الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الفلاسفة والقهوة

الفلاسفة والقهوة
27 مايو 2021 01:48

عبد السلام بنعبد العالي

لماذا نحبّ احتساء القهوة؟ هل نرتبط بالقهوة بفعل الإدمان، أم أن الأمر ينطوي بالأحرى على فلسفة بعينها؟ هذه إجابات أربعة فلاسفة:

مونتيسكيو (1689-1755): تفتح الأذهان
شاهداً على الذيوع الواسع في عصره لهذا المشروب في أوروبا، يلاحظ مونتيسكيو كيف كانت القهوة تأخذ بالألباب. فبعد الرشفات الأولى، تتخذ الأفكار مكانها، كما لو أن أبخرة القهوة تنتزعنا من غفوتنا، وعند الرشفات الأخيرة، نستعيد كامل الثقة في أنفسنا. إذا كانت القهوة تغذي الإلهام، وتثير النشوة، فإن ذلك يعود، من بين ما يعود إليه، إلى جوّ هذه الأماكن الجديدة من التواصل الاجتماعي التي تُقدَّم فيها. كتب مونتيسكيو في «الرسائل الفارسية»: «فيها يتم تقديم القهوة بحيث تفتح عقول من يتناولونها». و«جميع الذين يغادرون تلك الأماكن، لا يكون من بينهم من لا يعتقد أن فعاليته الذهنية قد تضاعفت مرات ومرات عما كانت عليه عند الارتياد».

سورين كييركغارد (1813-1855): عادة مريحة
هناك عادات تفسد الذهن، وأخرى تكون بمثابة مرجعيات ضرورية للعيش. على هذا النحو يحدّد كييركغارد في كتابه «التكرار» ما يسميه «التكرارات من النوع السيئ»، إنها تلك التي «تجعل الفكر عقيماً». بيد أن القهوة هي بالأحرى من الطقوس المفيدة على نحو مكتمل. فإذا ما «رشفناها خالصة ساخنة وقوية»، تكون من الملذات التي نتمكن من ضبطها، والتي تنال كامل رضانا. كتب كييركغارد معتبراً أن «القهوة تقف جنباً إلى جنب ما يقارنها به الشعراء، وأعني الصداقة»، و«مهما حصل، فأنا أعزّ القهوة». إن هذا الشراب المرّ، والرفيق المخلص، يصاحبنا كل صباح من وجودنا.

جان بول سارتر (1905-1980): ترعى روحنا الاجتماعية
في المقهى نضرب المواعيد، ونجلس إلى الطاولات لملء كرّاساتنا.. المقهى، كفضاء، هو مسرح بشري حيث يجسد كل منا شخصية. من هذه الشخوص نادل المقهى. بين حركاته الآلية ووضعه الملعوب بإتقان وحرص شديدين، «كل تصرفاته تظهر لنا لعبة». وعند سارتر كما نعلم، كل من «يلعب» على هذا النحو بوضعه ليحققه «يجسد سوء الطوية: فهو يتقمص دوراً كي لا يواجه حريته»! لكنه يردّنا، على هذا النحو، إلى لعبتنا نحن: فعندما نرفع الفنجان نحو شفاهنا، ممثلين التركيز الشّديد، أو عدم الاهتمام، أو الروح الاجتماعية المتحمّسة، ألسنا نتقمص نحن كذلك دوراً من الأدوار؟

إيميل سيوران (1911-1995): «سمٌّ» وترياق!
إنها لذة مضرّة، تلك هي القهوة. فهي في الوقت ذاته سمّ وترياق -إنها «فارماكون» كما تسميه اللغة اليونانية. وفضلاً عن ذلك، فهي الجرعة الطفيفة من التسمّم التي يحتاجها جسمنا وعقلنا لكي يعملا على أحسن نحو. كتب إيميل سيوران: «لا يمكنني أن أكتب من غير منبّهات، غير أن المنبّهات محظورة عليّ. والقهوة هي سرّ كلّ المنبهات». استهلاكها ممنوع عنه لأسباب صحية، وهو يروي في دفاتره الشخصية ارتباكه: «إنني محروم من كل ما أملك: محروم من السمّ، السمّ الذي كان يدفعني نحو العمل»! القهوة سمّ عذب نجرعه عن وعي وبلذة خبيثة! ألا يجعل هذا التجاوز الطفيف من القهوة أمراً أفضل؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©