الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أفلام النساء.. مصائر معلّقة وهجرات بلا أفق

لقطة من فيلم «كسلسلة من الخرز» للمخرجة إيناس الحلبي (من المصدر)
14 يونيو 2020 01:22

إبراهيم الملا (الشارقة) 

عرضت مؤسسة الشارقة للفنون، مساء أمس الأول، ثلاثة أفلام تتوزع على النمطين التجريبي والوثائقي، لثلاث مخرجات يتناولن سيرة الوجع الأنثوي في خصوصيته، ومرويات الألم الإنساني في خطابه العام، والذي يمسّ هنا فكرة الهجرة المكانية والذاتية، وما تصدّره من أحاسيس تتراوح بين الغربة والحنين واللجوء القسري لملاذات غير آمنة، على الأقل في حضورها المرتبك بين الاستقرار الظاهري، وبين نداء الذكريات الملحّة والمزلزلة لمعنى وجودنا خارج إطار الأرض.
والأفلام هي: «بابا كركر» للمخرجة جالا وحيد، و«فقط صوتي» للمخرجة ميريام ريّ، و«كسلسلة من الخرز» للمخرجة إيناس حلبي.
في فيلم «بابا كركر» – من إنتاج العام 2018 – نستمع لإيقاعات صوتية صاخبة على خلفية لونية تتراوح بين الأحمر والأسود اللذين يحيلان على لونيّ النار والنفط، فيما يشبه العودة للأسطورة الكردية المتعلقّة بالنار الأزلية، وهي النار التي اندلعت في العام 550 قبل الميلاد، وظلّت متوهجة إلى يومنا هذا بسبب تدفق خليط النفط والغاز المستمر فيها، واستناداً على النمط التجريبي الذي اعتمده الفيلم، فإن «الأسطرة» تحضر هنا من خلال العبارات الشعرية والموسيقا المبهمة، وكذلك من خلال التراكيب النحتية البارزة للألوان ذاتها، ما يمنحها الصيغة التفاعلية مع طبيعة المكان ذاته، وما يحتويه من ذهب أسود، تم استغلاله عبر العصور القديمة والأزمنة الحديثة، وظل وسط كل هذه التحولات رمزاً مستعراً للنفوذ والقوة والسيطرة، وكذلك رمزاً للهدر والحروب والصراعات الإقليمية، صراعات نشأ عنها الكثير من الفوضى والدمار والنحيب، الأمر الذي جسّده الفيلم بالكلمة والإيقاع والشكل، في مزيج حافل بالرؤى والإسقاطات التاريخية والراهنة. 
في الفيلم الثاني «فقط صوتي» – إنتاج العام 2017 - تقودنا كاميرا المخرجة ميريام ريّ إلى طرق وحواري وسواحل اليونان، مع تعليق صوتي مصاحب لهذه المشاهد الآسرة، تطلقها فتاة سورية لاجئة اضطرت لبيع الورد في الشوارع كي تحتفل وحيدة بحياتها المؤجلة، حياة منزوعة أيضاً من رائحة الطفولة، ومن لون الياسمين الدمشقي، المُزهر بصمت في سوريا «الموجوعة» – كما تقول الفتاة، ومن خلال التنقلات الرشيقة للكاميرا بين الشوارع الليلية العتيقة والهادئة، وبين تأملات فتاة سارحة بدراجتها الهوائية قرب البحر، الفتاة التي ترغب في العودة إلى بلادها لأن الحرب أبعدتها عن الأشياء التي كان عليها فعلها، مثل إعادة ترتيب طفولتها، وزيارة قبور أحبائها، ووسط هذه الاستعادات الناعمة تارة والخشنة أخرى، تقدم لنا المخرجة الأصداء المتضاربة التي يزدحم فيها الشجن بالحنين، مستعينة بآهات النساء المهاجرات وهن يغزلن ثوب الصبر على إيقاعين متنافرين: اليأس والرجاء.
في الفيلم الثالث: «كسلسلة من الخرز» – إنتاج العام 2019 - للمخرجة إيناس حلبي يبرز معنى المنفى الداخلي الذي تعيشه عائلة فلسطينية محاطة بحياتها الصامتة، بعيداً عن ضجيج المدن، حيث تعيش العائلة قصة غريبة تتمثل في أسماء أفرادها، الذين يحمل كل منهم اسماً لحيوان بدلاً من الأسماء المعروفة، وذلك أن الأطفال الذين سبقوهم كانوا يتوفون تباعاً، وعندما لجأت أمهم لتغيير أسماء أطفالها بقوا على قيد الحياة وعمّروا، أسماء مثل: ذيبة، وأسد، وشبل، وغزالة، وزرافة، والذين صاروا جزءاً من عوائل ممتدة بقت مترابطة، وتجمعهم قصة أسمائهم العجيبة، والتي التقط الفيلم تفاصيل حيواتها من خلال نسيج بصري أتقنت المخرجة توليفه عبر المشاهد المحايدة، الأشبه بلوحات الطبيعة الصامتة، حيث يدخل الشخوص إلى الكادر ويخرجون منه، بينما يظل المكان هو البطل الأوحد لهذه الحكاية العجائبية المطرّزة بالصور القديمة للراحلين، وبصورة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، والكثير من الأسرار والآلام والمواجع التي تقبع دائماً خلف كل صورة، وخلف كل لحظة عابرة ومنسيّة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©