الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبد الله الغذامي يكتب: والكرة لا تميز بين أرجل راكليها

د. عبد الله الغذامي يكتب: والكرة لا تميز بين أرجل راكليها
23 يوليو 2020 00:46

في لعبة كرة القدم يظل اللاعبون يركلون الكرة، والكل يعي وظيفته، وهدفه مع هذه الكرة، وتنحصر الوظيفة بأمرين أولهما أن تنتهي الكرة في قلب مرمى الخصم، والثانية أن تبعدها عن مرماك، وهذه مباراة جسدية وتخطيطية واعية وواضحة، ومثلها يلعب البشر مباريات من نوع مشابه، ولكنها مباريات ذهنية وعقلية في معظم أمرهم، سياسياً واقتصادياً، وفي العلاقات العامة، وتسير هذه المباريات على المسار نفسه في أن تكسب من جهة، وأن تبعد خصمك عن الكسب على حسابك من جهة ثانية، وغالباً فالخسارة والكسب هنا واضحان، ولكن هناك مباريات عقلية أخرى لن تتضح المكاسب فيها، مثل مباريات المفاهيم حيث ظل البشر يتحاورون حول معاني الحرية منذ أفلاطون وحتى اليوم ولما تزل الحرية عصية على التحقق العملي، وإن كانت الكرة تحقق الهدف منها عبر ولوجها شباك الخصم، إلا أن المفاهيم تتمنع على هذا القياس، فأفلاطون مع حرصه على تحرير معاني الحرية والعدالة فلسفياً، لكنه انصاع لشروط الواقع فجعل الحرية للأقوى، والعدالة للأقوى من باب الاستجابة لواقع الحال البشرية، وهذا هو واقع الحال مع كل فيلسوف ناقش هذه المفاهيم، إذ يظل القوي هو مالك المعاني من جهة، والمستفيد من دلالاتها من جهة ثانية، ويظل التطبيق معانداً للمعنى المثالي، وتظل العدالة مع رقيها، لكنها في الواقع ترجح كفة القوي، وجاء فن المحاماة ليكون هو الشطر الآخر في المباراة ليقوم بتسخين اللعبة لينضجها في النهاية لخدمة الأقوى، ومثلها الحرية التي تتحول من معنى إيجابي وعادل ليتكشف الواقع عن عبودية تمهر في تنويع لبوسها بين حال وحال لدرجة أن يتحول الكائن الحر إلى كائن مستعبد، إما أن يكون عبداً لهواه، أو يكون عبداً لخوفه، أو عبداً لمطامعه، وأخطرها الأخير إذ الثابت أن الإنسان كلما زاد طمعه زادت عبوديته فيتذلل لغيره كي يكسب، ويتنازل عن حريته كي يكسب، ويتنازل عن مبادئه كي يكسب، ويشعر بأنه لو لم يتنازل في بعض أمره فإنه سيخسر، وهذه لعبة مستمرة في الحياة البشرية تجعل الحياة عملياً مثل كرة لا تميز بين أرجل راكليها، وكل معنى كبير يجري اللعب به، والهدف في النهاية هو ما تضمره نفس اللاعب الذي سيترجم المعاني حسب شرط اللحظة وليس شرط الدلالة الصافية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©