السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«أجراس الوباء» إعادة تكوين العالم

«أجراس الوباء» إعادة تكوين العالم
28 يونيو 2020 01:19

محمود إسماعيل بدر (الاتحاد) 

في سابقة لافتة في الأوساط الثقافية العربية، صدر قبل أيام عن منشورات المتوسط – إيطاليا، بالتعاون مع منصة الكتب العربية الإلكترونية «أبجد»، كتاب جماعي بعنوان «أجراس الوباء – الأناركيّة الاصطناعية وإعادة تكوين العالم»، شارك في مادته 26 كاتباً ومثقفاً ومفكراً وشاعراً من 10 دول عربية وأجنبية، وهم: نوري الجرّاح، أحمد برقاوي، أبو بكر العيادي، لطيفة الدليمي، إبراهيم الجبين، خلدون الشمعة، فخري صالح، نادية هناوي، محمد آيت ميهوب، مفيد نجم، نهلة راحيل، يوسف وقّاص، محمّد صابر عبيد، ممدوح فرّاج النابي، هيثم حسين، حميد زناز، المتوكّل طه، فارس الذّهبي، مخلص الصغير، حاتم الصكر، أزراج عمر، مصطفى الحدّاد، بلال سامبور، إيمانويل بوتاتسي غريفوني، عبد الرحمن بسيسو. 
أشرف على الكتاب وقدّم له الشاعر السوري، المقيم في لندن، نوري الجراح الذي قال لـ«الاتحاد» حول فكرة الكتاب: تبلورت فكرته في خضمِّ نقاش مركَّز مع عدد من الكاتبات والكتاب جرت دعوتهم لتدوين انطباعات وتأمُّلات وأفكار حول موضوع العَزْل الصِّحِّي. كان ذلك مع بدايات انتشار الفيروس، ولم تكن الانتباهة إلى حجم الفاجعة قد ولدت، وبينما كانت تلك الكتابات قَيْدَ النشر في ملف خاص لمجلة الجديد، كان الوباء ينتشر في كلِّ ناحية من أنحاء الكوكب، حاصداً بِمِنْجَلِهِ الأرواح. وقد بدأت معالم الفاجعة الكونية تظهر، وراح القلق ينمو في الوجوه والنَّظَرات. قبل أن يختفيَ الجميع في البيوت. 
على هذه الخلفية، جاءت مقالة كتبتها بعنوان «أبناء نوح وطوفان الوباء» وسرعان ما سيتحوَّل النقاش في مضمونها إلى دعوة للمشاركة في كتابٍ منفصل عن الملف، وعن المجلة أيضاً، ليكون كتاباً يطوِّر، بحرية أكبر، الأسئلة والأفكار الواردة فيها.
وأضاف الجراح: انطلقتُ في الكتابة من تساؤلات ملحة حول دور الفكر في لحظة إنسانية حرجة، وذلك بإزاء ارتباك الفكر والمفكرين، وهيمنة شيء من المسحة الأخلاقية تارة، والأيديولوجية تارة أخرى، في ظل تناقض في تصريحات الجهات المسؤولة عن المنظومة الصحية في جل دول العالم التي ضربها الوباء، ولعل سرعة انتشار الوباء، والهلع الذي تسبب به، والإقفال، وبوادر الانهيار الاقتصادي، وانتشار الشائعات والتحليلات التي لا تستند إلى معطيات طبية وعلمية دقيقة.. كل هذا فاقم الوضع بمجمله، وجعل القضية في أذهان المفكرين بالغة التعقيد، والصور المرتبطة بها ضبابية ومشوشة. وبالتالي، جعل مواقف المفكرين أقرب إلى العظات الأخلاقية أو النقد السياسي، وهو ما ينطبق على السلوفيني جيجك، والأميركي تشومسكي، والألماني هابرماس. ولكن: هل تكفي العظات الأخلاقية والنقد السياسي للتعامل مع لحظة وجودية تمر بها البشرية اليوم؟ هذا السؤال كان سبباً، من بين أسباب أخرى، لدعوة نقاد ومفكرين عرب، ومعهم بعض الأوروبيين للمساهمة في التفكير والحوار حول النقطة السالفة ونقاط أخرى، وذلك انطلاقاً من اعتبار يرى أنه لا يمكن ترك كل شيء في الأمر لاجتهادات أهل السياسة واعتباراتهم، خصوصاً ما لاحظناه من نشاط محموم للاقتصاديين الكبار من أرباب الشركات الكبرى لمواجهة الإقفال، في الوقت الذي حذر فيه الأطباء والمراجع الصحية، ومن بينها منظمة الصحة العالمية، من عدم الاستجابة إلى دعوات الإقفال وملازمة البيت والعمل، وهو ما دلَّ -فكرياً- على وجود صراع شرس بين مركزيتين في العالم، هما: مركزية الثروة ومركزية الإنسان. 
وعن سبب دعوة كتّاب أوروبيين للمشاركة في الكتاب، وهل فرضه وجوده في بلد أوروبي، قال الجراح: السبب البديهي، هو أن الجائحة عالمية، والقرار الذي يمكن اتخاذه في بلد بإزاء هذه الجائحة، سوف ينعكس بالضرورة على بقية بلدان العالم. وبالتالي، فإن المصير المشترك لا بد له من وعي مشترك وهو ما يقتضي وجود تفكير مشترك في المسألة، وهو في نظري بات ضرورة عالمية. ولقد تأكد لي ذلك خلال مناقشاتي مع عدد من الكتاب الأوروبيين، فقد وجدت لديهم هماً مشابهاً. والدعوة إلى الكتاب جاءت على أمل أن يُفتح الباب لمحاولة تفاعل فكرية عربية- أوروبية جادَّة، تهدف إلى خَلْق نوعٍ من التواصل بين مفكِّرين ومُبدِعين عربٍ ونظراءَ لهم في أوروبا أوَّلاً، وفي أطراف أخرى من العالَم. 
وحول الخلاصة التي يمكن الخروج منها من هذا الكتاب، قال الجراح: إن مقالات الكتاب تطمح إلى أن تُشكِّل أساساً لنقاش فكري حُرٍّ، يتعلَّق بجملة من القضايا والإشكاليات المطروحة على الفكر في منعطف وجودي، هو الأخطر، حتَّى الآن، في عصرنا الحديث. 
وفي ختام تصريحه كشف نوري الجراح لـ«الاتحاد» أنه بصدد إصدار كتاب جماعي آخر، تحت عنوان «الكوكبي الأسير» ويضم هذه المرة يوميات وتأملات ونصوصاً إبداعية عربية وضعت في أيام العزل الصحي.
وينحو كتاب «أجراس الوباء» إلى تطويرِ أسئلة وأفكار فرضَها وضعٌ إنسانيّ كارثيّ، نجمَ عن انتشار وباءٍ فتّاك، تزامَنَ ظهورُه مع انهيار القِيَم الكبرى في عالم اليوم. وهي الأسئلة التي تحاول الانطلاقَ من أرضيةٍ مُشترَكة، مولِّدةً أفكارًا تجرّب أن تتجاوزَ حاجزَ النَّقد المُتَقَوْقِع على ذاتِه؛ بخلقِ حوارٍ فكريٍّ-‏ أخلاقيٍّ عميق بين مُثقَّفينَ يستطلعون ما ستؤولُ إليه هذه اللَّحظة الإنسانية، منتقدينَ الوضع الناجم عن السِّياسات النّيُوليبراليَّة والجشع الرأسمالي.
وبهذا المعنى، يدعو الكتاب إلى ابتكارِ صيَغ جديدة ومعاصرة لتَواصُل فكريٍّ مُتعدِّد المَشارِب والمَرجِعيات، إيمانًا بأنَّ التّغيير الحقيقيّ في المسار البشري، لا يأتي إلَّا من دعاة التَّغيير الإنسانيِّين في العالم.  

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©