الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نهاية الانكسار الفلسفي

نهاية الانكسار الفلسفي
13 أغسطس 2020 01:28

يوماً تلو الآخر تؤكد دولة الإمارات أنها مثال لمجتمع العلم والمعرفة، وهي مجتمعات بدأت تاريخياً بالدهشة والتساؤل، طريق الفلسفة منذ سقراط. كان إذا خرج فيلسوف أثينا من منزله وقابله أحد تلاميذه بالتحية الواجبة: «صباح الخير»، لم يكن سقراط ليجيب، بل في الحال يسأل تلميذه، وما هو الخير؟ ويتركه في حيرته بعد أن كان الاعتقاد أن الأمر يتوقف عند التساؤل، من غير مقدرة على البحث العميق فيما وراء الكلمات.

سنقف هنا أمام بعض ما يعنيه أن تقرر الإمارات بسط المناهج الفلسفية لطلاب المدرسة الإماراتية، وأن هذا الأمر جد مفيد لعقول الأجيال الإماراتية الصاعدة.
أقرب وأصدق معنى للفيلسوف هو محب الحكمة، وإيمانياً الحكمة ضالة المؤمن، والتساؤل والعقل النقدي هما البداية السليمة لمجتمع المعرفة، ومؤخراً أضحت المعرفة رأسمال، كما الذهب والفضة، وسوف تزداد أهمية مجتمع المعرفة في العقود القادمة حيث المعلومات سلعة المستقبل.
هل المطلوب من الطلاب أن يغوصوا في أعماق النظريات الفلسفية المركبة، وتاريخ الفلاسفة وخلافاتهم، والوقوف عند المدارس الفلسفية واتجاهاتها، ومن ثم التنازع من حولها؟
بالتأكيد ليس هذا هو الهدف، وإنما تنمية مهارات العقل الناقد، وتوليد المقدرة على التحليق في سماوات التحليل الإبداعي، وتجاوز المظهر إلى الجوهر، ما ينتج تثاقفاً مع الآخر، وقبولاً للتعددية، وقدرة على اختيار أنماط أخلاقية على كافة الصعد الحياتية، فأساس الفلسفة سؤال، وأساس العلم سؤال، وأساس المعرفة ألف سؤال وسؤال.

التدبر الفلسفي
لماذا بات تدريس الفلسفة أمراً واجب الوجود كما يقول الفلاسفة؟
باختصار غير مخل، حين توقف العقل العربي عن الاجتهاد، والتفكر والتدبر الفلسفي من أساساته الرئيسة، تشرنقت الأمة العربية في حالة من حالات السيكولائية الاجترارية، ودخلت مرحلة الانسداد التاريخي، وبدا وكأننا نعيش في الماضي السحيق، وليس القرون الحديثة، وفقدنا المقدرة على ملاقاة الآخر، ما جعلنا نرتد للاحتماء خوفاً من الانكسار ومن هنا كانت كارثة العرب المثيرة للانتباه، أي الأصولية المتطرفة والضارة.
يحدثنا الفيلسوف المصري المعاصر الدكتور مراد وهبة، في كتابه «زمن الأصولية.. رؤية للقرن العشرين»، عن الانكسار الفلسفي لأمة العرب، وقد كانت البدايات حين طفت قراءات ومؤلفات متطرفة وظلامية، ومنعت أفكار ابن رشد، وحرقت كتبه، ولاسيما كتابه الأشهر «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، والحكمة هنا هي المرادف الطبيعي للفلسفة.
إن قرار الإمارات تدريس الفلسفة خطوة مهمة للغاية في طريق محاربة التطرف، ولعل أكبر كارثة يعيشها عالمنا اليوم هي تصاعد الإرهاب والمد المتطرف، والشاهد أنه ليس سوى الفلسفة التي تواجه وتجابه هذه الأصولية الضارة، فالفلسفة تحرض العقل على التفكير، وتؤسس لقيم التسامح والانفتاح على الثقافات والحضارات الإنسانية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©