الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التعبئة الثقافية أمام «كوفيد- 19»

التعبئة الثقافية أمام «كوفيد- 19»
31 ديسمبر 2020 01:07

إعداد وترجمة: مدني قصري

تواجه الإنسانية تحدياً غير مسبوق. للأزمة المرتبطة بـ «كوفيد -19» تأثير في جميع أبعاد حياتنا: الصحة العامة، عالم العمل، التفاعلات الاجتماعية، النقاش السياسي، استخدام الأماكن العامة، الاقتصاد، البيئة والحياة الثقافية.
يضرب فيروس كوفيد -19 بشدة الحياة الثقافية لمجتمعاتنا. المكتبات والنصب التذكارية والمراكز المجتمعية والمتاحف وجميع الأماكن الثقافية تغلق أبوابها، الواحدة تلو الأخرى. تُلغَى العروض والمهرجانات والاستعراضات والكرنفالات، وجميع أحداث التراث غير المادي. يمكن للعمال في هذه القطاعات، الذين غالباً ما يعانون بالفعل أوضاعاً محفوفة بالمخاطر (العاملون لحسابهم الخاص، والعمال الذين يعملون بشكل متقطع، والمستقلون) أن يمضوا عدة أشهر دون أي دخل. تتأثر المشاركة النشطة للجميع في الحياة الثقافية للمجتمع بشدة بفيروس COVID-19، وينطبق الشيء نفسه على صحة الوجود والديمقراطيات.
ومع ذلك، فقد ولدت الأزمة مئات الآلاف من المبادرات الجديدة، من توفير الأحداث، والتسجيلات والمجموعات عبر الإنترنت، إلى ظهور مبادرات رائدة تركز على COVID-19. لقد تحول الناس إلى الثقافة لإعادة خلق المعنى وإظهار التضامن، ورفع الروح المعنوية العامة. تبذل المدن والحكومات المحلية، جنباً إلى جنب مع العاملين والجهات الفاعلة والمؤسسات فيها، جهوداً كبيرة للحفاظ على أنشطتها من أجل التخفيف من شعورهم بالعزلة. لا يمكن أن يوضح بشكل أفضل السبب الذي يجعل الثقافة يجب أن تترسخ باعتبارها الركيزة الرابعة للتنمية المستدامة.
منذ عام 2010، كانت منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة United Cities and Local Governments، رائدة في مجال الثقافة، من خلال التأكيد في إعلان سياسي على أن الثقافة يجب أن تعتبر الركيزة الرابعة للتنمية المستدامة. تم تعزيز هذا السرد في بيان «مستقبل الثقافة» الذي تمت الموافقة عليه في المؤتمر العالمي لمنظمة UCLG، في ديربان في نوفمبر2019، والأعمال المعلنة في أبوظبي، الناتجة عن المنتدى الحضري العالمي العاشر بالشراكة مع «موئل الأمم المتحدة»، برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في فبراير 2020. تعترف هذه الوثائق بالثقافة باعتبارها جزءاً لا لبس فيه من الحل للتحديات الثقافية للإنسانية، ومحركاً رئيساً للتضامن العالمي. استجابت المجتمعات الثقافية للأزمة، وسلطت الضوء على القوة الهائلة للثقافة في بناء مجتمعات صحية وقادرة على الصمود، وتحسين رفاهية الجميع. يدرك موئل الأمم المتحدة ومنظمة المدن المتحدة والحكومات المحلية وميتروبوليس، بصفتهم منظمين مشاركين لتجربة التعلم الحي، أهميةَ مواصلة تعزيز التعاون مع المنظمات والمؤسسات الثقافية والجهات الفاعلة والوكلاء الثقافيين للدفاع عن دور الثقافة في التحديات التي يسعى جدول أعمال 2030 لحلها. 

التعبئة الثقافية 
كيف تستجيب المدن والحكومات المحلية ومبادراتها الثقافية والمنظمات والشبكات والجهات الفاعلة للأزمة؟ كيف يمكننا أن نضمن بشكل أفضل أن تكون الثقافة في مركز إعادة الإعمار بطريقة واضحة وعملية؟ طُرحت تجربة التعلم حول الثقافة من قبل الأمينة العامة لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، إميليا سايز، التي أكدت  دور الثقافة باعتبارها «عنصراً أساسياً في تنمية الإنسانية وكعلاج للأزمة»، والتي لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال الاقتصاد، أو الحكم أو التدابير الصحية.
وأشارت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لموئل الأمم المتحدة، ميمونة محمد شريف، إلى تجربة منتدى أبوظبي الحضري العالمي العاشر، وهدف ربط الثقافة والابتكار بإنجاز أهداف التنمية المستدامة، وأقرت بأنه «كمجتمعات محلية، يجب علينا اغتنام هذه الفرصة لإعادة التفكير في مستقبل أكثر استدامة من منظور الثقافة والابتكار. كما أشار خوسيه ألفونسو سواريز ديل ريال، أمين عام الثقافة في مكسيكو سيتي، والرئيس المشارك للجنة الثقافة في منظمة المدن المتحدة والحكومات المحلية، إلى أهمية هذه الدورة كعملية حقيقية للابتكار والتعلم والتعاون، لتحقيق أهداف مشتركة:«سوف نعيد إطلاق الأخوة بين المدن».
نتيجة لهذه المشاورات، شارك ممثلو الحكومات المحلية والإقليمية المختلفة حول العالم التحديات والمبادرات الرئيسة، لضمان أن الاستجابة لأزمة Covid-19 تضع الثقافة في قلب المحادثة العالمية.
شددت المدن والحكومات المحلية على الحاجة إلى البدء في النظر في سيناريوهات ما بعد الاحتواء، بما في ذلك الجمعيات والمجالس المحلية النوعية، والخطط، والسياسات، والبرامج الثقافية، لضمان أن تكون الثقافة في قلب أي عملية تعافٍ محلي. واتفق المشاركون على أن الإبداع يجب أن يجعل من الممكن إيجاد حلول مناسبة ودائمة للأزمة. وأشار خوسيه ألفونسو سواريز ديل ريال، إلى «قوة الثقافة في إيقاظ الخيال الاجتماعي الذي سمح للمدن، عبر التاريخ، بإعادة اختراع نفسها مراراً وتكراراً في مواجهة الشدائد».
سلط جوردي باسكوال، منسق لجنة الثقافة في منظمة المدن المتحدة والحكومات المحلية، الضوء على أهمية العمل لضمان وجود الثقافة بشكل واضح في إعادة تشكيل جدول أعمال الأمم المتحدة 2030 في سياق الاستجابة للأزمة العالمية، وقدم بهذا المعنى الإعلان الذي تم إطلاقه مؤخراً حول «الثقافة ووباء COVID-19» لحملة # Culture2030goal، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة الثقافة في المبادرات الجديدة (القادمة) من جدول أعمال 2030 الأمم المتحدة وأهداف التنمية المستدامة.

تعزيز الحقوق الثقافية 
وكان أحد الشواغل الرئيسة التي أثيرت خلال الجلسة يتعلق بحماية وتعزيز الحقوق الثقافية خلال مرحلة الحجر الصحي وبعد الوباء. أكد المشاركون في الحدث على الدور الأساسي الذي يلعبه الوصول إلى الثقافة والمعرفة في فعالية استجابات الحكومات المحلية لاحتياجات المواطنين. وكما ذكرت كريمة بنون، مقررة الأمم المتحدة الخاصة للحقوق الثقافية، فإن:«حرية التعبير الفني، وحرية التجمع، والحق في المشاركة في الحياة الثقافية، والتمتع بالتقدم العلمي... مكفولة من قبل القانون الدولي، ولا تقل أهمية عن الحقوق الأخرى».
كما قالت: إنه يجب استخدام الحقوق الثقافية لتعزيز التفاؤل، الذي لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه آمال كاذبة، ولكن كمفتاح للبقاء. وقدّم لوكا بيرغامو، نائب العمدة المسؤول عن التنمية الثقافية في روما، والرئيس المشارك للجنة الثقافة في منظمة المدن المتحدة والحكومات المحلية، مبادرة مهمة جداً في هذا الصدد، ألا وهي ميثاق روما للحقوق الثقافية. تُظهر هذه الوثيقة التزام روما القوي بتطوير رؤية للمستقبل، تُركز على الحقوق الثقافية: «ميثاق روما بشأن الحقوق الثقافية يقوم على الفكرة التالية: إذا قلنا إن لكل فرد الحق في المشاركة في الحياة الثقافية، كما ورد في المادة 27 من إعلان حقوق الإنسان العالمي لحقوق الإنسان، فإننا نقول هنا شيئاً يتحدى نموذج المجتمع الذي نعيش فيه».
عنصر آخر في النقاش حول الحقوق الثقافية تم طرحه خلال الدورة، وهو الحاجة إلى بناء جديد (وليس إعادة بناء) يقوم على ارتباط أكبر بفكرة الجمهور كعنصر أساسي لمجتمعات الغد. وأكد إنريكي أفوجادرو، وزير الثقافة في حكومة مدينة بوينس آيرس المتمتعة بالحكم الذاتي، على حاجة المسؤولين الثقافيين العموميين للعمل معاً للدفاع عن قيمة الثقافة، وهو أمر أكثر أهمية من أي وقت مضى، من حيث تعزيز التماسك الاجتماعي. وأضاف أيضاً: «منظمة المدن المتحدة والحكومات المحلية وأطر دولية أخرى ضرورية في هذا الصدد».
أدى تضاعفُ الحاجة إلى المسافة المادية في العديد من المدن إلى خلق فرص جديدة للوصول إلى التراث والمعرفة، بما في ذلك الوصول إلى موارد المكتبة الرقمية، والجولات الافتراضية للمتاحف، أو معارض الفنون المرئية، ونشر الحفلات الموسيقية، وعروض المسرح والرقص والأوبرا على الإنترنت. جزء كبير من هذا «المحتوى الثقافي» ينتمي بالفعل إلى الأشخاص من خلال المؤسسات البلدية، أو الوطنية أو الدولية. في هذا الصدد، تم تقديم العديد من المبادرات خلال الدورة: طوّرت مدينة مكسيكو سيتي مبادرة «Cultura en casa»، وهي عبارة عن منصة رقمية مصممة لجلب الثقافة للمواطنين أثناء الحجر، بعد أن وصلت بالفعل إلى 12 مليون شخص.
بالإضافة إلى ذلك، اعترفت كاتارينا فاز- بينتو، مساعدة وزارة الثقافة في لشبونة، بأنه على الرغم من أن التكنولوجيا الرقمية عبر الإنترنت قد أحرزت تقدماً كبيراً، ويمكن أن يكون لها تأثيرات إيجابية، بما في ذلك إنشاء نماذج وفرص عمل جديدة، كأدوات للإدماج، فإن تطويرها يتطلب إطاراً أكثر أخلاقية لخدمة حقوق الإنسان الأساسية. علاوة على ذلك، أشارت إلى أننا «نتفق جميعاً على أن المستقبل يجب أن يكون افتراضياً وحقيقياً في نفس الوقت». ويبقى المكون المادي للثقافة أساسياً».

الدروس المستفادة 
يجب أن تكون الاهتمامات الثقافية في قلب إحياء المدن، ويجب على الحكومات المحلية الاستمرار في الإصرار على أن الاهتمامات الثقافية يجب أن تكون في قلب النقاش العالمي. يجب على المجتمعات والجهات الفاعلة الثقافية، والوكلاء، أخذ زمام المبادرة في هذه المناقشات. في الواقع، تحدث التعبئة الثقافية لأن المحرك المركزي للثقافة هو الحاجة إلى فهم الإنسانية وجوهر المجتمعات، خاصة في أوقات الأزمات، والألم وعدم اليقين. إنها عملية تهمنا جميعاً كبشر. إن «الحاجة إلى الثقافة» التي عشناها جميعاً خلال الأزمة هي خير مثال على الحاجة إلى ترسيخ الثقافة باعتبارها الركيزة الرابعة للتنمية المستدامة. تم إطلاق «الوصايا العشر لعصر ما بعد COVID-19» مؤخراً لتعزيز الثقافة باعتبارها ترياقاً للآثار الجانبية للأزمة.
تستطيع الحكومات المحلية والإقليمية تقديم أفكار سليمة لنماذج بديلة ومستدامة للإبداع والإنتاج والاستهلاك في مواجهة أزمة COVID-19، وإعادة التفكير في الطريقة التي نعيش بها ونعمل وننتج ونستهلك، حيث أصبحت علاقتنا بالطبيعة حاسمة لاستدامة المجتمعات. يجب أن توفر المدن والمجتمعات المحلية مساحات للتفكير في دور الثقافة كمصدر للإلهام، للتفكير في نماذج مختلفة للإبداع والإنتاج والاستهلاك، مع تدابير تتكيف مع النطاقات الزمنية المختلفة والتغيرات المنهجية التدريجية.  
يجب أن يظل التعاون والتضامن أولوية بعد الوباء، نظراً لأن الثقافة تضع نفسها كواحد من التيارات الرئيسة للتعاون والتضامن، وأن تعمل المدن والحكومات المحلية على تعزيز تعاونها، والسعي المشترك لإهداء برامج عن التراث والإبداع والتنوع، للجميع.  
هل سيتم اغتنام هذه الفرص؟ أم أن الاستجابة للأزمة ستستند إلى منافسة لا ضمير لها، وعلى تزايد عدم المساواة، وديمقراطية أقل؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©