السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: في وصف الردي

عبدالله الغذامي
6 نوفمبر 2021 00:42

قصة الردي هذه حدثت بسبب باحث بريطاني جاء ليتمم بحثه، وهو طالب دكتوراه وموضوعه عن عادات القبائل في شمال الجزيرة العربية، وتوجه لإحدى قبائل الشمال، حيث أمضى عندهم زمناً رخياً، حظي بضيافة كريمة وإيثار واهتمام مكثّف بوصفه ضيف القبيلة، وكان مجلسه دوماً في صدر المكان بجانب شيخ القبيلة وأمضى معهم زمناً امتد لأشهر، كما أنه عاود الزيارة مرات عديدة محظياً بالمعاملة نفسها في كل مرة يحضر لجمع معلوماته ورصد سلوكيات حياة القبيلة،  وحين اكتفى من مراده البحثي ترك رقم هاتفه بلندن عند شيخ القبيلة، وحدث أن زار شيخ القبيلة لندن وأحس الشيخ أن من واجبه أن  يسلّم على الشاب المستشرق عبر الهاتف، فرد الشاب البريطاني مرحباً، وسأل عن أخبار القبيلة وأحوالهم بكلمات لطيفة وأنيسة، ثم ختم المحادثة بأن تمنى للشيخ وصحبه إقامةً سعيدةً في لندن، وهذه نهاية الأمر، وحين عاد الشيخ من لندن سأله ناس القبيلة عن جون، فرد الشيخ ببرود: لا تسألوا عن جون إنه رجّالٌ رديُّ.
وكلمة (رِدي)، بكسر الراء، هي نقيض كلمة (والنعم)، والمفردتان هما مفردات معجم التقييم في القبيلة، ومن قيل عنه (والنعم به)، فهذه تعني أنه نبيل ورفيع القيمة والمسلك في حين (الرِّدي)، سيكون نقيض ذلك كله، هنا نجد اختلاف المسلك الثقافي، فلقد كان جون لطيفاً في رده على هاتف الشيخ، وتمنى له الإقامة السعيدة في لندن، وهذه كافية في حدود نظم العلاقات في مجتمع بريطاني يعامل الشاب فيه أمه وأباه بنفس الدرجة من المعاملة، ولا تتوقع منه ثقافته العامة أكثر من ذلك، وقد تعامل جون مع الشيخ حسب معاني الحياة البريطانية، بينما الشيخ تهمه قيم المروءة وحقوق المعرفة وتقدير الكبير واحترام ماضي العلاقات والمقامات، في حين لا يرى جون ذلك، ولا يعرف هذه الأمور، ولم يتدرب عليها، ويرى أن ضيافة القبيلة له هي ثقافة عربية بدوية لا تستقيم معاني القبيلة إلا بها، أما هو فقيمه الثقافية، فلا تتضمن الضيافة والتكريم والتوجيب، ومصطلح التوجيب يعني القيام بالواجب، بمعنى أن تعامل الآخر كما عاملك، أو كما تحب أن يعاملك، ولكن هذه ليست في معجم جون، ولذا جاء تصنيفه بالردي، والبدوي حين يصف شخصاً ما بالردي، فهذا يعني أنه جاء على عكس المتوقع منه، كما يعني تجريده من صفات المراجل، مثل الفزعة والقيام بالواجب الذي هو نظام العلاقات المتضمن التقدير المتبادل حسب مقامات الأطراف وماضي العشرة، وتكريم من يستحق التكريم مع بشاشة الوجه والمجلس والوفاء لمن خصك بعمل طيب أو عشرة كريمة، أما جون، فالعشرة عنده تنتهي بنهاية الظرف الذي كان، ولا يلزم أن تمتد لما بعد ذلك إلا خياراً، ولكن ليست قيمة أخلاقية يلتزم بها الشخص ويشعر بالتقصير لو تهاون فيها، ويكفي عنده أن  يقول كلمات ترحيبية مع تمنياته وكفى، وهذه بالتالي هي طبيعة (الردي)، الذي أقام في القبيلة إقامةً كريمةً ولأشهر متعاقبةٍ، حيث جمع مادته العلمية في جو من حسن الضيافة وتسهيل مهمته البحثية، وتم ذلك بأريحيةٍ هي طبع ثقافي في القبيلة، وفي الغالب لا بدّ أنه كان يعيش دهشةً تشبه الخيال. غير أنها عنده لم تتجاوز الدهشة، وهذا ما سبب صدمة شيخ القبيلة بهذا الذي لا يعرف آداب الكرام.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©