك التنمية متعددة الأطراف لا تمتلك أصولاً في الوقت الراهن سوى 5 تريليونات دولار، وهو ما يعني أنها ستحتاج إلى مضاعفة أصولها ربما إلى ثلاثة أمثال. 
وأعرب عن أمله في أن يحسم «كوب 28» المناقشة، ومن ثم، إيجاد حلول للتمويلات اللازمة بصورة عاجلة لمحاربة التغير المناخي٬ وإنقاذ الكوكب.

الطريق إلى «كوب 28»
يجمع المسؤولون على أن كوب 28 سيكون نقطة تحول في مفترق طرق مناخي، ليس فقط أمام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن أمام العالم بأسره، ريثما ينجح المؤتمر في تحقيق أهدافه الرامية لمعالجة أسباب تغير المناخ، وتحقيق العدالة المناخية للأجيال المستقبلية قبل فوات الأوان. وتقول الدكتورة دينا عساف إن «مؤتمر الأمم المتحدة القادم للتغير المناخي (COP28) الذي تستضيفه دولة الإمارات في نوفمبر المقبل، يُمثل فرصة مهمة لمواجهة هذه التحديات، وبصفته منصة عالمية للمفاوضات المتعلقة بالمناخ، يمكن لـ COP28 أن يلعب دوراً حاسماً في إزالة العوائق التي تحول دون تقدم المنطقة».  وأضافت: «من خلال تعزيز التعاون الدولي ومشاركة المعرفة وتعبئة الموارد والابتكار التكنولوجي، يمكن لـ COP28 أن يمكِّن الدول في المنطقة من وضع وتنفيذ استراتيجيات مناخية قوية، ويشمل ذلك الاستفادة من الدعم المالي والمبادرات القائمة على بناء القدرات وتعزيز التعددية لتسريع التنمية المستدامة».
وتابعت: «بصفتي منسقة الأمم المتحدة المقيم في الإمارات العربية المتحدة، أنا مسؤولة عن عقد اجتماعات لوكالات الأمم المتحدة المختلفة، وتيسير تنسيق برامجها المتنوعة، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الإمارات العربية المتحدة، وهدفنا المشترك هو تعزيز نهج جماعي، مع التركيز بشكل خاص على معالجة قضية العمل المناخي الملحة التي تتطلب اهتماماً فورياً في زماننا». وذكرت عساف: «لقد أظهرت الإمارات التزامها بمعالجة التغير المناخي عن طريق جعل العمل المناخي أولوية وطنية، وبالاعتراف بالتأثير الكبير للتغير المناخي على المنطقة بأكملها، اتخذت الإمارات خطوات استباقية للتخفيف من آثاره، ونحن كأمم متحدة نثني على قيادة الإمارات في استضافة المؤتمر الـ 28 لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الخاص بالتغير المناخي (COP28)، والذي يعتبر منصة حاسمة للمناقشات العالمية حول المناخ». وأضافت: «مستعدون للعمل مع الإمارات في تحقيق طموحاتها الوطنية، والتعاون مع المجتمع المدني، بما في ذلك الشباب، لتعزيز فهم آثار التغير المناخي وتمكين الأفراد للمساهمة بشكل فعال نحو مستقبل مستدام». وتابعت: «يمتد دورنا أيضاً للعمل مع الإمارات بعد المؤتمر العالمي COP28، حيث نتعاون في جدول الأعمال التنفيذي، ونسعى لتحقيق نتائج ملموسة». وأضافت: «من خلال جهود عالمية موحدة، يمكننا التغلب على التحديات التي يطرحها التغير المناخي في المنطقة. معاً، يمكننا بناء مستقبل قوي وحماية كوكبنا للأجيال القادمة»
من جهته، ذكر جون سيكو، كبير الاستراتيجيين السياسيين والأمنيين في معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، أن كل هذه النقاشات الضرورية ستكون محل دراسة في مؤتمر كوب 28، معرباً عن اعتقاده بأنه لا بد من إجراء نقاشات بين دول الشرق الأوسط حول أوجه التعاون فيما بينها لمحاربة التغير المناخي.
وأما أفيلز، فأعربت عن ثقتها في أن مؤتمر «COP28» سيمثل نقطة تحول نحو عالم مستدام، ويشكل نموذجاً لإمكانية التعاون بين الدول، ويقدم مثالاً واقعياً من أجل المضي قدماً، قائلة: «نرى بالفعل جهوداً كبيرة تبذل لتحقيق التنمية في المنطقة». 

كما أكد جون كيري، مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للمناخ، أن الإمارات تحقق إنجازات استثنائية متقدمة، لاسيما على صعيد التكنولوجيا، في مكافحة التغير المناخي، وتضطلع بدور رائد ليس فقط إقليمياً، ولكن أيضاً عالمياً في هذا المجال.
وقال كيري، في تصريح سابق لـ«الاتحاد»: «ندرك تماماً أن الإمارات ستستضيف قمة (كوب 28) بصورة فعّالة ومتطورة وشاملة»، مشيراً إلى أنه كان من بين مؤيدي استضافة الدولة لمؤتمر قمة المناخ «كوب 28» في 2023.
وأشار كيري الذي شغل منصب وزير الخارجية الأميركي خلال الفترة من 2013 إلى 2017، في رد على سؤال لـ«الاتحاد» خلال إحاطة إعلامية، إلى أن الولايات المتحدة تعمل عن كثب مع القيادة الرشيدة في دولة الإمارات أجل المضي قدماً في مؤتمر «كوب 28».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©