الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صورة المستقبل بعد الوباء

صورة المستقبل بعد الوباء
31 ديسمبر 2020 01:07

لا زالت جائحة كورونا ترخي بظلالها القاتمة على العالم، الأمر الذي يؤكد بأن السنة الجديدة 2021 ستستظل أيضاً بهذه الظلال، لأن تداعيات الوباء لن تختفي بين ليلة وضحاها، وإنما ستظل لفترة قد تطول أو تقصر، ونتيجة لذلك تأثرت الحياة على الكوكب بطرق مختلفة، وفي ظل هذه الظروف المأساوية أثيرت أسئلة كبرى، ومنها، هل سيغير الوباء نظرتنا إلى الحياة؟ وهل سيكون المستقبل أفضل إذا استفدنا من الأزمة من خلال إعادة ترتيب أولوياتنا؟ وهل سنصبح أكثر تضامناً فيما بيننا؟
نتيجة لطبيعة كوفيد- 19، ولتداعياته، قام المفكرون والفلاسفة والأدباء، بمحاولة رسم معالم العالم بعد كورونا، أو على الأقل، خلال العام الجديد 2021، فأجمعوا بأنهم يواجهون مستقبلاً يطبعه الغموض وعدم اليقين، ومنهم من يجرؤ على التنبؤ بأن الأوضاع ستكون أسوأ عما كانت عليه قبل الوباء، ويؤكد ذلك الروائي الفرنسي ميشيل ويلبيك بقوله: «لن نستيقظ لنجد عالماً جديداً، سيظل على حاله، لكنه سيكون أسوأ قليلاً»، ويبدو أن الوضع لن يتحسن بين ليلة وضحاها، وإنما يتطلب جهود المفكرين والعلماء والحكومات والأفراد لتجاوز المحنة، ورغم ذلك، وحتى وإن تضافرت كل الجهود، فحسب الفيلسوف الفرنسي دومينيك بورغ بأننا: «لن نعود كما كنا من قبل».
ويرى اللغوي والفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي، أن الدرس الأول الذي يمكن تعلمه من هذه الأزمة هو «أننا نواجه إخفاقاً هائلاً، وإذا لم نتعلم الدرس من هذا الوباء، ففي المرة القادمة إن حدث شيء مشابه، فسيكون الأمر أسوأ بكثير».

إعادة التقييم والتنظيم
نحاول في ظل الجائحة، أن نكشف عما يمكن فعله، من خلال تقييم الوضع، ويتأكد ذلك من خلال قول الفيلسوفة الإسبانية فيكتوريا كامبس:«يمكن أن يكون لكوفيد- 19 إيجابياته، لأنه «أجبرنا على التفكير»، كما أن الحجر الصحي أجبرنا على إجراء تقييم أفضل لاحتياجاتنا الحقيقية».
أما نعوم تشومسكي، فيرى بأن هذه الأزمة فرصة ذهبية للمجتمعات لإعادة تنظيم نفسها بشكل مختلف، وأن الوباء عبارة عن إنذار، وفي نفس الوقت حافز يدفع البشرية لبناء مجتمعات أفضل. 
وما يمكن تأكيده، أن الطب وحده، لا يستطيع محاربة الفيروس وتداعياته، ولكن للفلسفة أيضاً دورها، وحسب جو همفريز:«فإن أهم درس يمكن أن تعلمنا إياه الفلسفة في وقت الأزمة وبعدها، خاصة أن تداعياتها قد تستمر طيلة سنة 2021، هو أن يتحمل كل فرد مسؤولية أخلاقية لفعل الصواب». وكمثال على ذلك، ارتداء الكمامة، والنظافة، والتزام العزلة، والتي هي في نفس الوقت فرصة للتفكير في أنفسنا ليس كأفراد فقط، ولكن أيضاً كمجموعة مترابطة ومتجانسة، وأيضاً تعلم التضامن لمساعدة الأشخاص الأكثر هشاشة.

تغيير السلوك
مع ظهور كوفيد- 19 أثار الوباء أسئلة فلسفية، تتعلق بالمسؤولية السياسية والأخلاقية للدول، وأكد الفيلسوف يورغن هابرماس على المبدأ الكانطي، وبأن:«جهود الدولة لإنقاذ كل حياة بشرية يجب أن تكون لها الأولوية المطلقة على ما هو نفعي واقتصادي»، لأن عدالة أي مجتمع تستمد من منح الأولوية لمصالح الأفراد، وبعبارة أخرى من الحفاظ على الكرامة الإنسانية، وقرار الحجر الصحي الذي اتخذته الدول في بداية الأزمة، جاء من أجل تحقيق هذا الهدف، أي الحد من انتشار الفيروس للحفاظ على حياة الأفراد.
ومع التطور العلمي الهائل، أصبح الإنسان يركز على ما هو تقني، ووثق في الطب والعلم، متناسياً الأهم، وهو السلوك، ومع وباء كورونا اضطر لتغيير سلوكه ليستطيع النجاة، خاصة أن الطب الذي كان المعول عليه لم يستطع إيجاد الحل في وقت قياسي، فتأسس لدى الإنسان تصور جديد حول قصور العلم وإمكانياته المحدودة، نتيجة تأخره في إيجاد اللقاح، حيث بقي الإنسان أعزل يواجه مصيره، فانكشفت بذلك هشاشته أمام تهديد طبيعي على شكل فيروس، فاضطر لانتهاج السلوك الاحترازي في انتظار حلول العلم.
أما بالنسبة للبيئة، فيعتقد الفيلسوف الألماني ماركوس غابرييل أن الأزمة التي أحدثها كوفيد- 19 ستكون لها نتائج إيجابية على الكوكب، كما أنه يرى بأن المجتمعات ستخرج من الوباء أكثر أخلاقية فيما يتعلق بأزمة المناخ، لأن الملاحظ، أن السلوك البشري هو ما أدى إلى التلوث الذي يعد من مصادر الأوبئة والأمراض، حيث يساعد على انتشار الفيروسات في الجو، فأصبح الإنسان في ظل الجائحة مطالباً بتغيير سلوكه تجاه الكوكب، حتى يظل هذا الأخير، مكاناً آمناً وصالحاً للعيش فيه، ودومينيك بورغ أيضاً له نفس الطرح، وأكد ذلك بقوله: «عندما نكون أمام ظاهرة من مستوى مختلف، وأمام خسائر من مستوى مختلف، تنهار كل تدابيرنا المعتمدة على التقنيات، حيث الحلول تصبح جزئية، فتصبح الطريقة الوحيدة للمواجهة هي العودة وإلى السلوكيات، لذلك لن يتم تقليل التلوث على المستوى العالمي بالتقنيات، بل بالسلوكيات. هذا هو الدرس المستفاد».
ومن ثم يتأكد مما سبق بأن الاستهلاك المفرط، يؤدي إلى استنزاف الكوكب وتلويثه، ومع كوفيد- 19، استفاد البشر من الدرس، لأن الوباء فرض عليهم العزلة والتباعد وقلة التنقل، كما عاشوا الخوف وعدم الثقة في المستقبل وانتظار الأسوأ، فمُنحت لهم الفرصة لمراجعة أولوياتهم وسلوكياتهم، كما أصبحوا يتجهون نحو شراء الأساسيات، والتقليل من الشراء المحموم للأشياء. 
ويتطلب تسريع وتيرة خروج البشر من أزمة كوفيد- 19، الإيمان بوحدة المصير الإنساني، حيث النجاة في الأزمات تكون جماعية وليس فردية، وأيضاً إيمان الإنسان بهشاشته، لأنه وصل في السنوات الأخيرة إلى إحساسه بأنه متحكم في مصيره وأنه يسود العالم، وإحساسه بالهشاشة سيحفزه على التصرف وفقاً لذلك من أجل حماية نفسه وحماية المجموعة. 
ومن إيجابيات الكوارث والأوبئة المهددة للحياة، أنها تحفز الإنسان على فعل الصواب، كالتعاطف والتضامن والتماسك المجتمعي، فيحس كل فرد بالتزام أخلاقي تجاه الآخر، لأن الأوقات العصيبة تمنح معنى لحياة البشر، وما جاء في رواية الطاعون لألبير كامو يؤكد هذه الرؤية:«ما ينطبق على جميع الشرور في العالم ينطبق على الطاعون أيضاً، إنه يساعد الرجال على الارتقاء فوق أنفسهم».
ونختم بما اقترحه الفيلسوف النرويجي هنريك سايس لتجاوز الأزمة:«إنه وقت نحتاج فيه بشدة إلى الحب والأمل ورعاية بعضنا البعض، إنه الوقت الذي يجب أن نستفيد فيه مما هو فلسفي وروحي في تقاليدنا، وأن نُظهر حسن النية والتعاون والإيمان والأمل والمحبة وحتى الدعابة والابتسامات، وبكل هذا فإن هذه الأزمة سوف لا تتغلب علينا».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©