الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبد الله الغذامي يكتب: الإنسان.. من الاسم إلى الصفة

د. عبد الله الغذامي يكتب: الإنسان.. من الاسم إلى الصفة
30 يناير 2021 00:02

أول هدية نحصل عليها من أهلنا هي إطلاق اسم علينا فور ولادتنا، والاسم خيار يتخذه الأهل لأسباب تخصهم وتنبع من محيطهم الثقافي والاجتماعي، وليس لنا دور فيه غير أنه سيلتصق بنا وسيكون دليلاً علينا، ولكن الإنسان يشرع من أول لحظات وعيه المبكرة في تكوين صفات هي في أساسها تنتمي لمحاكاته للبيئة التي يمر بها في مراحله، حيث تمنحه كل مرحلة فرصاً تتولد عنها صفات، فالمدرسة ستفتح له فضاء تنافسياً تبرز فيه مهاراته ونواقصه معاً، وعبر ذلك سيساعده ذكاؤه وما يأتيه من توجيهات لكي يحسن اختيار ما هو جيد فيه ويتجنب مناحي ضعفه
ثم يبدأ عنده مشروع بناء الصفات، وكل صفة تتحقق له، فإنها ستكون علامته الثقافية والوجودية، وستنعكس لتصنع من اسمه الذي كان مجرد هدية من والديه ليصبح اسماً مكتسباً اكتساباً ذاتياً تبعاً لما ينتجه من صفات حسب درجة قوتها، وقد تبلغ الصفات درجة عليا في تأثيرها لدرجة تجعل العيوب ترتقي لمستوى التميز، فصفات مثل الأعشى والجاحظ، هي عيوب جسدية، ولكنها تتراجع عن دلالة العيب لتكون علامة ثقافية تشير للإبداع وليس للعيب، ومثلهما الفرزدق والكلمة تشير أصلاً إلى شكل وجه الشاعر الذي يشبه رغيف الخبز، ولكن الكلمة لم تعد تعني ذلك، لأنها تستحضر اسم الشاعر وليس صفة الوجه، وهكذا فإن الكائن البشري هو مصنع صفات دائم ويظل عمره كله مصدراً لصناعة الصفات، وكلما تميز في واحدة منها، أصبحت علامة فارقة عليه، وجعلت اسمه وسماته وذاكرته تحت مظلة الصفة البارزة فيه تحصره فيها وتقود مسار ذكراه في التاريخ، مما يجعل وظيفة الصفات في حياة البشرية هي العلامة الأبرز في صناعة هوياتهم وصورهم الذهنية كلما ذكروا واستجلب ذكرهم أهم ما فيهم من صفة، وستكون في مقدمة التصورات عنهم، والأعشى لم يك الوحيد المصاب في عينه، لا في زمنه ولا فيما لحق من أزمنة، ولكن أذهننا تتجه فوراً للشاعر كلما وردت جملة بعبارة قال الأعشى، وكلما نطقنا الكلمة اتجهت ذواكرنا لشاعر محدد استحوذ على الصفة وكأنه الأعشى الوحيد في الكون، وهنا تتغلب الصفة لتلازم من حظي بها عبر منجزه وتلغي من سواه. وفي الوقت ذاته، يختفي الاسم بما أن الصفة تقدمت عليه، فلا نقول مثلاً قال أحمد بن الحسين الكوفي، ولكن يكفي أن نقول المتنبي، وفي الغالب فإن أحمد بن الحسين لا وجود له إلا في بطون الكتب، بينما كلمة المتنبي تحتل كل الذواكر البشرية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©