الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المسرح.. وتحديات «الجائحة»

المسرح.. وتحديات «الجائحة»
10 يونيو 2021 02:13

محمد عبدالسميع

قبل أزمة «كورونا»، كانت قضايا التمويل والدعم وندرة النصوص الجيّدة، أهمّ تحديات المسرح العربي، واليوم ألقت «الجائحة» بظلالها على ما يعانيه المسرح «أبو الفنون» من تحديات جمة وسط عروض متناثرة وفي أوقات متباعدة، في حين أنّ له في الثقافة ماضياً عريقاً لم تستطع كلّ وسائل الحداثة أن تلغيه من وجدان الشعوب العربيّة، ولا أن تحدّ من حضوره الأثير لديها، فهو المعبّر عن آمالها وواقعها وطموحاتها وتحدياتها وتفاعلها مع حركة الثقافة والتاريخ.. وفي هذه الآراء من بعض مبدعي هذا الفن دعوة للاهتمام به، وبحث في الحلول والآفاق الكفيلة بإعادة الوهج الذي كان يحمل الدنيا بأسرها إلى هذا الفن العظيم في فتراته الذهبيّة الزاهرة.

ثورة الذكاء الاصطناعي
وباعتبار المسرح العربي جزءاً لا يتجزأ من المسرح العالمي، رأى ياسر القرقاوي رئيس مجلس إدارة مسرح دبي، أنّ المعاناة واحدة في كلتا الحالتين؛ ولذلك فالتحديات الجديدة تتلخّص في تطوير العروض، موضحاً أنّ العاملين في صناعة العرض السينمائي أو التلفزيوني مثلاً طوّروا أنفسهم بشكلٍ كبير وغير مسبوق، في حين لم يواكب المسرح الثورة التقنيّة فيما يعرف اليوم بـ«الذكاء الاصطناعي»، منوّهاً بأنّ ذلك لا يعني استبدال العنصر البشري بالآلي، بل يعني في المقام الأول استخدام التقنيات ذات الذكاء الاصطناعي والتفاعلي اللحظي مع الجمهور، وهو أمرٌ حيويٌّ ومُهم للعاملين في مجال العروض المسرحيّة.
وحول معضلات التمويل ومشاكله أو ندرة النصوص أو عدم توفّر الأكاديميات المعتمدة في مجال المسرح، قال إنّها مشاكل تقليدية عفا عليها الزمن، ولم تعد هي مشكلات اللحظة في ظلّ معطيات جديدة للمسرح اختلفت عمّا كان عليه الحال في السابق.
ومن جانبه، أكّد الكاتب والمسرحي غنام غنام الحاجة الدائمة للمسرح، فكلما ازدادت الظروف صعوبةً ازدادت أهميّة الفعل المسرحي في مواجهتها، فهو في مقدّمة القوى الحيّة التي تتصدّى للكوارث والجوائح وكلّ التحديات الخاصة، كما أنّ الفعل المسرحي ليس أيضاً مقصوراً فقط على المسرحيين، بل هو مهمٌّ للمجتمع كله، بشكلٍ شامل.

ظلال «كورونا»
من جهته، أكّد الفنان الكويتي جاسم النبهان الضرر الكبير الذي أحدثته أزمة «كورونا» على هذا القطاع، متمنياً أن يعود المسرح العربي إلى سابق عهده، مقترحاً تجاوز الجائحة بتقديم العروض وفقاً لقاعدة التباعد الجسدي. غير أنّه لم يُخفِ أيضاً قلقه مما وصلت إليه الحركة المسرحيّة من اختناق كبير كان بعضه موجوداً أصلاً قبل الجائحة، وله وجوهٌ عديدة، أمّا اليوم فقد وصل ذلك إلى حالة صعبة تتطلّب مهرجاناً مسرحياً عربياً وملتقيات مصاحبة تقرأ واقعه وتستفيد من خبراته وتضع خططاً مناسبة للنهوض به، كما كان عليه الحال في فتراته الذهبيّة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وبذلك تعود الحياة والنبض لخشبات المسرح من جديد.

النصوص الجيّدة
وقال الفنان بلال عبدالله رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الأهلي، إنّ لجائحة «كورونا» تأثيراً واضحاً على قطاع المسرح، وفي رأيه فإنّ التحدي الحقيقي هو في قلّة النصوص الجيّدة في المسرح العربي، داعياً إلى تطويره بإدخال تقنيات حديثة، في ظلّ الحاجة الكبيرة إلى الجمهور مرّةً أخرى، فمن واجبنا كفنانين أن نسعى دائماً إلى فتح آفاق جديدة لدعم الحركة الفنيّة، وتحديداً المسرح.

تحديات قديمة
أما المسرحي السعودي د. جميل القحطاني، فقد انطلق من أنّ المسرح العربي واجه الكثير من التحديات أصلاً قبل أزمة «كورونا»، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تداعيات بعض الحروب التي عرفتها مناطق عربيّة وأثّرت تأثيراً كبيراً على حركة المسرح والفن العربي بوجه عام، لتأتي تداعيات جائحة «كورونا»، تالياً، لتكون ذروة التأثير السلبي على باقي المسارح العربيّة.
وأكّد القحطاني أيضاً ما يحتاج إليه المسرح العربي في الأساس من دعم مالي، ودعاية جيّدة ونصوص قويّة تجذب الجماهير وتجعل المسرح جزءاً من ثقافتهم اليوميّة.

عودة الجمهور
في المقابل، ينظر المخرج الإماراتي إبراهيم سالم، لجائحة «كورونا» على أنّها فرصة يمكن الاستفادة منها في تطوير المسرح العربي ليعود كما كان قبل «الجائحة»، فالمطلوب فقط هو ترتيب الأوراق من جديد، بمسرحيات وأعمال جماهيريّة قويّة تحفز الجمهور وتجذبه للمتابعة، في ظلّ ما يعانيه من قلّة النصوص المسرحيّة المكتوبة بحرفيّة.
وفي رأيه، أنّ المسرح لن تلغيه منصات التكنولوجيا الحديثة، التي أثبتت أساساً عدم نجاحها في التأثير عليه أو تقليصه، موضّحاً أنّ عمر المسرح يزيد على 2500 عام، وقد تعرّض في فترات سابقة لتأثير ومنافسة مكتشفات حديثة مثل الراديو والتلفزيون والسينما، فلم تستطع، في النهاية، أن تلغي دوره وحضوره في قلوب المتابعين وأذواقهم، وذلك باختصار لأنّه بقي ثابتاً كفن أصيل في التواصل الإنسانيّ الحي، الذي لا يمكن أن يستغني عنه الإنسان، فالمسرح ليس من ضمن العناصر التي تزول باكتشافات جديدة، وهذا ما يجعلنا نطمئن إلى أنّ ما نحتاجه فقط هو العمل على عودة الجمهور من جديد إلى قاعاته والتفاعل معه وإعادة اكتشاف مباهجه والوعي بأهميّته الراسخة عبر العصور.

إبداعات الشباب
وعن قطاع الفنانين الشباب، قالت الفنانة عهود الجسمي إنّها والفنانين الشباب يتمنّون عودة المسارح وحركة الإبداع من جديد، فهو بالنسبة لهم مثل الماء والهواء، ومن المؤسف أن يختفي فنان المسرح عن عائلته المسرحيّة، مهيبةً بالإعلام والهيئات الحكوميّة المسؤولة عن الفن أن يساندوا جميعاً قطاع المسرح الشبابي بعودة العروض المسرحيّة وإتاحة الفرصة لهم للإبداع، وذلك لخصوصيّة مبدع المسرح الذي يختلف بالتأكيد عن فنان الدراما أو السينما في جوانب عديدة.
وقالت الجسمي، إنّ خشبة المسرح هي المحكّ الحقيقي لإبداعات الفنان في تعامله المباشر مع الجمهور والتأثير فيه، مؤكّدةً أنّ رسالة المسرح تمثل طموحاً كبيراً للفنانين الشباب لكي يستمروا في إيصالها مرّةً أخرى، وأن يكونوا سبباً في عودة الجماهير للمسارح ليظلّ «أبو الفنون» محتفظاً بمكانته الأصيلة التي استمرّت طيلة مشواره القديم والمتجدد باستمرار. وعن إمكانيّة أن تسحب وسائل التكنولوجيا البساط من المسرح أو المسرحيين، نفت الفنانة عهود الجسمي ذلك بشدّة، مبيّنةً أنّ عشق الشباب الدائم للمسرح واستعدادهم للإبداع فيه والحفاظ عليه كموروث جميل، يحمل نبض الناس ويعبّر عن آمالهم وهمومهم وقضاياهم، وهو سببٌ كامن وضامنٌ لبقاء جذوته متوهجةً في النفوس، حاضراً في المشهد حضور الواثق الأصيل.

الإعلام الثقافي
وأكّد الفنان علي نبيل أنّه يطمح كشاب في أن يكون الإعلام الثقافي داعماً قويّاً للمسرح والمسرحيين، في ظلّ عدم الاهتمام الكافي به إعلاميّاً، وهو ما جعل بعض المواهب الإبداعيّة الشبابيّة تصاب بالإحباط في السنوات الأخيرة، إذا ما قارنّا ذلك بالاهتمام الكبير الذي يوليه الإعلام الثقافي لقطاعي السينما والدراما، كلّ هذا وشباب المسرح يعملون باستمرار من منطلق حبّهم للمسرح أمام محدودية دعم الإعلام الذي يتعيّن أن يسلّط الضوء على الطموحات والواقع في هذا الفن الرفيع.
وقال إنّ أزمة «كورونا» وضعتنا، كفنانين، أمام حالة صعبة من عدم الاهتمام الإعلامي بفناني المسرح وآمالهم وما يعانونه، فقد أغلقت المسارح ولم يجد الشباب سوى عدد محدود من الوسائل الإعلاميّة التي تهتم بالمسرح، أو تطالب بعودته، قياساً إلى قطاعات الفنون الأخرى ذات الحضور الإعلامي، فالحاجة ملحّة إلى عودة المسرح والنصوص القويّة التي تعبّر عن نبض الشارع ووجدان الناس وتجعل لنا حضوراً قويّاً كمسرحيين في قلوب الجماهير.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©