الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بين العلم الحديث والفلسفة الشرقية.. حدود الذات وآفاقها

بين العلم الحديث والفلسفة الشرقية.. حدود الذات وآفاقها
3 ديسمبر 2020 04:10

ترجمة: خالد البدور

يُعد الكندي إيفان تومسون أحد العلماء والكتاب المتخصصين المعروفين في فلسفة العقل في السنوات الأخيرة. وله العديد من المؤلفات والأبحاث، بالإضافة لكونه أستاذاً للفلسفة في جامعة بريتش كولومبيا في فانكوفر. وتدور أعماله حول طبيعة العقل وعلاقتها بالذات والتجربة الإنسانية، ويعتمد فيها على مناهج العلوم الحديثة وفلسفة الفينومينولوجيا أو الظاهراتية، والفلسفات المقارنة، وخاصة التراث الفلسفي الشرقي. 
والمقالة التالية مقتطفات مختارة من بحث نشره في الفصلية الأكاديمية «الفلسفة، شرقاً وغرباً» الصادرة عن جامعة هاواي في يوليو 2016، ويقدم فيها ملخصاً لأفكاره بشكل عام، وتلك التي قدمها في كتابه المهم «الاستيقاظ والحلم والوجود: الذات والوعي في علم الأعصاب والتأمل والفلسفة».

  • خالد البدور
    خالد البدور

الفكرة المركزية التي ينبغي التركيز عليها في مجال دراسات الوعي هي أن «الذات» the Self عملية مستمرة وليست (شيئاً) معيناً أو كياناً ما. الذات ليست شيئاً خارج التجربة، أو شيئاً مخفياً في الدماغ أو في حقل غير مادي. إنها عملية يمكن اختبارها، وتخضع للتغير المستمر. نحن نصنع الذات في عملية الإدراك، وهذه الذات تأتي وتذهب اعتماداً على كيفية إدراكنا.
عندما نكون في حالة يقظة، منشغلين ببعض المهام اليدوية، فإننا نُفَعِّل الذات الجسدية والموجَّهَة لبيئتنا المباشرة. ومع ذلك، فإن هذه الذات الجسدية تَتَبدَّد من التجربة التي نمر بها إذا استغرقنا فيها بشكل ذهني. إذا تشتت ذهننا، فإن الذات المتخيلة عقلياً للماضي أو للمستقبل تتفوق على ذات اللحظة الحالية.
وعندما نبدأ في النوم، يتراخى الشعور بالذات. وتطفو الصور، ويصبح إدراكنا مستغرقاً في هذه الصور بشكل تدريجي. يتلاشى الانطباع بأنني فرد محدّد مستقل عن العالم. في حالة النوم هذه، يبدو أن الحدود بين الذات واللا-الذات تتلاشى.

«أنا» الحالم
يعود الشعور بكونك شخصاً مستقلاً منغمساً في العالم مرة أخرى في حالة الحلم. نختبر الحلم من منظور الذات بداخله، أو «أنا» الحالم. وعلى الرغم من أن عالم الأحلام بأكمله موجود فقط كمحتوى لإدراكنا، فإننا نُعرِّف أنفسنا في جزء منه فقط، أي أن «أنا» الحالم تتركز في تجربتنا في عالم الأحلام وتقدم نفسها على أنها مركز إدراكنا.
وفي بعض الأحيان، يحدث شيء آخر. نحن ندرك أننا نحلم، ولكن بدلاً من أن نستيقظ، نستمر في الحلم مدركين أننا نحلم. ندخل ما يسمى بالحلم المجسد (الذي يدرك فيه الإنسان وهو وسط الحلم أنه يحلم). هنا نحن نختبر نوعاً مختلفاً من الإدراك، حيث يمكن للمرء مشاهدة الحلم. بغض النظر عن محتويات الحلم التي تأتي وتذهب، بما في ذلك الأشكال التي تتخذها الأنا في الحلم، يمكننا القول إنها ليست مثل وعينا حين نكون في حالة الحلم. لم نعد نعرِّف أنفسنا فقط مع «أنا» حلمنا، «الأنا» كما نحلمها، لأن إحساسنا بـ«الذات» يتضمن الآن ذاتنا التي تحلم، و«أنا» كحالم. وبالمثل، أثناء التأمل في حالة اليقظة، يمكننا ببساطة أن نشاهد أننا واعين، ونشاهد أي أحداث حسية أو عقلية تحدث داخل حقل إدراكنا. 
ووفقاً للتقاليد اليوغية (نسبة إلى اليوغا) الهندية، التي يتم تفسيرها على نطاق واسع لتشمل البوذية، يمكننا التمييز بين ثلاثة جوانب للوعي. الجانب الأول هو الإدراك، والثاني هو محتويات الإدراك، والثالث هو كيف نختبر بعض محتويات الإدراك هذه مثل «أنا» أو «نفسي» أو «لي». ومن هذا المنظور، لفهم كيفية قيامنا بتفعيل الذات، نحتاج إلى فهم ثلاثة أشياء، طبيعة الإدراك ومحتوياته الحسية والعقلية، وعمليات العقل والجسم التي تنتج هذه المحتويات، وكيف يتم اختبار بعض هذه المحتويات على أنها «أنا» أو «نفسي» أو «لي».

أنا- الفاعل
في كتابي «الاستيقاظ والحلم والوجود»، أتناول هذا الإطار الثلاثي للإدراك، 
ومحتويات الإدراك، والتجربة الذاتية، أو ما يسميه التراث الهندي «أهامكارا» 
أنا- الفاعل، I-making، وأخضعها للعلوم المعرفية. وبينما قام المفكرون الهنود برسم خريطة للوعي، و«أنا- الفاعل» في المصطلحات الفلسفية والظاهراتية، أقوم بعرض كيف أمكن لأفكارهم أن تساعد أيضاً في تطوير علم الأعصاب والوعي من خلال نسج علم الأعصاب والفلسفة الهندية معاً في محاولة لاستكشاف اليقظة، والنوم، والحلم، والأحلام المجسدة، وتجارب الخروج من الجسد، والنوم العميق بلا أحلام، وأشكال الوعي التأملي، وعملية الموت.
ينبغي العودة هنا إلى التراث الهندي، وتحديداً الأوبانيشاد، وهو أحد أهم مصادر الفكر الهندوسي، والذي يمكن القول إنه يحتوي على أول خريطة مسجلة في العالم للوعي. أقدم النصوص فيه تحدد ثلاث حالات رئيسية للذات: حالة اليقظة، وحالة الحلم، وحالة النوم العميق بلا أحلام. ويضيف النص الأخير من الماندوكيا أوبانيشاد، حالة «رابعة» وهي توريا Turīya أو الوعي الخالص. 
الحالة الأولى، وهي وعي اليقظة ويتصل بالعالم الخارجي ويدرك الجسد المادي باعتباره هو الذات. وترتبط الحالة الثانية وهي الوعي بالحلم بالصور الذهنية التي تتكون من الذكريات ويدرك الجسد الذي يحلم بأنه هو الذات. أما الحالة الثالثة، وهي النوم العميق بلا أحلام، فيقبع الوعي فيها في حالة من السبات، حيث لا يمكن التفريق بين الذات والموضوع.
أما الحالة الرابعة، أو الوعي الخالص، فهو الحالات المتغيرة الكامنة من اليقظة والحلم والنوم بلا أحلام، أو هو الشاهد عليها دون التماثل معها أو مع الذات التي تظهر فيها. أستخدم هذه البنية الرباعية هنا لتنظيم استكشافي للوعي والشعور بالذات عبر حالات الاستيقاظ والحلم والنوم العميق، وكذلك حالات التأمل المكثفة من الوعي والتركيز.

الوعي المنفتح
في التقاليد اليوغية يستخدم التأمل كتدريب للقدرة على المحافظة على الانتباه لشيء واحد، والقدرة على جعل الإدراك منفتحاً على مجال التجربة بأكملها، دون اختيار أو قمع أي شيء ينشأ من ذلك. في كلتا هاتين الحالتين للتأمل، أي من خلال التركيز الأحادي الاتجاه، والوعي المنفتح، يتمكن المرء من تعلم مراقبة صفات محددة للتجربة، مثل التقلبات التي تحدث في الانتباه لحظة بعد لحظة، وتقلبات المشاعر، والتي يصعب على العقل القَلِق إدراكها. وإحدى الأفكار الموجهة للاستيقاظ والحلم والوجود هي أن الأفراد الذين يمكنهم التحرك بشكل واثق ومرن بين هذه الحالات المختلفة للانتباه والوعي، والذين يمكنهم الوصف بالمصطلحات الدقيقة كيف يشعرون بتجربتهم من لحظة إلى أخرى، يقدمون مصدراً جديداً للمعلومات عن الذات والوعي لأجل علم الأعصاب وفلسفة العقل.
أما بشأن الرأي السائد في علم الأعصاب و«الفلسفة العصبية» وهو أن الذات ليست سوى وهم يخلقه الدماغ، فإنني أسمي هذا الرأي «العدمية العصبية». وعلى الرغم من أن الذات بُنيَة، أو بالأحرى عملية تكوين مستمرة، فإنها ليست وهماً. الذات عملية مستمرة، وهي التي تُكوِّن «أنا» والتي لا تختلف فيها هذه «الأنا» عن العملية نفسها. أسمي هذه النظرة، بالنظرة «النشطة» للذات. 
ينبغي إيجاد طريقة جديدة لربط العلم، بما يحب الكثير من الناس تسميته بالروحانية. فبدلاً من أن تكون إما معارضة أو غير مبالية بالجانبين، يمكن للعلوم الحديثة والتقاليد التأملية العظيمة في العالم العمل معاً في مشروع مشترك هو فهم العقل ومنح معنى حقيقي لحياة الإنسان على هذا الكوكب. ومن خلال ربط العلم بالمعرفة التأملية وإثراء التأمل بالعلوم المعرفية، يمكننا فتح نوافذ علمية وتأملية جديد للحياة البشرية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©