الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإمارات.. الطريق إلى عالم أخلاقي منفتح أكثر تسامحاً

الإمارات.. الطريق إلى عالم أخلاقي منفتح أكثر تسامحاً
4 فبراير 2021 00:20

إميل أمين

قبل أن يمر عامان على صدور وثيقة الأخوّة الإنسانية في الرابع من فبراير شباط 2019، أعلنت هيئة الأمم المتحدة عن تكريس هذا اليوم ليكون ذكرى دائمة لإنسانية طال بها البحث عن برّ الأمان، وسط عولمة وتقدم صاخبين لكن من غير تقدم إنساني حقيقي، أو شراكة أخوية وجدانية فاعلة.
قدمت الإمارات للعالم في ذلك اليوم مثالاً حقيقياً للمدينة فوق جبل، تلك التي تنير العالم بالمحبات الحقيقية غير المغشوشة، والتي تكفل الحرية والمساواة، وتعزيز قيم الخير الخلقية، وضمان مسيرة كونية اجتماعية وسياسية بناءة، عبر حوار اجتماعي يقوم على ثقافة الاستحسان بالاعتراف بالآخر.
ولعله من مصادفات القدر أن تأتي جائحة «كورونا»، لكي تؤكد الإمارات العربية المتحدة على صدق رؤاها التي تبلورت في الوثيقة التي وقعت في أبوظبي من قبل البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، والأب الروحي لنحو مليار وثلاثمائة مليون كاثوليكي حول العالم، ومن جانب آخر الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، قبلة العالم الإسلامي السني.

«لا تشلون هم»
الذين قدّر لهم متابعة تحركات الإمارات خلال عام الجائحة، يدرك بما لا يجعل هناك مكاناً للشك، أنها واكبت القول بالفعل، وأن وثيقة الأخوّة الإنسانية، صارت دستوراً بين البشر، فقد طارت طائرات الإمارات حاملة الغذاء والدواء لأخوة في الإنسانية، طال بهم شقاء الجائحة، وكانت اليد الإماراتية ممدودة طويلة، حتى وإن كانوا في قبائل الأمازون، وفي أبعد نقطة من الأرض المسكونة.
جسرت الإمارات العلاقة بين الشرق والغرب، وبين أتباع الأديان الإبراهيمية كما يجب أن تكون وبصورة غير مسبوقة، وفتحت الطريق أمام تشكيل عالم ما بعد جائحة «كورونا»، عالم ينبغي أن تضحى الأخوة ديدنه، وليس الحسابات الرأسمالية والسياسات النيوليبرالية، والتي لا هدف لها ولا طائل من ورائها سوى مراكمة الثروات، عبر الأنانية والنرجسية غير المستنيرة.
عاشت الإمارات طوال عام الجائحة وحتى الساعة روح وثيقة الأخوّة الإنسانية، ويمكن أن نتوقف في هذا الإطار أمام مشهدين متصلين بترجمة فعل الأخوة الخلاق من عالم التنظير الفكري، والحبر المسال على الأوراق، إلى حقائق سوف تحفظها ذاكرة الأجيال طالما كان هناك تاريخ.
المشهد الأول لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في بدايات أزمة كورونا، وهو يخاطب المواطنين والمقيمين على أرض الإمارات، بلهجة الأخ الأكبر الحاني، والمطمئن، والمهدئ من روع الجميع.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد باح بمكنونات الأخوة عبر كلمات بسيطة ورقيقة.. «لا تشلون هم»، أي لا تقلقوا طالما أنتم على هذه الأرض، فالغذاء والدواء، والحياة برمتها مضمونة للجميع، من أبناء الوطن، ومن أولئك الذين اختاروا الإمارات وطناً لهم.
لاحقاً كانت ردات فعل المقيمين تستدعي دموع سموه، من جراء الحب الذي أظهره المقيمون في الإمارات للدولة وقيادتها، فقد عاشوا بالفعل المعنى والمبنى للتوجه القرآني السامي، إنما المؤمنون إخوة، هذه الأخوة تمت ترجمتها في التعاطي على قدم المساواة مع الجميع.
أما المشهد الثاني فتجلى خلال الأسابيع الأخيرة، تلك التي تم فيها توزيع اللقاح على جميع الساكنين في الدولة، وبات جلياً، ومرة أخرى أن فكر الأخوة قد استطاع أن يقفز فوق حدود الجغرافيا، ويتجاوز هويات الديموغرافيا، فالجميع بشر، أرواح واحدة، لها رب واحد، وخالق واحد أحد، تعيش على كوكب واحد، ما يجعل الأصل هو الأخوة من عند أبناء آدم عليه السلام، وصولاً إلى آخر من يعمر الأرض من الجنس البشري. والشاهد أنه حين تسعى الأمم المتحدة إلى جعل الرابع من فبراير يوماً عالمياً للأخوّة الإنسانية، فإن ذلك يعد بمثابة تقديم الترياق الإماراتي للخليقة المتألمة هذه الأيام، والمحتقنة رسماً ونفساً، بشراً وحجراً.. لكن علامة الاستفهام في هذا المقام: «عن أي ترياق نتحدث، وهل حديثنا موصول باللقاحات الخاصة بفيروس (كوفيد-19) المستجد، أم أن هناك أمراً آخر من وراء التساؤل؟
باختصار غير مخل يمكننا القطع بأن هناك أزمة صحية طارئة حول الكرة الأرضية، وهذا حقيقي، وهو ما تقوم عليه شركات الأدوية ومختبرات العلماء من أدنى الأرض إلى أقصاها، ومن الشمال إلى اليمين.
غير أن ترياق الأخوة الذي قدمته الإمارات للخليقة، يجابه فيروس أخطر، ومن سوء الطالع أنه مقيم مع الإنسانية، منذ البدايات الأولى، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إنه فيروس الكراهية، والذي يجعل البشر يتعاطون مع بعضهم بعضاً بروح العداء، وهو ما عبر عنه في ستينيات القرن المنصرم الفيلسوف الوجودي الفرنسي الشهير، جان بول سارتر، بقوله «إن الآخر هو الجحيم».
هنا قدمت الإمارات رؤية شافية للآخر، بوصفه الأخ، والعون والسند، لا سيما أنه بالوحدة وبالاتحاد بين شعوب العالم، يحدث الترقي، بل والتسامي فوق مكنونات الشر القائم والقادم.

تأثير إيجابي وخلّاق
جاءت وثيقة «الأخوّة الإنسانية» من غير تهوين أو تهويل، في وقت يطلق عليه علماء النفس الوقت القيم، وهو الذي تصل فيه الحاجة إلى أقصاها لشيء ما، وليس أخطر مما تعيشه شعوب ودول حول العالم من صعود للشعبويات القاتلة، ونشوء وارتقاء للنزعات العنصرية السياسية، بل والأخطر من هذا وذاك، تحول الاستقطابات السياسية من دائرة الأيديولوجيات الفكرية المتصارعة، إلى دائرة الهويات العرقية المتقاتلة، وهذا أمر كفيل بإحداث حروب أشر مما شاهده العالم في النصف الأول من القرن الماضي.
ظهرت وثيقة الأخوة لتفتح الإمارات الطريق أمام عالم أخلاقي مختلف عن سابقه، بل وتساعد في صنعه، لا سيما وأن البشرية تعيش اختباراً جديداً يستدعي العودة إلى ما أشار إليه مارشال ماكلوهان عالم الاجتماع الكندي الشهير في ستينيات القرن العشرين أيضاً، حين استبصر أن العالم سوف يصبح قرية كونية.
غير أن واقع الحال الآن هو أن العالم لم يعد تلك القرية الكونية، بل بات «حارة»، من حارات حرافيش نجيب محفوظ صاحب نوبل للسلام، ومرد ذلك أن وسائط التواصل الاجتماعي قد جعلت من التواصل بين قارات الأرض الست مسالة يسيرة، فليس على المرء سوى الضغط على الفأرة ليجد نفسه في تواصل مع مليارات البشر.
على أن هذا التواصل يمكن أن يكون أداة للسلام والوئام، أو آلية للموت والخصام، ومن هنا فإن بلورة أفكار الأخوة تجعل من مساقات ومسارات القرن الحادي والعشرين رحبة بما يكفي للخروج من دائرة الأيديولوجيا المتعصبة، إلى عالم الأبستمولوجيا الرحبة، حيث المعارف تقرب البشر من بعضهم بعضاً، لا أن تفرق بينهم.
كان البابا فرنسيس شاهداً أميناً على ما صنعته الإمارات للعالم، وما قدمه «عيال زايد»، للإنسانية قبل نحو عامين، ولعل هذا ما جعله يقدم في أكتوبر تشرين الماضي على إصدار الرسالة البابوية العامة، والتي حملت اسم (Fratelli tutti)، «كلنا أخوة... في الأخوة والصداقة الاجتماعية».
هل وصل التأثير الأدبي والوجداني للإمارات العربية المتحدة، وللعقول القائمة على إدارة شؤونها، حد التأثير الإيجابي والخلّاق، على عقل الجالس سعيداً على كرسي ماربطرس كما يقول التعبير الفاتيكاني الشهير؟.
يمكن أن يكون ذلك كذلك، وهو ما أشار إليه البابا فرنسيس في تصدير رسالته البابوية هذه بقوله «الذي شجعني بشكل خاص على كتابة هذه الرسالة، إنما هو شخص الأمام أحمد الطيب الذي التقيت به في أبوظبي، كي نذكر العالم أن الله «خلق البشر جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، ودعاهم للعيش كأخوة فما بينهم».
يصف البابا فرنسيس ما حدث على أرض أبوظبي بأنه لم يكن مجرد عمل دبلوماسي، بل كان عملية تفكير حققناها عبر الحوار والعمل المشترك.
لا تهدف رسالة «كلنا أخوة»، أحد أهم إفرازات وثيقة الأخوة الإنسانية، إلى تلخيص مبادئ المحبة الأخوية، بل تتوقف عند بعدها العالمي وانفتاحها على الجميع.
اعتبر الفقير الساكن وراء جدران الفاتيكان أن هذه الرسالة العامة الاجتماعية، تأتي من قبله بمثابة مساهمة متواضعة في التفكير من أجل أن نتمكن إزاء مختلف الطرق الحالية للقضاء على الآخرين أو لتجاهلهم، من أن نتفاعل من خلال حلم جديد من الأخوة والصداقة الاجتماعية.
لماذا يرى فرنسيس أنه كانت هناك حاجة ماسة إلى وثيقة كتلك التي زخمتها ودعمتها عقول الإماراتين لتصدر من قلب أبوظبي قبل عامين؟
البابا المفكر والمثقف، والذي ينتمي للرهبنة اليسوعية، إحدى أهم الرهبانيات الكاثوليكية التي تعمل العقل وتؤمن بالتفكير العلمي حول الكون، يرى أن التاريخ يثبت أن العالم يتراجع، وأن هناك صراعات عفا عليها الزمن واعتبرت منتهية، تشتعل من جديد، وقوميات مشحونة بالانغلاق والغضب والاستياء والعدوانية، تنهض من رمادها.

جرس إنذار
قرع فرنسيس جرس إنذار يجب أن يدوي في عالمنا المعاصر، لا سيما بعد أن باتت فكرة وحدة الشعب والأمة، محملة بأيديولوجيات متنوعة، تخلق في العديد من البلدان، أشكالاً جديدة من الأنانية وفقدان الحس الاجتماعي، تحت قناع الدفاع المزعوم عن المصالح الوطنية.
ما قامت به القيادة الإماراتية من تهيئة الأجواء للقاء السحاب بين بابا روما المدينة العظيمة، وشيخ الأزهر القادم من أرض الكنانة، يذكرنا بأنه على كل جيل أن يتبنى نضالات وإنجازات الأجيال الماضية، ويقودها إلى أهداف أسمى.. إنها المسيرة....، فالخير وكذلك الحب والعدالة والتضامن لا يمكن تحقيقهم مرة واحدة بصورة نهائية، بل يجب أن نحققها كل يوم، إذ لا يمكننا أن نكتفي بما تم تحقيقه في الماضي، فنكف الأيدي، ونستمتع به كما لو أن هذا الوضع يدفعنا لتجاهل حالات ظلم ما زال يعاني منها العديد من إخوتنا وتستحثنا جميعاً.
هل غيرت وثيقة «الأخوة الإنسانية» شيئاً في أفكار ومعتقدات عالمنا المعاصر خلال العامين المنصرمين، ولهذا بعد أن انطبع أثرها الجليل على العالم المعاصر، اعتبرتها الأمم المتحدة، دعوة لعالم أخلاقي وخريطة طريق لشعوب تسعى في الطريق فرحة تشد من أزر بعضها، في مشهد أقرب ما يكون لحلم المدينة اليوتوبية الطوباوي، من عند الفارابي وصولاً إلى دانتي الليجيري؟
يضع فرنسيس أصحاب النوايا الصالحة الذين رأوا في وثيقة الأخوة مانيفستو أخوياً جديداً يصون كرامة كل إنسان، أمام حقيقة تبني العالم الاقتصادي والمالي اليوم عبارة «الانفتاح على العالم»، مع أنها تشير حصرياً إلى الانفتاح على المصالح الخارجية، أو إلى هوية القوى الاقتصادية في الاستثمار، دون قيود أو تعقيدات في جميع البلدان، ويستخدم الاقتصاد العالمي الصراعات المحلية، وعدم الاهتمام بالخير العام من أجل فرض نموذج ثقافي واحد... هل من تناقض ظاهر في هذا المشهد؟
ذلك كذلك بالفعل، لأن هذه الثقافة توحد العالم، لكنها تفرق بين الناس والأمم، انطلاقاً من أن المجتمع المعولم باستمرار يجعلنا أكثر قرباً، لكنه لا يجعلنا أخوة.
من قلب الإمارات العربية المتحدة اكتشف الفهماء والحكماء الأبعاد الماورائية لعالمنا المعاصر، إذ نحن نعيش الوحدة أكثر من أي وقت مضى في هذا العالم الذي أصبح ككتلة واحدة، والذي يعطي الأولوية للمصالح الفردية، ويضعف البعد المجتمعي للوجود، بل تزداد الأسواق، حيث لا يقوم الناس إلا بدور المستهلك أو المتفرج.
هنا يضحى من الطبيعي لمثل تلك العولمة أن تعزز هوية الأقوياء الذين يحمون أنفسهم، لكنه يحاول «تسييل هويات أوهن المناطق وأفقرها، ما يجعلها أكثر ضعفاً وارتهاناً، وبهذه الطريقة تزداد السياسة ضعفاً إزاء القوى الاقتصادية العابرة للأوطان التي تطبق مبدأ «فرق تسد».... إنه ليس عالم الأخوة الإنسانية، بل ربما يضحى عالم الأخوة كرامازوف إن جاز التعبير.

رؤية مغايرة
وضعت الإمارات العالم أمام رؤية مغايرة لعولمة مجتمعات منفتحة تدمج الجميع، وهو ما أقدمت عليه بالفعل وقت الجائحة، ولا تزال تفعل مع كل كارثة تصيب الإنسانية شرقاً أو غرباً، وفي أي منطقة حول الكرة الأرضية.
هذا المفهوم الإماراتي هو ما يتوقف عنده البابا فرنسيس، والذي يقدم رؤية فلسفية لفكرة الأخوة الإنسانية، لا سيما وأن هناك ضواحي قريبة منا، في وسط المدينة، أو في أسرتنا نفسها، هناك أيضاً جانب لانفتاح المحبة الشاملة، ليس جغرافياً، إنما وجودي، وهو القدرة اليومية على توسيع دائرة الأخوة، من أجل الوصول إلى الذين لا أشعر بشكل تلقائي أنهم جزء من عالم اهتماماتي، حتى لو كانوا قريبين مني.
من ناحية أخرى، أن كل أخت أو أخ يعاني، أو متروك أو متجاهل من قبل مجتمعه، هو غريب على المستوى الوجودي، حتى لو كان ابن البلدة نفسه. قد يكون مواطناً ولديه جميع الوثائق الإثباتية، لكنهم يجعلونه يشعر بأنه غريب في أرضه... العنصرية هي الفيروس الذي يتحور ويتحول بسهولة، وبدلاً من أن يختفي يتنكر، لكنه في ترصده دائم.
هنا تظهر الأخوة كطرح حتمي وأصيل لإعادة اكتشاف فرح اللقاء مع الآخر، ما يفتح لنا الدروب المغلقة، ويجلي الصدأ عن القلوب عبر قيم الحرية والمساوة والأخاء.
طرحت الوثيقة التي رعتها الإمارات ولا تزال أسئلة وجودية على عالمنا المعاصر، لا سيما ما يخص القيم الثلاث الأخيرة، وهنا يتبدى من الرسالة البابوية أن الأخوة ليست مجرد نتيجة لشروط احترام الحريات الفردية، أو حتى لبعض حقوق الإنصاف المنظم، ورغم أنها عوامل تمكين، إلا أنها ليست كافية لأن تكون الأخوة نتيجة حتمية لها، فللأخوة شيء إيجابي تقدمه للحرية والمساواة.
يتساءل أسقف روما «ماذا يحدث دون أخوة ننميها بوعي، ودون إرادة سياسية للأخوة، تترجم بالتدريب على الأخوة، والحوار، وعلى قيم المعاملة بالمثل والإغناء المتبادل؟
أما الجواب فهو أن ما يحدث هم تقلص الحرية، فتحول إلى حالة انعزال، واستقلالية بحته، ينتمي فيها المرء إلى شخص ما أو شيء ما ليعيش لمجرد الامتلاك والاستمتاع، وهذا لا يظهر أبداً كل غنى الحرية التي تهدف قبل كل شيء إلى المحبة.
دعت وثيقة «الأخوة الإنسانية» العالم إلى أن يفتح أعينه على شيء جوهري وأساسي حتى نسير نحو الصداقة الاجتماعية والأخوة الشاملة، وهو قيمة الإنسان، قيمة الشخص، على الدوام وفي أي ظرف كان.  تعني الأخوة الإنسانية في يومها العالمي، أن لكل إنسان الحق في العيش بكرامة والتمتع بتطور كامل، ولا تستطيع أية دولة أن تنكر هذا الحق الأساسي. 
كل إنسان يملك هذا الحق حتى لو كان قليل الفعالية، حتى لو ولد أو نشأ وله محدوديته، لأن هذا لا ينتقص من كرامته العظيمة كإنسان، والتي لا تقوم على الظروف، بل على قيمة كيانه، عندما لا يحترم هذا المبدأ الأساسي لا يوجد مستقبل للأخوة، ولا لبقاء البشرية.
جاءت وثيقة «الأخوة الإنسانية» من أرض الإمارات صوتاً صارخاً في برية قفرة، وفي هذه الأوقات التي يبدو كل شيء فيها كأنه يضعف ويفقد اتساقه، وهنا ينصح خليفة بطرس كبير الحواريين بالقول «من الجيد لنا أن نستند على الصلابة، تلك التي تنبع من معرفتنا بمسؤوليتنا تجاه ضعف الآخرين، فنبحث عن مصير مشترك».

استنقاذ كوكب الأرض
ما فعلته الإمارات خلال عام الجائحة من تضامن مع العالم الخارجي، وليس فقط عبر من يقيمون على أراضيها، هو ترجمة لأحد أهم أفعال «الأخوّة الإنسانية»، ونعني به التضامن والذي يظهر بشكل ملموس في الخدمه، ويمكنه أن يتخذ أشكالاً مختلفة تماماً في تحمل مسؤولية الآخرين، فالخدمة تعني أولاً الاعتناء بالهشاشة، وتعني الاعتناء بمن هم ضعفاء من حولنا في مجتمعاتنا وشعوبنا.
في هذه المهمة يستطيع كل فرد أن يضع جانباً مخاوفه وتطلعاته ورغباته في السلطة إزاء نظرة الضعفاء الملموسة، فالخدمة تنظر دائماً إلى وجه الأخ، وتلمس جسده، وتشعر بقربه لدرجة التألم معه في بعض الأحيان، وتعمل على الرفع من شان الأخ، لذا فالخدمة ليست أبداً أيديولوجية، لأنها لا تخدم أفكاراً إنما أشخاصاً.
صيحة «الأخوّة الإنسانية» التي صدحت في شباط فبراير منذ عامين، إنما يمتد أثرها الفاعل إلى ما هو أبعد من مجرد الشخوص المجردة، إلى الكيانات والمؤسسات والدول، بل إن فرنسيس يرى أن استنقاذ كوكب الأرض من الكارثة الأيكولوجية المحدقة به، لا يمكن أن يتم إلا من خلال فكرة أخوي يتطلع لرعاية البيت المشترك الذي هو كوكبنا الأزرق هذا.
قصة الأخوة تمتد إلى الاهتمام بأمنا الأرض قبل أن تنفجر بمن عليها، والأخوّة هنا تعني الكثير لا سيما العدالة في توزيع الخيرات الأرضية، وإحداث التوازنات بين حاجات البشرية للحياة كأخوة، وبين الأرض التي قدمت على مدى ملايين السنين محبات وخيرات لأبنائها.
ما الذي يتبقى قوله قبل الانصراف؟
حكم العالم بعد وثيقة الأخوّة الإنسانية، لن يكون كما كان من قبله لقوم يعلمون، وبخاصة بعدما رسمت الإمارات خريطة عالم أخلاقي منفتح وأكثر إنسانية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©