السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المتاحف.. أماكن للتعاطف الإنساني

المتاحف.. أماكن للتعاطف الإنساني
26 نوفمبر 2020 01:42

المطالبة بـ «الشفافية» حول مضامين إدارة المتاحف، من قبل الجمهور والمتعاونين في القطاعات المتحفية من حول العالم، مثلت أحد المحاور المفصلية، للكشف عن مواطن الضعف والهشاشة في بنية المتاحف التقليدية، خاصةً بعد التحديات الجديدة التي أفرزتها الأزمة الصحية المرتبطة بـ«كوفيد- 19»، حيث جاءت في نقاشات ندوة «متاحف بإطار جديد» المنظمة من قبل متحف اللوفر- أبوظبي، بالتعاون مع جامعة نيويورك أبوظبي، بمثابة فرصة لتأسيس ملامح مستقبلية للمتاحف، تكون أكثر مرونة وديناميكية، في مواجهة الكوارث والأزمات، بمشاركة مجتمع المتاحف الدولي. واللافت في دراسة الحالة، التي عرضها الخبراء والباحثون في القطاع المتحفي بالندوة، هو نمو تفاعلي لمفهوم «الصوت المجتمعي» للمتحف، وأهمية أن يكون هناك محرك وغاية إنسانية للمتاحف، من خلال مناقشتها قضايا جوهرية، مثل العدالة العرقية والإدماج والتنوع، وإعادة النظر في إمكانية معالجة المنظور الاستعماري، وإمكانية أن تفتح المتاحف فضاءات أوسع، غير مكتفية بالنخب الحضرية. وتناقش جلّ التفاصيل المعرفية، بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بمختلف الطبقات والأطياف المجتمعية. 

رؤى الآخر
 في ظل الاستعراض الموضوعي لأبرز الرؤى والسبل لإعادة النظر في هيكلة المتاحف كمؤسسات، وإعادة تقييم الخبرات، للجماهير والموظفين على حدٍ سواء، الهادفة إلى توفير بيئة أكثر إدماجاً، جاء مفهوم «التعاطف» عبر سرد القصص في المتاحف، باعتباره أداة استثنائية، قادرة على جعلنا أكثر ترابطاً، من خلال الشعور بماهية رؤى الآخر عن العالم، الذي نتشاركه جميعاً، وذلك بأن تكون المتاحف مساحات آمنة، دونما أحكام مسبقة في قضايا إنسانية.. إلا أننا في البدء نحتاج إلى طرح سؤال الآلية العملية والعلمية للتعاطف، وخاصةً أن هناك مستويين من الوعي لدى الإنسان، ودور التعاطف هو إدراك جوهر اللاوعي الإنساني ومحاولة تفكيكه وفهمه، ومعالجته على مستوى واعٍ. 
حديث آدريانو بيدروسا، مدير متحف ساو باولو للفن، البرازيل، مشارك في ندوة «متاحف بإطار جديد»، يقدم لنا نموذجاً لإحدى القضايا الإنسانية المهمة، ودور المتاحف فيها، وهو ما يسمى بـ«المنظور الاستعماري»، موضحاً أن مهمة تفعيل معالجته نسبياً من قبلهم جاء عبر الأعمال من نهايات القرن الماضي، وذلك بالاعتماد على الفنانات البرازيليات من أصول أفريقية لمعالجة التحيّز الذي ورثنه، مضيفاً أنه في كلية «كوزكو» في البيرو، تمكن الفنانون من الجمع بين أعمال فنية للمستعمرين الأوروبيين بخلفياتهم الكاثوليكية وفن السكان الأصليين للمنطقة، ما عكس صورة أدق لواقع الفن المحلي في الفترة الممتدة ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر. ولزعزعة المفاهيم القديمة من خلال السرد، فقد طلبوا كقائمين على المتحف، من بعض الفنانات -وقد اقتصرت الدعوة على النساء- أن يساهمن بأعمال فنية لتعرض جنباً إلى جنب مع الأعمال الموجودة حالياً. وقال آدريانو بيدروسا إنه «يسهل ذلك بالنسبة للمعارض المؤقتة، أما بالنسبة إلى قاعات العرض الدائمة فإنه أصعب بكثير، والجدير بالذكر أن متحفنا هو متحف خاص ذو مجلس إدارة يتكون من 80 شخصاً، وبسبب حجم جمهورنا وتنوعه، نتجنب التحيّز إلى طرف ما».

معنى الإدماج
بينما اختار أماريسوار غالا أستاذ القيادة الثقافية الشاملة، والمدير المؤسس للمركز الدولي للقيادة الثقافية الشاملة، عميد تطوير القيادة وأعضاء الهيئة التدريسية، جامعة أنانت الوطنية، أحمد آباد، الهند، مشارك في ندوة «متاحف بإطار جديد»، مشهداً تأملياً حول قضية إنسانية عميقة، معبرة فيها عن معنى الإدماج الحقيقي، في المتاحف بقوله: «عندما عدت إلى الهند بعد سنوات من إقامتي في أستراليا وبلدان أخرى، ذهبت مباشرة إلى مسقط رأسي، ووجدت -ليس هناك فقط ولكن في أماكن أخرى في الهند- أن معظم المتاحف، لا بل جميعها تقريباً تمثل فقط فئة النخبة الحضرية». وتابع: لذا بالعودة إلى القرية الصغيرة، ما وجدته -مثل أي مكان آخر في الهند- هو تهميش النساء في كل مكان، في المتاحف، سواء ضمن المعارض أو السرد أو في الحوارات. ولذلك أطلقت مشروعاً لبنات القرية. تتزوج نساء القرية ويذهبن للعيش في قرية أخرى، وتتزوج النساء من القرى الأخرى وينتقلن للإقامة في قريتنا، ولذا فقد أتت كل هؤلاء النساء من قرى أخرى للعيش هنا، لذلك بدأتُ هذا المشروع متعدد الأبعاد، وما نراه هو إعادة تطبيق المساحات المجتمعية، التي أتت إليها النساء وأصبحن مهمشات فيها على مدى قرون، على ما أظن. وهكذا استردت النساء مساحاتهن».  وأضاف: «اعتقدت أن الإدماج في الهند يحدث حين نجمع بين القرى المختلفة مع بقية الهند، وحين نجمع تعددية نساء القرى، لما لهن من دور مهم في المساواة وإشراك الغير، وعملية دمج التراث غير المادي لهذا البلد وفي بيئة تتقبل الاختلافات، من هنا يبدأ المشروع من الأسفل صعوداً». 

الدهشة والجمال
ومن خلال الأطروحتين السابقتين، لنماذج من البرازيل والهند، في كيفية إعادة التفكير بأدوار المتحف المجتمعية، يستشف المتابع السعي الضمني لممارسة التعاطف، بشكل غير مباشر، وفي المقابل فإن هناك توجهات لمؤسسات ومتخصصين في جعله، أساس التكوين المتحفي المستقبلي، من مثل أيلف إم. جوكشيغدم مؤسسة مبادرة «التعاطف من خلال المتاحف»، من لفتت في ندوة «متاحف بإطار جديد» أن الدراسات أثبتت أن التعاطف يمكن تعلمه والتدرب عليه، ويحتاج إلى مساحات تجريبية، (لا حكم فيها، آمنة)، وأنه كلما جربنا التعاطف، شعرنا برغبة تجربته أكثر، ففي البداية نسعى للاتصال جميعاً، وبعدها نعمل على خدمة هذا الاتصال. وأطلق ديكر كيلتنر أستاذ علم النفس، جامعة كاليفورنيا، بيركلي، في الولايات المتحدة الأميركية، خلال مشاركته في ندوة «متاحف بإطار جديد» على المتاحف القادرة على إتاحة مكان لممارسة التدريبات الشعورية والعاطفية، بأنها «معابد للتعاطف»، وقد قاموا بعمل دراسات بحثية عن التعاطف والفنون لاكتشاف أبعادها على نطاق واسع، لفهم كيف ولماذا عبر الشعور بالدهشة والجمال، يمكن الشعور بالآخرين، والسؤال عن ما يزعجنا في اللقاءات مع أولئك الذين يعانون.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©