الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

3 إضاءات حول دوره وحضوره الأدبي.. المشهد النقدي في الإمارات

3 إضاءات حول دوره وحضوره الأدبي.. المشهد النقدي في الإمارات
8 يوليو 2021 01:00

سعد عبد الراضي

يعد النقد الأدبي حجر الزاوية وميزان المنجز الإبداعي الذي من خلاله يرى المتلقون زيناته أو تشوهاته، ويستطيع المتلقون التأكد من صدق الزينة أو زيف التشوه، وفي موازين النقد لا يعود في المشهد ما يخفى على أحد، إذ أن تعدد وتنوع القراءات والمقاربات يجعل بعيد الغور قريباً والمتواري جلياً، ولهذا كله فإن أهمية النقد الأدبي لا تقل عن أهمية النص الإبداعي نفسه، فكلما كان النقد حقيقياً وموضوعياً ومؤثراً، كان التأريخ للمشهد الأدبي دقيقاً ومعبّراً عن مكامن الضعف والقوة فيه.
 «الاتحاد» تقرأ هنا الصورة المعبرة عن مشهد النقد الأدبي في الإمارات، مقربة زاوية الرؤية بعدسة النقاد أنفسهم، وليس أفضل أو أجمل من وضع الصورة الملتقطة للمنجز الإبداعي تحت دائرة الضوء من طرف ناقدات أكاديميات، عايشن أحواله، ويعرفنه بعمق بحكم انغماسهن في بيئته، لتتجلى الصورة، في ثلاث قراءات ومقاربات نقدية موضوعية، ترصد المشهد من زوايا نظر متعددة.

 

النقد الأكاديمي.. والنقد الانطباعي
الناقدة والكاتبة الدكتورة عبير جمعة الحوسني أكدت في البداية أن الأنشطة الثقافية كالمؤتمرات والندوات

المختلفة، وتعظم المشترك، وتخلق نهضة ثقافية وأدبية لا تخرج للوجود، وتُرى وتلمس، دون نقد أدبي جاد وصريح، فالنقد كما نعلم يبني ويثمّن العمل الإبداعي الجيّد، فإذا غُيّب واختفى سيكتب الجميع دون رقيب نقدي ما يشاؤون، وبذلك ستتساوى الأعمال القوية مع الضعيفة ويتساوى الغث والسمين، وتبقى الأقلام الضعيفة مستمرة تكتب على وتيرة ومستوى واحد دون تطوير أو تغيير.
وأضافت أن الساحة النقدية في الإمارات تشهد نوعاً من التغيب أو التغييب في بعض حالاتها، وأن هناك مشكلاً متعلقاً بالدراسات الأكاديمية كممارسة نقدية، وضيق المساحة التي تحضر فيها، فهي لا تظهر إلا إذا تسنى لها ذلك في المجلات الأكاديمية المحكّمة والدوريات الأدبية والثقافية الرصينة، وهي اليوم، إن صح التعبير، في حالة انضواء وتراجع، وهذا سيخلق لنا معضلة أخرى هي أن هذه الجهود الأكاديمية ستظل حبيسة الحقل الأكاديمي.
وأكدت الحوسني أنه يوجد نقد أكاديمي مغيّب عن الساحة ونقد انطباعي بارز في بعض المواضع، فالنقد الأكاديمي الرصين المحكم مغيّب عن الصّحافة، والمشهد النقدي الإماراتي بحاجة إلى تكاثف جهود وحلقات تواصل بين الباحثين والمؤسسات الأكاديمية والصحافة، فالناقد والباحث الأكاديمي يعد البحث النقدي بجهد فكري، وعلى الصحافة أن تنزل ميدانياً إلى الساحة وتتعامل مع تلك الأبحاث بالتعريف والنشر عنها وبمصداقية.
وفيما يتعلق بالنقد الانطباعي، تقول: نجد بعض المثقفين يقومون بنقد العمل الإبداعي مظهرين كل ما هو إيجابي، ولكنهم في المقابل يبتعدون ويحجمون عن تشريح الأعمال ونقدها، وللعلم فنقد الأعمال الإبداعية يرفع من قيمتها ولا يسيء إلى العمل كما قد يعتقد البعض، فوجود النقد ضرورة، لأنه بمثابة المقياس والمعيار.
وأضافت: في عالمنا العربي، من الصعب علينا حل أزمة النقد وغيابه بمعزل عن الثقافة العربية نفسها والوضع العام له، فالنقد مرتبط بقضايا الفكر وآفاق التعبير، ونحن في العالم العربي أمام تحدٍّ كبير متمثل في تراجع المعرفة وتراجع النقد الأدبي، وقد يكون غياب النقد عن الساحة العربية مرده قلة المدارس النقدية نفسها في عالمنا العربي.
كما أشارت الدكتورة الحوسني إلى أن هناك نفوراً وعزوفاً بين جمهور المثقفين وغير المثقفين تجاه النقد، بشكل عام، وقد يعود السبب في ذلك إلى الصعوبات التي تواجههم لاستيعاب طرح أصحاب الفكر النقدي وطريقة معالجتهم للمسائل النقدية. 
وعلى المؤسسات الثقافية والعلمية التي تحتضن التفكير الناقد وتشجع على إعمال المَلكة الفكرية النقدية، وقد نتساءل: كيف يمكن لهذه المؤسسات أن تدعم النقاد وتحفز التفكير الناقد؟ يمكنها ذلك من خلال العناية بالكتابات النقدية والإعلان عن النتاجات والأقلام الفكرية، ومكافأة الناقد على مجهوداته الفكرية، وهذا أقل ما يمكن فعله لتعزيز ثقته بمُنجزه وذاته.

فاعلية النقد.. في صدارة المشهد
الناقدة والكاتبة الدكتورة فاطمة المعمري، ترى أن المشهد النقدي في الإمارات ليس مشهداً محدود الدور والحضور كما قد يدعي البعض، بل هو في الحقيقة مشهد له امتداد طويل بدأ مع بعض النقاد المقيمين في الدولة الذين قدموا إضاءات ودراسات نقدية في بدايات المشهد الأدبي، ثم نجد اليوم عدداً من الجامعات والأكاديميات التي تدرس النقد وتخرج نقاداً أكاديميين مثل جامعة الوصل التي تمنح الشهادات العليا في الأدب والنقد. وتبذل المؤسسات الحكومية جهوداً كبيرة في مجال النقد، واليوم لدينا عدد كبير من الأكاديميين الباحثين والنقاد، إضافة إلى رواد المشهد الأدبي الذين يملكون سنوات ممتدة من الخبرة تؤهلهم لنقد الصورة الأدبية على أقل تقدير، وعلينا كأفراد ومثقفين أن نعطي الجهود التي يقوم بها الأدباء والمسؤولون حقها، فالمحاولات موجودة والدولة مضت مسرعة في مجالات عديدة منها الإنجازات الثقافية الباهرة، وفي الصدارة من ذلك الأدب والنقد بطبيعة الحال، ولكن لا يعني هذا أيضاً عدم وجود بعض التحديات التي يتعين علينا كمثقفين أن نتكاتف مع المؤسسات الثقافية لحلها.
وأضافت الدكتورة المعمري أن الإشكالية التي تواجهنا اليوم في المشهد النقدي هي إشكالية السرعة في اتساع وتضخم المنتج الأدبي، مما يعني أن الأدوار الفردية للنقاد لم تعد تستطيع أن تغطي كل هذا الكم والزخم الأدبي، إضافة إلى اتساع البرامج النقدية المتفرقة دون مظلة استراتيجية نقدية محددة للمشهد الأدبي في الدولة، كما أن اتساع ساحة المشاركات وإتاحة الصوت النقدي لكافة الأفراد، من الخبراء وغير الخبراء، جعل العملية النقدية أحياناً عملية سطحية، وقد تخلق صوتاً متذبذباً وصدى متردداً بين الكتاب أنفسهم.
كما أكدت المعمري أن الحديث عن حركة نقدية فعالة ومؤثرة يتجاوز محض المحاولات الفردية المتفرقة الموجودة في الساحة الثقافية اليوم إلى المظهر الذي يأخذ فيه النقد شكل الظاهرة الممنهجة والمتكاملة التي تستدعي زخماً في الحضور، وفاعلية في المشهد، وصدى لدى المتلقين، وهذا ما يستدعي وضع استراتيجية وطنية للنقد بدءاً من تنظيم عمل النقاد، إلى وضع معايير للمشهد النقدي نفسه وأجندة مرتبطة بتطوير المنتج الأدبي عن طريق النقد، ومن ثم يتم تعميم هذه الاستراتيجية. ومن شأن هذه الاستراتيجية زيادة الوعي بأهمية النقد وتقبله لدى الشباب والرواد ممن يصرحون بأهميته، ولكن لا يتقبلونه حقيقة أبداً، وهذا التناقض أحد أهم أسباب تراجع الحركة النقدية. كما أعتقد أن تأسيس هذه الحركة المتطورة لن يقوم على أيادي نقاد يمارسون النقد كهواية أو كرغبة بعيداً عن عملهم الحقيقي، ولذا نحتاج في مرحلة التأسيس إلى وظيفة ناقد في المؤسسات الثقافية يتقاضى أجره نظير ما يقدمه من خدمة نقدية، ويحاسب على التقصير فيها إن حدث، إلى أن تسود ثقافة النقد، وتقبل النقد، وبعدها تأتي الخطوة الثانية من خطى إرساء دعائم الحركة النقدية في الدولة.

النقد الموضوعي.. والتحفيز الإبداعي
الناقدة والأكاديمية الدكتورة بديعة الهاشمي، أكدت أن النقد الأدبي الأكاديمي يشهد اليوم في الإمارات نشاطاً واهتماماً بالغين، وهو ما يبشّر بحضور نقد أكاديمي واعٍ، وأقلام ناقدة جادة، وذلك من خلال النشاط الذي يقدّم في الأقسام العلمية في جامعات الدولة المعنيّة بتدريس الأدب والنقد، وتحديداً تلك الأبحاث التطبيقيّة التي تتناول الأدب العربي والإماراتي بالدراسة والتحليل. وقد شهدت الساحة النقدية والأدبية في السنوات القليلة الماضية نشاطاً في إصدار الكتب والدراسات النقدية التي كانت في أصلها أبحاثاً لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه، مما رفد الساحة التأليفية بكتب وعناوين ممتازة ومتفردة في موضوعاتها. ولم تقتصر تلك الدراسات على تناول جنس أدبي بعينه، فقد تنوعت مجالاتها ما بين الشعر، والرواية، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، والمسرح وأدب الطفل. وهي دراسات وأبحاث أصيلة في مجالاتها، وتؤسس للجانب المعرفي في تخصصاتها.
وأكدت أن هذا النوع من النقد الأدبي هو ما تحتاج إليه الساحة النقدية في الإمارات. النقد الذي يتجه إلى العمل الأدبي على اختلاف أنواعه وأجناسه، ليدرسه ويحلله، ويقيّمه ويقوّمه، ويبدي الملاحظات بشأنه وفق مناهج وأسس علميّة تنطلق من النص ذاته ولا تفرض عليه من الخارج. فالنقد الحقيقي إحياء للنص الأدبي، وهو فعل نابع عن اهتمام ومسايرة للمنتج الأدبي.
كما لفتت إلى أنه لا يخفى على الجميع ظاهرة الإنتاج الأدبي المتسارعة في السنوات الأخيرة، في ظل التسهيلات المقدمة لدعم الكتّاب الجدد في النشر والطباعة. وهذا الأمر له إيجابياته وسلبياته في الآن نفسه. ولا شك أن متابعة كل ما يصدر وينتج في الساحة الأدبية أمر يشكل تحدياً للنقد الأدبي، الذي يتطلب المنهجيّة، والجدية والمتابعة المنظمة والتوثيق والتأصيل. والنقد الموضوعي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحضور الإبداعي المتميز، فمتى ما حضر المحرّض والمحفّز الإبداعي كان النقد حاضراً ومؤثراً، لا غائباً متّهماً بالقصور والتراجع. فالمنتح الأدبي الجيد سيفرض نفسه لقراءته والالتفات إليه نقديّاً.
وأكدت أن من الأسئلة التي تطرح دائماً: لماذا يبقى هذا الإنتاج النقدي بعيداً عن المبدعين والساحة الثقافية؟ أين هي الحلقة المفقودة؟ وأين يكمن الخلل؟ ولماذا قد يتوقف بعض الباحثين عن الاستمرار في التأليف النقدي وينصرفون عن متابعة الإنتاج الأدبي بعد الانتهاء من الدراسة الأكاديمية؟
وتابعت الهاشمي حديثها قائلة: إن ما يحتاجه النقاد الإماراتيون هو تشجيع يضاهي التشجيع المتميّز الذي يقدّم للكتّاب الإماراتيين اليوم، من التعريف بهم وبإنتاجهم النقدي ونشره وطباعته، ودعوتهم للكتابة، والحضور الفعّال في الأنشطة والفعاليات الثقافية المرافقة لمعارض الكتب، والندوات والملتقيات الأدبية المحلية والعربية والعالميّة التي تشارك فيها المؤسسات الثقافية في الدولة. فالأدب والنقد متلازمان مترافقان، وحضور ونشاط أحدهما يعني بالضرورة حضور الآخر والاهتمام به.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©