الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«العُطْل».. سؤال العدالة والتعايش في قصص دورنمات

«العُطْل».. سؤال العدالة والتعايش في قصص دورنمات
3 أغسطس 2020 01:37

إيهاب الملاح

شُهر الأديب السويسري الأشهر فريدريش دورنمات (1921-1990) بأنه كاتب مسرحي من طراز فريد، يُعتبر من أهم المجددين في المسرح المعاصر، وهو القطب الأدبي الثاني بعد ماكس فريش في سويسرا والدول الناطقة بالألمانية، ولكنه الأكثر حظاً والأوفر تقديماً على خشبات المسرح العربي، وهو الأكثر ترجمة وتحليلاً لأعماله ودراساته كذلك. حصدت أعماله جوائز عديدة مرموقة، في العالم عامة، وأوروبا خاصة؛ منها جائزة «شيلر- مدينة مانهايم»، و«جائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي»، و«جائزة جيورج بوشنر» وهي الجائزة الأدبية الأهم للأعمال باللغة الألمانية. وقد أطلق اسمه على كويكب صغير تم اكتشافه عام 2000.
لكن إلى جانب شهرة دورنمات الطاغية في المسرح، يظل دورنمات واحداً من أهم كتاب الأدب والدراما السويسرية (والأوروبية) في العصر الحديث، كتب الكوميديا والتراجيديا، والتراجي كوميدي، وكتب الروايات البوليسية، والتمثيليات الإذاعية، وأخيراً.. القصص القصيرة التي لم تلق الشهرة والذيوع والاهتمام التي لاقتها أعماله المسرحية.
وإذا كنا قد تعرفنا على دورنمات مسرحياً من خلال أعماله عابرة الحدود والقارات؛ ومن أشهرها «زيارة السيدة العجوز»، و«علماء الطبيعة»، و«رومولوس العظيم»، و«هبط الملاك في بابل».. وغيرها من المسرحيات ذائعة الصيت. وتعرفنا عليه أيضاً روائيّاً في عمله الفذ «الوعد» (الرواية التي تحولت إلى فيلم سينمائي شهير قام ببطولته النجم جاك نيكلسون)، ها نحن نتعرف عليه قصصياً محترفاً في هذه المجموعة من القصص المعنونة بـ «العُطْل» التي تدور حول ثيماته الأثيرة: العدل والعدالة، وعجز القانون عن تحقيق هذا العدل.
كتاب «العُطْل» (صدر عن دار الكتب خان بالقاهرة 2020) يضم ترجمةً لـثلاث قصص مهمة لدورنمات، منشورة في كتابه «روائع دورنمات القصصية» الصادر عام 1992، وقد ترجمها إلى العربية مع مقدمة إيضاحية المترجم الكبير سمير جريس؛ صاحب الرصيد الوافر من الترجمات المعتبرة لروائع الأدب الناطق بالألمانية (له ما يزيد على ثلاثين عملاً مترجماً عن الألمانية). 
أما القصص الثلاث؛ فهي: «النفق» و«العطل» و«أبو حنيفة وأنان بن داوود»، والأخيرة هذه لاقت شهرة كبيرة في العالم العربي عقب ترجمتها، لأنها تتصل برؤية دورنمات للصراع العربي الإسرائيلي؛ وموقفه منه.
بحسب المترجم؛ فإن نثر دورنمات لا يقل جمالاً وتشويقاً عن أعماله الدرامية؛ ويوضح أن دورنمات بدأ حياته كاتباً للمسلسلات الإذاعية البوليسية، مرجحاً أن تأثير هذه الفترة عليه ظلَّ طاغياً، بدليل «ما نلمسه في القصص الثلاث التي تضمها هذه المجموعة، لا سيما قصة «العُطْل» التي كان دورنمات يعتبرها أفضل أعماله النثرية. 
في «العُطْل» نرى رجلَ أعمال شاباً تتعطل سيارته في الطريق إلى بيته، ويضطر إلى المبيت في إحدى القرى ليستضيفه رجل هرم كان يعمل قاضياً، ويتورط معه ورفاقه في لعبة المحاكمة، حتى يصل الشاب إلى قناعة أنه قتل مديره، بعد أن خانه مع زوجته، فيشنق نفسه! 
أما قصة «النفق» (عام 1952)، فتشترك مع «العُطْل» في قدريتها، وفضحها لزيف الشعور بالأمان في عصر التقنية المتقدمة. تتخذ القصة طابعاً وجودياً، يتشابه البطل مع الكاتب نفسه، أيام كان طالب فلسفة بديناً يأخذ القطار من بلدته إلى زيوريخ، لكن القطار الذي يدخل في طريقه كل يوم في نفق، ويخرج منه بعد دقائق معدودة، يدخل هذه المرة إلى النفق ولا يخرج منه! 
ويختتم الكتاب بقصة «أبو حنيفة وأنان بن داوود» التي يمكن اعتبارها تعبيراً عن رؤيته للصراع العربي الإسرائيلي. تبدأ القصة بسجن الخليفة المنصور للإمام أبي حنيفة بسبب خلاف في أمر ديني، ومن منطلق أن المساواة في الظلم عدل، يسجن معه الحبر اليهودي أنان بن داوود، بعد أن وشى به أحد اليهود. لكن سجنهما يدوم قروناً طويلة يدخلان خلالها في نقاشات وحوارات دينية وفكرية!
القصة رائعة، كقصة رمزية، كأمثولة عن التعايش بين الأديان، لكنها وكما يقول سمير جريس، تتسم بالسطحية والجهل إذا أُريدَ لها أن تكون إسقاطاً مباشراً ومتعسفاً على الصراع العربي الإسرائيلي؛ إذ لم يكن هذا الصراع بين العرب وإسرائيل عند نشأته صراعاً على «أرض الميعاد» أو صراعاً بين اليهودية والإسلام، بل صراعاً حول أرض فلسطين التي هُجّر منها شعبها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©