الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مثقفون: الإمارات منارة فكرية عربياً وعالمياً

مثقفون: الإمارات منارة فكرية عربياً وعالمياً
2 ديسمبر 2021 01:09

محمد عبد السميع (الشارقة) محمود إسماعيل بدر (عمّان) إيهاب الملاح (القاهرة) ساسي جبيل (تونس)  عبدالوهاب العريض (الظهران) 

يصادف اليوم الخميس الموافق 2 ديسمبر، عيد الاتحاد الخمسين، لدولة الإمارات العربية المتحدة، ليشهد الوطن احتفالات استثنائية تبرز ما وصلت إليه الإمارات من نهضة وازدهار ورخاء في المجالات كافة، ومنها الدور الثقافي التنويري الذي يظهر جلياً، سواء في محيطها الإقليمي الخليجي أو على مستوى انتمائها العربي أو من خلال تحليقها في سماء العالمية، فمنذ نشأتها، والإمارات بؤرة إشعاع ثقافي وحضاري بوعي نخبتها الحاكمة وبالمؤسسات الشاهقة التي أسستها، والرعاية العظيمة التي أولتها للفنون والآداب والعلوم والرياضة والثقافة، وكل مناحي النشاط الإنساني، وإنتاجه الفكري والإبداعي والمادي على السواء، الأمر الذي جعل بصمة الإمارات على الساحة الثقافية تتخطى الحدود، وتقفز عبر نوافذ عالمية لتحرض العقل على الإبداع والمعرفة، في أرجاء المعمورة كافة.
وكل من يمعن النظر في مسيرة اتحاد الإمارات العريقة، يختزلها في تاريخ عظيم أوجده زايد الخير، رجل التنمية وبناء الإنسان، والتخطيط والتطوير، واستشراف المستقبل، بما يضمن توفير حياة عادلة مستقرة لكل من يعيش على أرض الإمارات من دون استثناء، كي يتناغم المواطن والمقيم مع تحولات العصر وتطوراته.
حول دور الإمارات التنويري عربياً، يقول الدكتور عبدالعزيز المسلّم رئيس معهد الشارقة للتراث: الحديث عن دور الإمارات في التنوير على الصعيد العربيّ حديثٌ يطول ويتشعّب في محاور كثيرة، غير أنني يمكن أن أشير إلى نقاط عدّة مهمّة، في طليعتها المستوى المؤثّر الذي وصلت إليه في عالم المعرفة وريادة الحقول الثقافيّة، واحترامها لكينونة الإنسان وتشجيعه وفتح آفاقه على المزيد من المثاقفة وحفز الذّات، إن كان ذلك في عالم المواكبة والجوائز وحفظ التراث بطريقة عصريّة وملاحقة ما يستجدّ من علوم ومعارف وبلوغ نسب عالية في هذا المجال. 

صناعة الإنسان
ويضيف عبد العزيز المسلّم: في الجانب الثقافي والفكري والاجتماعي، تركّز الدولة على صناعة الإنسان وقراءة فكره واتجاهاته، وتحقيق هذه الرغبة الإنسانيّة في الحضور والتفاعل، والأمثلة على ذلك كثيرة، في توخّي الحضور العربي على منصّة جوائزها وفتحها المشاركة المعرفيّة والفكريّة لكلّ أبناء العروبة في الأنشطة والمهرجانات ومعارض الكتاب، وفي احتضان المواهب وفتح القنوات التي يشعر فيها الإنسان العربيّ بأنّ يداً لا تزال ممدودةً له، وأنّه ليس وحده في المعترك الثقافي والإبداعيّ، فقد ضربت دولة الإمارات أمثلةً محترمة في الدعم وإسناد الثقافة والفنون العربيّة والأفكار النيّرة في تكريم المبدعين والتبرع السخيّ لتأكيد فكرة ناجعة يخرج بها إجماع عربي على صعيد الكينونة العربيّة وتعاطيها الحضاريّ مع العالم، ولهذا فقد بلغت الإمارات من الحضور العربي والإنساني ما مكّنها من أن تقدّم غصن سلام للعالم في يد، وتصميماً وعزماً صلباً لمجابهة كلّ قوى الشر وأفكاره الدخيلة في اليد الأخرى، كلّ ذلك لتتيح للوجود العربيّ في كلّ أقطاره الانطلاق نحو عوالم التنمية والنهضة والتقدّم والرخاء، موضحاً أن الإمارات، كانت ولا تزال، ومنذ أن مدّ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يده البيضاء للعرب في تكاتف الجهود وتآزرها، مثالاً كبيراً يستحقّ الإشادة والاحترام.

تشجيع على الابتكار
من جانبه، يؤكد مروان بن جاسم السركال الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير، أنه يستلزم عنصر التنوير الإلمام بطبيعة البشر وتطوّر مناحي الحياة وقراءة الحداثة ومدى انعكاسها لخدمة الوجود العربيّ، كجزء من عملية التنوير والتثقيف ودعم العقول وتشجيعها على الابتكار وارتياد آفاق جديدة في ذلك، والحقيقة أنّ دولة الإمارات العربيّة المتحدة قد أدركت ومنذ عهد بعيد هذه الضرورة للوصول إلى العالميّة، فكان خطابها خطاباً عقلانيّاً ويحمل في داخله عاطفة وإحساساً بالصبغة الوطنيّة لكلّ البلاد العربيّة، وهو ما قامت بتفعيله وتأكيده، في فتح العبقريات العربيّة على المحيط العالمي، بكلّ ما فيه من خدمة للبشرية وطموحات التنمية والازدهار، فغرست في أبنائها الشعور بالمسؤوليّة المجتمعيّة والتقدم بخطى واثقة، مسجّلةً نقاطاً مضيئة في الاقتصاد واستثمار المواهب بما ينفع بلداننا ويحقق لها مستوى من الرفاهيّة تنعكس على واقعنا العربي ومستوى تفكيرنا ورقيّنا بين دول العالم.
ويشير السركال، قائلاً: لم يكن التطوير الإماراتي للذهنية واحترام فاعليّتها، إلا وسيلةً لكي لا نتصنّم أو نتجمّد والعالم يتحرّك من حولنا، ولهذا، فقد كانت المعطيات الحضاريّة والعلميّة والتكنولوجيّة الإنسانيّة في العالم ذات ترحيب إماراتي، لكي لا يكون هذا الوجود قاصراً ويمتلك خطاباً إنشائيّاً أو غنائيّاً فقط في التعامل مع الذّات ومحيط هذه الذات.. خذ على سبيل المثال تهيئة المكان الإماراتي والعربيّ ثقافياً ليكون درّةً وموئلاً في السياحة العالميّة ومقصداً يستلزم الوعي الشعبي المدعوم بالتفاتة حكيمة من القيادة الرشيدة، ولهذا فالتطوير كان ولا يزال على الدوام جزءاً أصيلاً من رسالة الدولة في التنوير واللحاق بركب المدنيّة مع المحافظة على الأفكار الأصيلة الذاتية، ولقد أتت مشاريع الإمارات أُكُلَها في قراءة المنطقة العربيّة واتصالها مع العالم من واقع الدراسات وبحوث التنقيب المستمرة لمعرفة واستثمار مزايانا النسبية في التكامل الحضاريّ والثقافي مع العالم.

ملء الفراغ الثقافي
ويرى الناقد والأكاديمي الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري الأسبق، أن الثقافة أو المنتج الثقافي منتج من العيار الثقيل، ولا يتصدى له إلا أصحاب الرؤى الواعية الفاهمة لأهمية الثقافة وأدوارها التأسيسية الممتدة، والتي لا تقل عن رغيف العيش في أهميتها، لأننا في زمن تحاول فيه خفافيش الظلام أن تنهش قيمنا وهويتنا، وتطمس حضارتنا، وتسعى إلى أن تعيدنا القهقرى إلى كهوف الظلام والجهل والتخلف.
وعليه، فإن أي مثقف جاد ومهموم بقضايا الفكر العربي، ومتابع للشأن الثقافي في العالم العربي، يدرك تمامًا عظم الدور التنويري الذي لعبته، وتلعبه، دولة الإمارات العربية المتحدة طوال تاريخها، ونحن بدورنا نثمن أي جهد تقوم به دولة الإمارات الشقيقة من أجل إنشاء قنوات ومؤسسات ثقافية متخصصة، نحن في عصر التنافسية، ومن يقدم الأفضل هو الذي سيهتم الناس به، وبالتالي يكون قادراً على ملء الفراغ الثقافي الذي نحياه، لا أحد يرث الآخر في الفكر أو الثقافة، المهم أن تقدم الأفضل والأحسن والأنفع للناس.
ونجحت الإمارات، والحديث ما زال للدكتور جابر عصفور، من خلال تلك القنوات والمؤسسات والنشاط العظيم الذي ترعاه، في نشر وتعميم الفعاليات الثقافية المتنوعة، خاصة في ظل التنوع والانفتاح الثقافي المذهل الذي تزخر به الدولة، ولعل أبرز تلك الأنشطة تنظيم سباقات القوارب الشراعية وسباقات الهجن، وكذلك المهرجانات، مثل مهرجان قصر الحصن في أبوظبي والمهرجان الوطني للحرف والصناعات التقليدية في العين، ومعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، بالإضافة لاستعراض المتاحف الوطنية الإماراتية، مثل متحف اللوفر أبوظبي، ومتحف زايد الوطني، ومتحف الشارقة الإسلامي، وغيرها من المتاحف، وكذلك مختلف أوجه الثقافة الإماراتية الفاعلة سواء في محيطها الخليجي أو في دائرتها العربية الأوسع.

منظومة ثقافية وفنّية 
الكاتبة والروائية الجزائرية فيروز رشّام قالت: «إن الخطاب الثقافي العقلاني التنويري القادم من الإمارات يحظى بإجماع عربي على تقديره، بما يشكّل منظومة ثقافية وفنّية تربط عربياً المشرق بالمغرب، تجمع ولا تفرّق في ظل ما يعانيه المشروع الثقافي العربي من تحديات، إنّه يمثل لمّ شمل للمثقفين العرب في عديد مجالات الإبداع». وأضافت رشّام بقولها «ركّزت الإمارات الشّابة الفتية في علاقاتها العربية من خلال مؤسساتها الثقافية، على تعزيز التبادل الثقافي النّوعي، وصولاً إلى ازدهار وأثمار، بحيث صار للعروبة ملتقيات رواية وتشكيل وسينما وشعر، ومسرح، ومن ذلك تنظيم الهيئة العربية للمسرح في الشارقة لمهرجان المسرح العربي، الذي عقد أهم نسخه في الجزائر بالتعاون مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام الجزائري عام 2017، مما يعني أننا نسير باتجاه هدف إستراتيجي وإنساني كبير، تندمج فيه النّهضة بالتّنوير وحوار التجارب الثقافي العربي، الذي استعاد عافيته في ظلال هذه التظاهرة المسرحية العربية»، ونوّهت رشّام إلى أهمية تبنّي الإمارات لخطاب ثقافي عروبي، يشتغل على استراتيجية النّهوض بالثقافة العربية الجادة الرّصينة من خلال سلسلة من المبادرات والمشاريع الثقافية مثل «تحدي القراءة العربي» ومشروع «كلمة» للترجمة، إلى جانب مشروعات مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، ومشروعات الشارقة في مجالات المسرح والعناية بالتراث داخل الدولة وخارجها، ومشروعات أبوظبي الفكرية وتعزيز السياحة الثقافية من خلال متحف اللوفر أبوظبي، وحماية الملكية الفكرية، وما تلعبه في تعزيز الدور الثقافي الإماراتي في دعم الإبداع العربي والإنساني، وبناء الجسور بين المثقفين والشعوب العربية».

دينامو التنوير
من جانبها، قالت الروائية السورية لين غرير: ونحن نتحدث عن الخطاب التنويري الإماراتي عربياً أو حتى عالمياً، علينا القول: حين انطلق رواد التنوير في نهضتنا العربية الحديثة، كان ملاذهم «الثقافة»، فعادوا للتاريخ الفلسفي والثقافي، فنهلوا منه وأحيوه لا لكي يحاكونه مقلدين، بل لينطلقوا متقدّمين إلى الأمام، ولعل هذا ما يحدث لجانب الخطاب التنويري الثقافي الإماراتي، الذي يعمل في ظلال توجّه رسمي لدعم الإبداع في جميع الحواضر وكبريات العواصم العربية، تحت مظلة أهمية القوى الناعمة في تأسيس وإنتاج ثقافة المعرفة، وتأكيد الفعل الثقافي العربي المشترك، ما يعدّ في الواقع نموذجاً حضارياً للبناء الثقافي، الذي هو أساس كل بنيان وتقدّم حضاري.
وأشارت غرير إلى أهمية الدعم الإماراتي لجهود الثقافة والتراث عربياً، على نحو مبادرة الإمارات من خلال مؤسسة دبي للمستقبل، بالتعاون مع منظمة «اليونسكو» وجامعتي هارفارد وأكسفورد، بالاستعانة بأفضل المختصين والخبراء بالسياحة التاريخية، إلى الكشف عن نسخة جديدة من مدينة تدمر السورية، التي تم تدميرها بسبب الحرب على الإرهاب، من خلال صورة ثلاثية الأبعاد من قوس النّصر الضخم، وإعادة بناء البوابة القوسية لمعبد بعل في «تايمز سكوير» في مدينة نيويورك، في ظل شراكة استراتيجية مع معهد الآثار الرقمية.
في السياق، ثمنت غرير جهود الإمارات في دعم مشروع الثقافة العربية في عديد المبادرات من الجوائز الأدبية التي تلعب دوراً نوعياً في التنوير والثقافة، ثم جوائز الكتب المترجمة، وجائزة الشارقة للإبداع العربي، والمعارض، وملتقيات الخط العربي، وغيرها، وما تحققه من فرص ثمينة للمبدعين والمثقفين العرب، للتحاور حول مستقبل الثقافة العربية، على أرض عربية غنية بالمبادرات والأفكار والمشروعات التي تبني لمستقبل الأجيال العربية.

جسور تواصل
الكاتبة والروائية الإماراتية أسماء الزرعوني، قالت: «تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والذي يواصل مسيرة العطاء والحكمة والتميز من مدرسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تبث الإمارات دوراً تنويرياً مهماً على الصعيدين الخليجي والعربي، سواء بإنشائها العديد من المؤسسات الثقافية الرائدة التي تتبنى في برامجها دعم وإسناد الثقافة العربية والنهوض بها ودعم مبدعيها، أو على مستوى الجوائز التي تستقطب أهم وأبرز الكتاب العرب، أو على مستوى الاتفاقيات الثقافية مع وزارات الثقافة في الوطن العربي، أو تنظيم مهرجانات الثقافة والأدب والفكر محلياً وعربياً، ما جعلها واجهة ثقافية تنويرية بامتياز، ثم احتضان الإمارات لفروع لأكبر الجامعات العالمية والعربية (جامعة محمد الخامس بأبوظبي)، وحقق لها ذلك مناخاً تعليمياً متعدد الروافع، بعد أن أصبحت مقصداً للشباب العربي للنهل من البرامج التعليمية لهذه الجامعات، من دون أن ننسى ما تلعبه وزارة التسامح الإماراتية من دور فاعل في إثراء جوانب الخطاب التنويري، ونشر ثقافة التسامح والتعايش واحترام ثقافة الآخر».
ونوهت الزرعوني بأهمية المتاحف التي أنشأتها الدولة عبر الخمسين سنة الماضية، وما تلعبه من دور بارز في نشر الثقافة والتعريف بثقافة المجتمع عربياً وعالمياً، بل أصبح بعضها يخلق تبادلاً ثقافياً بين الشرق والغرب، وحلقة وصل بين العالم وفنونه، لا سيما أن بعض المتاحف في الدولة تركز على نشر حضارة وثقافة العديد من البلدان العربية، من خلال أجنحة خاصة، على نحو ما تقدمه كل من القرية العالمية بدبي، ومهرجان الشيخ زايد التراثي بأبوظبي، من دعم للثقافة والتراث والموروث العربي. 

فضاءات رائدة
ويشير الشاعر والروائي التونسي حافظ محفوظ، قائلاً: حينما تكون العزائم صحيحة تكون النتائج والأهداف صحيحة في كلّ المجالات، وهذا هو الشعار الذي رفعته دولة الإمارات في ترسيم خارطة طريق لنهضتها الثقافية، التي أصبحت مثالاً مضيئاً عالمياً في خلق مناخات الفعل الثقافي الريّادي والمتجدّد.. بضعة أعوام كانت كافيّة لبناء صرح ثقافي عظيم أخذ يعلو سنة بعد سنة وينسحب على جميع البلاد العربيّة، فقد استطاعت الإمارات بفضل ما أسّسته من فضاءات ثقافيّة رائدة أن تحقّق الأهداف التي تأسّست على إرادة صادقة للنهوض بالثقافة المحلية من جهة، وإنشاء فتوحات حدثية تسير بها نحو المعاصرة العالمية ومضاهاتها بشكل واع يضع الهوية العربية الإسلامية في أسس هذه النهضة وينظر إلى تطويرها داخلياً وخارجياً.
ويضيف محفوظ: ها هي الإمارات تتحوّل اليوم إلى بلد رائد ثقافياً، فهي مساحة من المتاحف الفنية ذات الاهتمامات المختلفة والأهداف المتّزنة، وإلى جانب ذلك هي روضة فكرية متجددة، وأفكار منيرة أضاءت سماوات البلدان العربية، وما بيوت الشعر المنتشرة هنا وهناك إلا فرصة لاستعادة ديوان العرب ألقه، وما الدبلوماسية الثقافية القائمة على التعاون والتشاور وروح التسامح داخلياً وخارجياً إلّا أساس هذا الإشعاع الحضاري والفكري الذي حققته الإمارات في وقت وجيز، جامعة بين المعاصرة والانفتاح على الآخر، وبين التجذر في الهويّة والأصالة والموروث.

حكمة زايد
يقول الأكاديمي والكاتب السعودي الدكتور محمد المسعودي، إن هذه الإنجازات العملاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة تشمل مختلف المجالات، بما في ذلك المجال الثقافي الذي تجلى بوضوح كبير، ومبهر، مما يثبت أن المسيرة الإماراتية تنويرية رائدة على كلّ المستويات، وحافلة بالعمل الدؤوب والإنجازات الثقافية غير المسبوقة، خاصة أن الثقافة هي المنارة التي تضيء دروب المستقبل، حتى غدت الإمارات أنموذجاً فريداً في التميز والإبداع.
ويضيف المسعودي «إن بناء الإنسان أساس تجربة الإمارات التنويرية بامتياز، فقد بدأها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حينما قال «العقول أساس نهضة الأوطان وتقدمها»، وتلك رؤية القائد المدرك أن العنصر البشري أساس كل نهضة وتقدم، وهو الثروة الحقيقة التي يجب أن تُوفر لها سبل البقاء، فكانت حكمة الشيخ زايد حاضرة حتى اليوم في مسيرة هذا البلد، فتأسست على عواتق طموح حكامها وشعبها الكريم في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ومنها لم تستثنِ دور الثقافة في بناء الإنسان، بالروافد الفنية والفكرية التي تحرص على التمسك بالقيم النبيلة والحفاظ على مقوّمات الهوية العربية الإسلامية، والانفتاح على العالم بالتسامح والتوْق إلى الجمال والنقاء والإبداع معاً».
وفي جانب إنجاز المشاريع الثقافية الكبرى في مجالاتها المتنوعة يقول المسعودي «نجد حكام الإمارات داعمين لمبادرات ثقافية تنويرية مستدامة، انطلاقاً من تأسيس بيوت الشعر العربية، المسارح، المتاحف، المهرجانات السينمائية والموسيقية العالمية، وكذلك جوائز دولية، حيث تشكل الجوائز الأدبية حافزاً قوياً على التميز والتفوق في مجالات الكتابة الفكرية والإبداعية، وهنا تحضر جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجوائز الشارقة الثقافية المتعددة، ومشروع كلمة للترجمة.. فضلاً عن مشاريع ثقافية أخرى في الشعر والسرد والتراث المحلي، وكذلك بناء جزر ثقافية محيطة بجزيرة أبوظبي، وتحدي القراءة ومسابقاتها على مستوى العالم العربي، وبذلك أصبح دعم «القراءة» جزءاً حيوياً من منظومة القوانين المحفزة للتنمية المستدام، وهي المشاريع التي فتحت الأفق الثقافي الإماراتي على نحو عربي وعالمي في آن واحد، ما جعل العاصمة أبوظبي بؤرة تنويرية لافتة في العالم، بل باتت منبراً لالتقاء الشعوب بمختلف أعراقها وأديانها.
وأشاد المسعودي بدور «الإعلام الثقافي الكبير ومساهماته في مسيرة التنوير الثقافية الإماراتية، والذي يولي بمختلف أصنافه المكتوب والمرئي والمسموع عناية كبيرة بالثقافة، ويعكس تجسيد انفتاح إعلاميي الإمارات على المبدعين العرب والإماراتيين والعالميين».

وجهة تنويرية
القاصة والروائية السعودية رجاء البوعلي، قالت، إننا كمقتفين أثر الحركة التنويرية العربية، نُبارك لدولة الإمارات إنجازها في هذا المجال، فقد أرست قواعد الانفتاح الإنساني على أرضها منذ توحيدها - الإمارات السبع - عام 1971، مُدركة أهمية تعزيز قيم التسامح والتعايش المشترك بين مكوناتها المحلية أولاً، ما أنجب سلالة إماراتية متسامحة منذ بواكير نشأتها، واستطاعت التقدم بهذا النهج الحضاري بإطلاق مشروعات محلية وعربية وعالمية، نذكر منها «وزارة التسامح» التي جاءت لترسخ قيم التسامح الأصيلة في دولة تضم أكثر من 200 جنسية، وتجمع عدداً من المساجد والكنائس والمعابد، احترام للأديان السماوية كافة، كذلك الدور الكبير لمجلس حكماء المسلمين المعني بتعزيز الأخوة الإنسانية، وأخيراً «بكالوريوس التسامح والتعايش» الذي أطلقته جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية عام 2021. وتضيف البوعلي أن وزارة الثقافة الإماراتية بمشروعاتها المتنوعة تدعم مبادئ الانفتاح الثقافي على الشعوب الأخرى، ومنها: مبادرة ترميم جامع النوري الكبير ومئذنة الحدباء وكنيسة الطاهرة في مدينة الموصل بالعراق، ما يؤكد على اهتمامها بالحفاظ على التراث الإنساني التاريخي والثقافي والديني على مستوى العالم. وفي الفنون والموسيقى، قدمت الإمارات الرعاية والدعم عبر مشروعات حيوية باهرة مثل «دبي كانفس» و«حي دبي للتصميم» و«أوبرا دبي»، وكلها إضافات نوعية تستقطب المبدعين من جميع أنحاء العالم.

بناء جيل مثقف
يؤكد المؤرخ والمفكر المصري الدكتور أحمد زكريا الشلق، أستاذ التاريخ العربي الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضو لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، على الدور التنويري العظيم الذي تضطلع به الإمارات على مستويات عدة، موضحاً «تلعب الإمارات العربية المتحدة دوراً ثقافياً وتنويريًا رائداً في المنطقة العربية كلها، من حيث تبني السياسات الهادفة إلى بناء جيل مثقف ومستنير، ومواجهة الثقافات السوداء والمتطرفة، والتصدي لتغييب العقول الذي مارسته التيارات المتطرفة على مدار عقود».
ويضيف الشلق: لا أحد يستطيع أن يتغافل عن الأدوار العديدة التي تضطلع بها الإمارات في المشهد الثقافي الخليجي والعربي بل والعالمي أيضاً، على كل الصعد، من ناحية دعم المواهب واحتضانها، تشجيع الكفاءات في كل المجالات، المجلات، الصحف، المؤتمرات العالمية، المنتديات الدولية، مراكز الأبحاث المتخصصة، المسابقات التنافسية والجوائز، الإعلام و«السوشيال ميديا»... إلخ.
كل ذلك يجعلنا نؤكد على ما تمتلكه الإمارات من إمكانات وخبرات، وتضطلع به من أدوار ومهام، أضف إلى ذلك وفقاً لمعرفتي بالعديد من أهل الرأي والفكر والإبداع في الإمارات الشقيقة، أن الإمارات تمتلك أيضاً الاستراتيجيات الدقيقة المدعومة برؤى علمية تواكب المستجدات المعاصرة والتي بإدراكنا لها نستطيع أن نقدم منتجاً ثقافياً حقيقياً وجادّاً ومؤثراً.
كما أن من أهم هذه الأدوار، والحديث ما زال للدكتور الشلق، تلك المؤسسات الكبرى الشامخة التي أنشأتها حكومة دولة الإمارات للعناية باللغة العربية والحفاظ على هويتنا اللغوية والثقافية، عبر مركز أبوظبي للغة العربية، إضافة إلى الأدوار التي تلعبها المؤسسات الثقافية في أبوظبي ودبي والشارقة، والتي أثمرت خلال السنوات الماضية جهودًا عظيمة لم تكن لتظهر وترى النور وتنشر إسهامها الفكري والثقافي شرقاً وغرباً إلا بدعم حكومة الإمارات.
ويضرب الشلق مثالاً الظهور الأحدث للمعجم التاريخي للغة العربية (صدر منه 17 جزءاً) الذي ظل حلماً مؤجلاً طوال سنوات عديدة إلى أن تحقق وخرج إلى النور بفضل دعم وتوجيه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©