الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مصطفى صفوان.. جسارة التفكير

مصطفى صفوان.. جسارة التفكير
26 نوفمبر 2020 01:43

ترجمة - أحمد عثمان

مصطفى صفوان، عالم نفساني مصري شهير، ولد في عام 1921 وتوفي في 7 نوفمبر الحالي. نشأ في مصر خلال الانتداب البريطاني. وعلى الرغم من اعتقال والده في عام 1924 بتهمة الشيوعية، فقد مضت طفولته بدون أي مشاكل وفي هدوء. درس الفلسفة في الجامعة المصرية ثم التحليل النفسي على يدي الدكتور مصطفى زيور. وغادر مصطفى صفوان مصر إلى فرنسا في يناير 1946. وفي ربيع هذا العام، بدأ تحليلاً شخصياً سرعان ما تحول على مدار الأيام إلى تحليل تعليمي. «هل يفضي أي منهج آخر إلى نفس النتيجة؟»، هكذا يتساءل دوماً. وقد تكوّنعلى يدي جاك لاكان، وأصبح من كبار مريديه وتلاميذه، لأنه يقدر بقوة فرادة لاكان النّظريّة وفرادة تقنيته، ويدرك أهمّيّة «العودة إلى فرويد». وشهد كلّ الانشقاقات التي اخترقت حركة التّحليل النّفسيّ بفرنسا بما في ذلك حل «المدرسة الفرويدية».

ويعدّ صفوان من الأعضاء المؤسسين «للجمعية التأسيسية للتحليل النفسي»، في عام 1983، ومن ثم «المؤسسة الأوروبية» للتحليل النفسيّ. وعضو شرفي لعدّة جمعيّات تحليل نفسيّ.
صدر له كتاب «لماذا العرب ليسوا أحراراً؟»، الذي يتعرض إلى إشكالية ما يعتبره قضية تحرير الإنسان العربي من مختلف ألوان الاستبداد السياسي والديني.
ومن كتبه: «الجنسانيّة الأنثويّة» (1976)، و«فشل مبدأ اللّذة» (1979) و«اللاشعور وكاتبه» (1982)، و«الطّرح وشوق المحلّل» (1988)، و«دراسات في الأوديب» (1994)، و«الكلام أو الموت» (1999) و«ضيق في التّحليل النّفسيّ» (2000)، و«عشر محاضرات في التّحليل النّفسيّ» (2001) و«ندوات جاك لاكان» (2001) و«البنيوية في التحليل النفسيّ» (2001).
وفي هذا الحوار يحلل صفوان جوانب من علاقة الدين والسلطة السياسية في العالم العربي.

*يضع كثير من مقالاتك، وأيضاً كتابك الأخير «لماذا العرب ليسوا أحراراً؟» الدين في قلب تأملاتك عن الحالة السياسية، الثقافية واللغوية في الدول العربية. لماذا؟
** في المجتمعات العربية - الإسلامية، هنالك من يرى أن الدين يؤسس شرعية السلطة. وهذا الحال منذ عهود الإسلام الأولى. لنقل، هناك مصدران لشرعية السلطة: الأولى، الأقدم، تحقق الدولة الثيوقراطية، بينما الثانية، حديثة، تتركز في الشعب، الذي يملك سلطة التشريع، وإن منح هذه السلطة لممثلين، كما هو الحال في الديمقراطية البرلمانية. 

* المرور من المصدر الأول إلى الثاني، أي المرور من نظام العالم والمجتمع الذي يحدده القانون المفارق (الدين) إلى نظام جديد يعهد الشعب، المعرف كتجمع لأفراد، إلى حكامه سلطة سن القوانين التي يريدها. 
** إذا وددت، تتمثل المشكلة في أن مفهوم «الشعب»، بهذا المعنى المقصود هنا، لم يوجد أبداً في العالم العربي. كلمة «شعب» العربية لم تحظ بدلالة سياسية مثل كلمة «ديموس» demos اليونانية التي تحمل نفس المعنى.

*... أو «شعب» لدى روسو في «العقد الاجتماعي»، مثلاً. ومع ذلك، تتأتى كلمة «جمهورية» من الكلمة العربية «جمهور»، وأيضاً استخدم النظام الليبي (السابق) كلمة «جماهيرية». 
** نعم. ولكن هذه الكلمة اشتهرت بأنها ذات مفهوم علماني في مصر أو في دول «جمهورية» أخرى. والحقيقة أثبتت أن هذا ليس الواقع. فالسياسي والديني في بعض هذه الدول مختلطان. إذ إن رئيس الجمهورية يسمي القادة الدينيين، المفتين كما أئمة المساجد، ويشرف على التعليم الديني في المدارس. باختصار، السلطة السياسية تراقب الديني لشرعنته. 

* حسب وجهة نظرك، ما هي مكانة الدين؟
** الدين، وبمفهوم أوسع الديني، المقدس، أساس المجتمعات الإنسانية. السوسيولوجي (إميل) دوركهايم كتب أن «الدين هو الشكل الأساسي للحياة الاجتماعية». 

* ألم يره فرويد «كتوهُّم»، عصاب استحواذي جماعي يخفف الأوجاع ويعالج الشعور بالذنب في لاوعي كل فرد مذنب -كما رأى- رغب في طفولته رؤية «موت الأب»؟ ولكن فرويد رأى أيضاً أن تطور العقل العلمي سوف ينتهي بتشتيت هذا التوهم!
** نعم، بيد أن هذه الأطروحة تم تجاوزها اليوم. على العكس، رأى العالم النفساني جاك لاكان أن هناك مستقبلاً للدين، لأنه يمنح معنى للعالم الخاضع تدريجياً لفوران التقنية الجامح. الإيمان غير الممكن استبعاده هو الشكل الأول للتفكير. كما بيّن (كلود) ليفي - ستروس أن القوانين الأصلية التي خضعت لها الكائنات الناطقة هي قوانين اللغة. منذ الميلاد، نحن خاضعون بصورة غير واعية للغة، التي أسماها لاكان «الآخر الكبير». في العقائد البدائية، هذا «الآخر» متجسد في الجد الأسطوري، الطوطم، آلهة المدن القديمة! 

  • غلاف كتاب: «التحليل النفسي.. علماً علاجاً وقضية»
    غلاف كتاب: «التحليل النفسي.. علماً علاجاً وقضية»

* باستثناء بعض الماديين الملحدين، لم يعظم فلاسفة الأنوار، أصل المفهوم الحديث للسلطة السياسية، تلاشي الدين. ويتعلق الأمر لديهم بفصل الثيولوجي عن السياسي، إذ يشرع كل منهما في عالمه الخاص. في العالم العربي-الإسلامي، يرى البعض أن الإسلام «دين ودولة»، ولا ينفصلان. كيف ترى هذا التوكيد؟
** فسّرنا سيئاً تعبير «دين ودولة». ما معناه؟ ببساطة، كما في الدينَين الآخرين، للإسلام أمور تختص بالعلاقة بين الإنسان وربه (الصلاة، التضحية، الحج...)، وأنظمة تعالج علاقة الإنسان وغيره من الناس، وكذا مبادئ أخلاقية عن علاقته بالمجتمع (إنصاف، عدالة، بر...). غير أننا سعينا إلى القول بأن في الإسلام سيادة للروحانية، لما هو ديني في كافة مظاهر الحياة. ومع ذلك، يبين التاريخ أننا خاضعون للنظام الذي يمتلك سلطة زمنية.

* بالتالي، هذا التأويل لا يخضع لأي أساس؟
** إذا كان هذا صحيحاً -كما أراد البعض إقناعنا- أن هناك في النص الديني ما يؤسس الدولة، لماذا لم تتأسس في عهود الإسلام الأولى بدلاً من التقاتل في صراعات دموية؟ بخلاف النبي (صلى الله عليه وسلم)، لم يمنح الله معرفة الحقيقة لأي من مخلوقاته، أياً كانت مكانته، ولا أي مؤسسة، أياً كان شكلها وسلطتها. في الدين الإسلامي، الإنسان مسؤول أمام خالقه فقط، وليس أمام مؤسسات دينية. 

* من الممكن هنا أن نستعيد كلمات المفكر المصري محمد سعيد العشماوي «الله جعل من الإسلام ديناً، وهم جعلوه سياسة». أترى هذا أيضاً؟
** نعم، وأدعم هذه الأطروحة. وقد برهن عليها كثيرون، من بينهم علي عبدالرازق في «الإسلام وأصول الحكم». وإزاء عجز الأنظمة الثيوقراطية عن الإجابة على تحديات الحداثة الاقتصادية، التكنولوجية، الثقافية.. الخ، هناك أصوات أخرى تستعيد اليوم ما قاله عبدالرازق، وبالتحديد في مصر والمغرب، وذلك لفضح صور الانتحال المثالية التي حددت تاريخنا السياسي والديني بإدراك الموضوع بشجاعة وبوجهة نظر عقلانية. بالنسبة لي، هناك فرق بين ما هو ديني وما هو سياسي، ولذا يجب تحرير الدين من دعاوى التسيّس.

* بالأحرى، البعض قد ينتظر العكس!..
** من اللازم تحرير الدين من تأثير السياسة. الدولة العلمانية قد لا تعارض وجود الأحزاب الدينية أو التي تستمد مسوغاتها الأساسية من الدين: لنفكر في ألمانيا أو إيطاليا مع الديمقراطية المسيحية مثلاً. وإذا كان هناك حزب حصل على الغالبية في الانتخابات وإذا كانت هذه الانتخابات حرة وشفافة، فهذا يتأتى من اللعبة الطبيعية للديمقراطية السياسية. 

* ترجمت إلى العربية مقال «في العبودية المختارة» لإتيين دو لابويسي، كيف يمكن لكتاب كتبه فرنسي، يحيا في عالم ملكي وفي سياق حروب دينية، في نهاية القرن السادس عشر، أن يكون مفيداً بالنسبة للعالم العربي-الإسلامي؟ 
** بالنسبة لي، تمثل ترجمة هذا النص طريقة للتفاعل مع الأوضاع الحالية. بعد حرب 1967، التي كانت مصيبة بالنسبة للعرب وبالأخص لجمال عبدالناصر، الذي كان حينها على رأس السلطة العليا، في اليوم التالي للهزيمة، تحدث في الإذاعة لكي يعلن استقالته، وهكذا تخرج الجماهير إلى الشوارع صارخة «لا تتركنا يتامى!». هكذا فرض نص لابويسي نفسه عليَّ. هذه الحالة بالنسبة للشعب المصري التي كنت شاهداً عليها، ساعدني التحليل النفسي في شرحها. الزعيم السياسي، له بالتأكيد علاقة مع صورة الأب المثالي، وأعرف مدى الرضى الذي يمكن أن تحققه هذه الوضعية لدى أبنائه. غير أنني كنت مهموماً بالسؤال السوسيو-سياسي الذي طرحه لابويسي. وكتاب لابويسي الذي رآه فلاسفة الأنوار نقداً للسلطة المطلقة في زمنهم، يظل في بعض قصاصاته كتاباً راهنياً، بمعنى من المعاني.

* رسمت مخططاً سلبياً عن التعليم والثقافة في العالم العربي. ومع ذلك فتطور إنشاء المدارس لا يمكن إهماله.
** من دون شك، بيد أن الفقر الثقافي في مجتمعاتنا والفشل الكلي للتعليم واضحان للعيان. على من يقع الخطأ؟ في رأيي الشخصي، على نظام تعليمي يضفي قداسة على لغة كلاسيكية وينتقص من قيمة اللغة الأمومية المحكية! بعض كتابنا متواطئون مع هذه السياسة بدعم الأطروحة القائلة بأن هناك لغة محفوظة للإبداع الثقافي وأخرى للاستخدام اليومي. اللغة العربية، بالنسبة لهم، لغة مستثمَرة بحيث يحصلون بواسطتها على جوائز وتكريمات، وهم غير مستعدين لرؤية الأشياء تتطور أمامهم. ولهذا، أرى أن علينا تدريس العربية المحكية أيضاً في المدارس بقواعدها وأدبها: وسيربح الناس شيئاً من التقدير لأنفسهم ولغتهم!

(*) روث غروسريشار، حوار مع مصطفى صفوان، مجلة «تيل كيل»، عدد 358، 1 فبراير 2009.
(*) Ruth Groscrichard، Entretien avex Moustapha Safouan، magazine Tel Quel، numéro 358,1er février 2009

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©