الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الجمال البشري.. كيف نفهمه؟

Frank Stone من أعمال
18 يونيو 2020 00:08

 إن الجمال الطبيعي حقيقة لا تخطئها العين، والجمال الطبيعي نجده في المشاهد الطبيعية، وفي بعض الحيوانات والطيور، وفي الإنسان نفسه، والواقع أن الجمال الطبيعي- بما في ذلك جمال المشهد الطبيعي وجمال الشكل الإنساني- ظل دائماً مصدراً يتعلم منه الفنان، ويستلهمه في عمله الفني. 
 السؤال الآن: كيف نطبق ذلك على جمال الشكل الإنساني؟ وهل هذا الجمال الإنساني يكون موضوعاً فحسب لتمثل الفنان واستلهامه، أو أنه يمكن أيضاً أن يكون موضوعاً لفئات أخرى من المتخصصين، ممن ترتبط أعمالهم بالفن بصورة ما أو بأخرى؟ الحقيقة أن الجمال البشري المحض يخضع في عالمنا المعاصر لتدخل مِهَن عديدة لا تخلو من الفن: كفن تصميم الملابس والإكسسورات والزينة، التي تقوم عليها صناعات متخصصة في عالمنا الراهن، فضلاً عن جِراحات التجميل، التي تتطرق حتى إلى نحت الجسم البشري نفسه؛ وتلك أمور لا يبرع فيها إلا من كانت له صلة بالفن، ومن ثم بالرؤية الجمالية ذاتها. 
 ولكن السؤال الأساسي الذي يبقى هو: هل يمكن تأسيس منطق للذوق أو الحكم الجمالي على جمال الشكل الإنساني؟ الحقيقة أن هناك شروطاً أو معاييرَ للجمال الإنساني، يمكن إجمالها فيما يلي: 
 العنصر الأول هو النمط Pattern، والمقصود به هو أن هناك نمطاً يشكل نموذجاً مسبقاً للجمال كامناً في الذهن البشري، هذا النمط يتشكل عبر العصور ويتم توارثه، ويكون مرتبطاً بنوع الجنس البشري وبالبيئة والثقافة، وبتطور الجنس البشري نفسه: فمن معايير الجمال في الصورة النمطية للرجل طول القامة؛ فأغلب النساء يفضلن الرجل الأكثر طولاً منهن، وهو معيار متوارث، لأنه مرتبط بالبيئة الأولى للإنسان، حيث يتيح طول الرجال ميزة نسبية في السافانا، تسمح له برصد البيئة المحيطة به بصورة أفضل، فيحتمي من الضواري ويرصد الصيد، ومعيار جمال المرأة عند الإنسان البدائي يكمن أساساً في ما يعد دليلاً على الخصوبة اللازمة لتناسل الجنس البشري وتكاثره. 

  • من لوحات دافنشي

 والحقيقة أننا لو أخذنا بهذا المنطق في التفسير، فلن نجد فيه معياراً موضوعيّاً لتفسير الجمال البشري أو الجمال الطبيعي بوجه عام، فلا يمكن أن نفسر على هذا الأساس الجمال الفائق في الصوت البشري على سبيل المثال، والواقع أنه لا توجد ميزة خاصة لحفظ النوع في العيون الزرقاء أو الشعر الأصفر أو الأنف المتناسق، عند من يعتبرون هذه الصفات مميزة للجمال.
 إن التنوع والتعدد، ومن ثم الاختلاف في النمط الجمالي في الشكل الإنساني، وفي غيره من أشكال الجمال الطبيعي، هو حقيقة لا شك فيها؛ لأنها مرتبطة بالتنوع والتعددية الثقافية عبر العصور، بل في العصر الواحد أحياناً، ولكننا ينبغي أن نعترف بوجود حقيقة أخرى بجانب هذه الحقيقة النسبية، وهي أن النسبية في هذا النمط ترجع إلى مدى نضج الوعي الجمالي وتطوره، وهو أمر لا ينفصل عن نضج الوعي الثقافي العام وتطوره.
 المعايير الجمالية الموضوعية المتعلقة بالشكل، ومن هذه المعايير ما يلي:
 معيار التناسق Harmony: وهو يعني التناسب بين أجزاء الجسم البشري، بحيث يبدو الجسم منسجماً ككل، والحقيقة أن هذا المعيار له صلة وثيقة بما يُعرَف باسم «معيار الوسط الذهبي»، وهو يعني هنا أن جمال الجسم الإنساني يقتضي هذا الوسط، بحيث لا يكون المرء طويلاً للغاية أو قصيراً للغاية، وإنما وسط بينهما، وهذا المعيار يصدق أيضاً على جمال الجسم كله الذي يخضع لمقاييس حسابية دقيقة، بل يصدق أيضاً على جمال الوجه الذي يقوم على متوسط حسابي للوجه المتناسق.. ولا شك أن الفنان المصري القديم، فضلاً عن كبار الفنانين في عصر النهضة الأوروبية- وعلى رأسهم دافنشي- قد اهتموا بصياغة النسب الحسابية لجمال الجسم البشري؛ وهي نسب تصوغها برامج الحاسوب الآلي الآن بدقة متناهية، على نحو يسهم بوضوح في جراحات التجميل، وتجعل منها في الوقت ذاته علماً ينتسب إلى الفن بصورة ما أو بأخرى.
 ومن المعايير الموضوعية لجمال شكل الجسم الإنساني، ما يعرَف بالسيمترية Symmetry، وهي تعني التماثل بين أجزاء الجسم البشري: فالوجه الجميل- على سبيل المثال- يكون فيه أكبر قدر من التماثل بين نصفيه الجانبيين، كما أثبتت ذلك التجارب التي أجريت على الوجوه الجميلة وفقاً لبرامج الحاسوب. 
 أما العنصر الأخير- وربما الأهم- في جمال الشكل أو الجسم الإنساني، فهو التعبير، والتعبير الجسماني يقوم على الأداء والحركة والرشاقة، غير أن التعبير يكمن بوضوح أكبر في الوجه، وخاصةً في العين؛ ولذلك قال هيجل: إن العين يُبصِر بها الإنسان ويكون مُبصَراً، أي أن الإنسان يُرَى من خلال تعبير عينيه، وتلك حقيقة من الحقائق التي استوعبها فن البورتريه: قراءة الباطن أو الروح في تعبير العين وفي مجمل تعبير الوجه، وتلك الحقائق ينبغي أن يستوعبها جيداً المشتغلون بجراحات التجميل؛ لأن الجراحات الفاشلة هنا يمكن أن تأتي بنتائج كارثية تفقد الوجه تعبيريته، أو تجعل منه وجهاً بارداً بلا روح، ومن ثم يفقد جماله أو ما تبقى فيه من جمال.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©