السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

دبي.. اليوتوبيا الأخيرة

دبي.. اليوتوبيا الأخيرة
23 يوليو 2020 00:46

تحيل كلمة يوتوبيا في المعجم الإيطالي، على مفهوم المدينة الفاضلة التي ليس لها نظير، وقد ضمّن مؤرخ الاقتصاد الإيطالي إيمانويلي فِليتشي كتابه الأخير «دبي.. اليوتوبيا الأخيرة» تلك المعاني المضمَرة. حيث يقتفي الكاتب مسالك النهضة الحضارية لدُبي، أو بالأحرى يتأمّل يوتوبيا الإمارة. فقد وصلت دبي إلى الحداثة على جناح السرعة. طَوَت أشواطاً في عقود قليلة، كما يرصد الكاتب. لذا تكشف دبي عن قدرة الإنسان على صنع الحدث التاريخي، من خلال توظيف إنجازات الذكاء المالي والتجاري والمعرفي، وهو ما تجمّعَ لدبي التي أمست ميناء حرّاً منعتقاً من سائر الحواجز، وهو أعلى ما تصبو إليه الليبرالية.

غدت المدينة الإمارة محطّة وصول للتاريخ البشري، وِفق ما يرى المؤلف، على مستوى توظيف منتَجات الحداثة المادية. ما يعني أنّ تسوية مصاعب كثيرة أمام البشر، يكفي بلوغها متابعة سبيل التطور، مُولّد الرفاه المادي. وهي في الأصل مقولة لفلسفة «التفاؤلية الجديدة»، المستندة إلى القول بحرية السوق الموصلة إلى هذا التطور، والمعبّرة عن تيار اقتصادي يضع دبي علامة ومنارة. فالقناعة السائدة في هذا الطرح، أنّ النمو الاقتصادي كفيل بتذليل مصاعب البشر، ليكون تحقّق الكائن البشري في الاستهلاك والتنعّم. ومعايير مثل حسن التعليم، والرعاية الصحية، والسلم الاجتماعي، والخدمات المتطورة، والتكنولوجيا الفائقة، والانفلات من براثن الفقر، فضلاً عن أخرى، هي مؤشّرات على هذا النجاح، وهي ما جعلت الإمارة محطّ أنظار المتابعين لمسارات التطور البشري.
وفي خاصية صياغة الكتاب، يمزج فِليتشي بين الأسلوب الاقتصادي الصارم والأسلوب السردي الروائي، وذلك لأنّ دبي يوتوبيا، كما يقول. حيث تهيمن على فصول الكتاب الثلاثة سلسلة من التأمّلات، تستند إلى وقائع تاريخية، وإحصاءات مضبوطة، ووقائع اقتصادية. يحاول فِليتشي من خلالها فهْمَ سُبل تحقيق الرفاه الباذخ، وتحليل أُسس النهوض الحضاري ومحفّزاته، لإمارة كوسموبوليتية باتت تشكّل يوتوبيا عالمية يشار إليها بالبنان. فقد جعلت عوامل محدّدة من دبي المدينة الأسعد في العالم، كما تفصح عن نفسها، وكما يراها العالم. فالإمارة هي حالة نموذجية في عيش الحداثة تعرض أمام العالم تحديات جديدة، ودبي كذلك، هي حالة إنسانية في تحدّي مصاعب الطبيعة وإكراهاتها. فليس من الهين خلْق عاصمة سياحية عالمية في الصحراء، كما يقول الكاتب.
على هذا الأساس، يتساءل الكاتب: هل تمثّل دبي تاريخنا القادم، مستقبلنا الآتي؟ لأنّ دبي في الوقت الحالي، هي معيارٌ ومثالٌ للتطور البشري. فليست دبي، كما يرى كثيرون، نتاج البترودولار؛ بل يكمن سرّ تحوّل دبي إلى إمارة طليعية في استراتيجية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حين اهتزّت سوق اللؤلؤ، وتحوّلت دبي إلى مكان عبور للبضائع. ولذلك، تقوم دبي في الراهن على كونها ميناء حرّاً، وقاعدة نقل عملاقة، ومحطة سياحية عالمية، وهي عناصر محورية في النهوض الاقتصادي. بما حوّل الإمارة إلى جسر رابط داخل النظام المالي العالمي وشبكة التجارة العالمية، بين هونغ كونغ وسنغافورة شرقاً، ولندن وفرانكفورت غرباً.
في ثنايا الكتاب يقارن الكاتب بين الرأسمالية الغربية والرأسمالية الشرقية، متناولاً خصوصيات كل منهما. فقد طلّق التطور الرأسمالي خصوصياته الغربية، على ما يرى إيمانويلي فِيلتشي، وعانق نماذج حضارية أخرى. وقد غدت دبي إحدى المحطات الكوسموبولوتية في العالم المعاصر، فهي في تطوّرها الهائل وفي رفاهها الغامر، لا تعيش معايير الغرب المدنية والسياسية، ولكنّها تصرّ على معاييرها الحضارية الخاصة.
يختتم الكاتب مؤلفه بقول: «يمكن للحلم التقدّمي أن يطيرَ إلى مسافات أبعد، بشرط أن يجد نجومه».

  • غلاف الكتاب وإيمانويلي فيلتشي
    غلاف الكتاب وإيمانويلي فيلتشي

الكتاب والكاتب
- الكتاب: دبي.. اليوتوبيا الأخيرة
- تأليف: إيمانويلي فيلتشي
- الناشر: إيل مولينو (مدينة بولونيا-إيطاليا) باللغة الإيطالية
- سنة النشر: 2020
- عدد الصفحات: 224 ص.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©