الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مكتبة «صوماليلاند».. نافذة على العالم

مكتبة «صوماليلاند».. نافذة على العالم
3 سبتمبر 2020 00:32

ترجمة وإعداد: مدني قصري

تقع صوماليلاند (أرض الصومال) على حافة القرن الأفريقي، وهي غير معترف بها من قبل بقية العالم. ولكن بغض النظر عن ذلك، قرّررجلٌ شغوف جلبَ العالم إلى هذه المنطقة المعزولة، من خلال إنشاء مكتبته المثالية. كيف يتم إنشاء أرشيفات وطنية لدولة غير موجودة؟ الطريقة هي نفسها بالنسبة لجميع المشاريع الأخرى التي وُلدت في صوماليلاند: البداية تكون من الصفر، حرفياً، في هذه الحالة.

كانت صوماليلاند تحاول في الغالب نسيانَ الصدمات التي تعرّضت لها، بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية القاسية. لقد دُمِّرت هرجيسا بنسبة 90 %، وأعلنت الأمة التي نصّبت نفسها، عن استقلالها (لم يعترف بها المجتمع الدولي). ولكنّ ثمة رجلاً يدعى جاما قال لنفسه إن صوماليلاند ربما ستتذكر ذات يوم، تلك الصدمات، ولذا أراد الإسهام بما يستطيع!
وبعد ثلاثين عاماً، أصبحت الأوراق التي جمعها جاما في عام 1991 بمثابة الأجزاء التأسيسية للأرشيف الوطني غير الرسمي الذي أنشأه في هرجيسا. فعلى غرار صوماليلاند، كان مشروعه مؤسسة، تم بناؤها من الصفر وبدون أي مساعدة خارجية تقريباً. ومثل الجمهورية المعلنة من طرف واحد، والتي لا تعترف بها أي دولة أخرى في العالم، فإن وجودها ذاته هو بمثابة عمل استثنائي.
والحال أن «هذا البلد فقير. ومعظم ميزانيته ينفَق على الاحتياجات الأساسية لمواطنيه، وأنا أفهم ذلك»، يقول جاما باللغة الإنجليزية الممزوجة بلمسات من الإيطالية، وهي لهجة أتقنها خلال سنوات التدريس في بيزا. ويضيف موضحاً: «ولكن عندما تلغي الفنون والثقافة من المعادلة المجتمعية، فإنك تزيل ما يجعل البشر بشراً. أردتُ السهر على عدم حدوث ذلك في هذا البلد».

إلهام العزلة 
وبالنسبة لبقية العالم، ليست صوماليلاند سوى مقاطعة صومالية: إقليم تراوده، وفقاً لكتاب «حقائق العالم» ‏World Factbook ‬الذي ‬تنشره ‬وكالة ‬المخابرات ‬المركزية ‬الأميركية كل ‬عام «‬طموحات ‬انفصالية»‬. و‬في ‬صوماليلاند ‬هناك ‬حكومة ‬وحدود ‬وشرطة ‬وجيش ‬وعملة. و‬ينظم ‬الإقليم ‬انتخاباته ‬ويتقاضى ‬الضرائب. ‬ولكن ‬المجتمع ‬الدولي ‬لا ‬يمنحها ‬أي ‬شرعية، ‬فـ«أرض ‬الصومال» ‬في ‬عزلة ‬شديدة. و‬لا ‬يستطيع ‬معظم ‬سكانها ‬السفر، ‬لأن ‬جوازات ‬سفرهم ‬غير ‬معترف ‬بها، ‬أو ‬أنهم ‬ببساطة ‬لا ‬يملكون ‬الأموال ‬اللازمة. وقبل خمسة عشر عاماً، ألهمت هذه العزلةُ جاما أيضاً فكرة طموحة: لماذا لا ينشئ معرضاً دولياً للكتاب هناك؟ هكذا تذكّر، حيث قال: «يجب أن يُمنَح الناس نافذة على العالم». وبما أن معظم الناس لا يملكون القدرة على السفر، فإنّ العالم يجب أن يأتي إليهم، والكتب هي أفضل طريقة للقيام بذلك.

معرض للكتاب ومكتبة مثالية
وفي البداية، لم تحصل فكرة جاما على إجماع. ولكنه تجاهل الانتقادات، وفي عام 2008 قام بتنظيم النسخة الأولى من معرض الكتاب في هرجيسا بصوماليلاند. وقد جذب المعرض حينها 200 شخص. وفي غضون عام، ارتفع هذا الرقم إلى ما يقرب من 10000 زائر. ولم يرغب جاما في رؤية هذا الحماس يتلاشى خلال الـ360 يوماً الأخرى من السنة. وكان هناك عدد قليل أصلاً من المكتبات في أرض الصوماليلاند، وتلك الموجودة منها كانت بحاجة إلى العناية. ويذكر جاما أنه استكشف إحدى تلك المكتبات في بلدة بربرة الساحلية: كانت الأرفف مليئة بالتبرعات من الخارج. ولهذا السبب، منذ افتتاح مركز هرجيسا الثقافي في عام 2014، لم يفرض جاما سوى قاعدة صارمة واحدة فقط: عدم قبول أي تبرّع بالكتب، إلا إذا طلب هو وأمناء مكتبته عنواناً محدداً. وبالنسبة لأمين المكتبة مصطفى علي أحمد، فإن هذه القاعدة ضرورية. إذ لا ينبغي للأفارقة أن يشعروا بأن مكتباتهم مشاريع خيرية، ينتهي فيها ما اصطلح على تسميته بـ«روايات المطار» (الروايات الشائعة المستهلكة) مكسورة الزوايا، وكُتب التنمية الشخصية الغربية!

السفر عبر الكتب
وشرع جاما في بناء المكتبة التي كان يحلم بها عندما كان طفلاً: أرفُف مليئة بالقصص الأفريقية والكتب المرجعية السميكة. وعن ذلك يقول: «أبحث عن كتب تساعد القرّاء على رؤية أنه لا توجد طريقة واحدة فقط للحياة، وأن الناس يمارسون جميع أنواع الحياة». وأضاف: «أعتقد أنه يمكننا السفر بفضل الكتب».
واليوم، تنمو المجموعة بقائمة يُغذّيها أمناءُ المكتبات والقراء، ويمكن للمانحين المحتملين أيضاً الاستفادة منها. وعندما يذهب جاما إلى أوروبا، يعود منها عادة بحقيبة كتب. كما أنه أيضاً يدير دار نشر كتب صغيرة بالصومالية، تنشر أعمالاً أصلية وترجمات لكلاسيكيات غربية، مثل «مزرعة الحيوانات» ‏The Animal Farm ‬لـ«‬جورج ‬أورويل»‬. والقاعدة الأساسية للمحفوظات التي بدأ تجميعُها قبل ثلاثين عاماً هي مجموعته المؤلفة من 14000 شريط كاسيت التي تحافظ على الثقافة الشفوية لمجتمع صوماليلاند. ويحتوي بعضها على موسيقى البوب، التي تم حظرها في ظلّ نظام محمد سياد بري الصومالي في السبعينيات والثمانينيات. وهناك أيضاً قصائد، ومسرح إذاعي أو برامج حول الأحداث. وثمة «مرويات» شفوية، مسجلة ومتبادلة بين العائلات في صوماليلاند وبين الأقارب في الشتات. ويختتم جاما بالقول: «إنه قلب مجتمعنا، وهو قلب أرشيفنا».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©