الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: العمروسة والهوية السالبة

د. عبدالله الغذامي يكتب: العمروسة والهوية السالبة
1 مايو 2021 00:30

في قصة من قصص مجمع الأمثال للميداني وردت قصة الذئب الجائع حين جاء لعمروسة، وهي الشاة الصغيرة وفاتحها بالحوار متسائلاً: هل أنتِ التي شتمتيني من غير ذنب جنيته ولا خطأ ارتكبته..؟، فسألت العمروسة مستنكرة: متى كان ذلك، فرد عليها بأنه حدث في العام الفائت، فردت وهي مرعوبة مؤكدة له أن ولادتها هذا العام وليس العام الفائت، وأنها تعرف أنه يخطط للغدر بها وتوسل بدعوى الشتيمة، وأنهت حديثها بقولها: دونك كلني لا هنا لك مأكل.
وكنت كذئب السوء إذ قال مرة/ لعمروسة والذئب غرثان مرمل
أأنت التي في غير ذنب شتمتني/ فقالت: متى ذا؟ قال: ذا عام أول
فقالت: ولدت العام، بل رمت غدرة/فدونك كلني لاهنا لك مأكل
هذه قصة رمزية جاءت لثبت نوعية تفكير القوي في مواجهة الضعيف حيث يبتكر القوي المتسلط كذبة يبني عليها خطته للاستحواذ على الضعيف، وهذه ترسم أنظمة الهيمنة على مدى التاريخ البشري، وتتجلى في عصرنا هذا مثل كذبة أسلحة الدمار الشامل، وهي الكذبة التي شهد عليها العالم، كما شهد غزو أميركا للعراق في صيغة تشبه صيغة الذئب مع العمروسة، وإن كانت حادثة كذبة الدمار الشامل مثالاً صارخاً، فإن هذا النوع من الحيل يفسر ذهنية التسلط حين تجتمع القوة والحيلة لتحقق الأطماع الوقتية للبشر في علاقات القوي القادر مع الضعيف العاجز وينتفي العقل هنا كما تنتفي العدالة، فالقوي هو من يحدد المعاني ويحدد مفهوم العدالة، واللافت هنا هو استسلام العمروسة، وذلك يعود للقانون الذهني للضعف، ومن التسليم بالحقيقة، فالعمروسة بين خيارين، إما أن تعيش مطاردة بالخوف من ذئب متربص ومحتال، وإما أن تستسلم لتنهي مخاوفها بالتي كانت هي الداء، لذا سلمت لأمر مصيرها المرتسم أمامها وقالت فدونك كلني لا هنا لك مأكل، وهذا نسق ثقافي ملحوظ عند حال كل ضعيف لا يجد حلاً إلا التسليم بشروط المتسلط وتقبل هيمنته تماماً، كما حدث للعمروسة، وهذا نوع للهوية السالبة التي تنتهي بتقبل الدونية والرضا بها وكأن ذلك قرار طوعي منها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©