السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإمارات حاضنة العقول النابغة

أحد الأعمال التي عرضت بالجناح الوطني (أرشيفية)
23 ديسمبر 2021 01:34

 ليلى بن بريك

احتفلت دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر الجاري باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد الذي شكّل نقطة الانطلاق نحو المسيرة التنموية الاستثنائية، التي امتدت على مدار خمسين عاماً في الدولة، وعمّت أرجاء الإمارات السبع احتفالات كبيرة تحتفي بما حققته الدولة خلال العقود الماضية، وكان عيدها الخمسون مناسبة وطنية تجسّدت فيها قيم التسامح والانفتاح والتنوّع التي تميز دولة الإمارات. واليوم، يعيش تحت سماء الإمارات أكثر من 192 جنسية مختلفة، مما جعلها الوجهة المفضلة للعديد من المبدعين والمفكرين والمثقفين وأصحاب العقول النابغة من جميع أنحاء العالم. 
وما نحن بصدده اليوم هو ثمرة للعطاء المستمر والجهود الكبيرة التي بذلتها القيادة الرشيدة والحكومة والشعب خلال العقود الماضية، والتي ساهمت في إرساء أسس قطاع فني وثقافي تعلو فيه قيم الشمول والتنوع. وحقيقةً، ما تم إنجازه من مكتسبات قياسي وغير مسبوق، ولكننا نتطلع بروح ملؤها التفاؤل والعزيمة نحو الخمسين عاماً القادمة لمواصلة مسيرة الازدهار الفني والثقافي.
منذ قدومي إلى الإمارات عام 2006، شهدت الدولة حراكاً ثقافياً وإبداعياً مميزاً جاء مترافقاً مع تطورات وتحوّلات نوعية، مدعومةً بسلسلة متنامية من المبادرات الفنية، بما في ذلك برامج الزمالة والمؤسسات الثقافية وغيرها من دور المزاد وصالات العرض والمراكز الإبداعية، مثل بينالي الشارقة عام 1993 ومؤسسة الشارقة للفنون، وغير ذلك من شراكات المجتمع الفني الهادفة لتأسيس مجموعة متنوعة من المراكز الثقافية والفنية وغيرها من المعارض. ولا شك أن هذه المؤسسات والمنصّات الإبداعية قد ساهمت جميعاً في بناء حوار مثمر وترسيخ روح الفضول والاستكشاف، وفي بعض الأحيان أسست قاعدة انطلاق العديد من المبادرات الثقافية وتوسيع نطاقها، مثل «السركال أفنيو».
وقد اضطلعت القيادة الرشيدة للبلاد بدور محوري في دعم المجتمع الفني والثقافي، من خلال إطلاق حزمة من المبادرات الرئيسية بما فيها «صندوق التنمية الثقافية»، والذي يتمثّل هدفه في توفير المساعدات المالية لدعم المبادرات والأنشطة الثقافية المحلية، هذا بجانب «مؤشر العمارة في الإمارات»، وهو مبادرة حيوية تضم قاعدة بيانات معمارية شاملة ومراجع بحثية تعمل على توجيه ودعم صنّاع القرار في مجال صون التراث والتخطيط والتنمية، من أجل اتخاذ قرارات ناجعة حول تطوير المشهد العمراني. هذا بالإضافة إلى دعم وتحقيق رؤية المشاريع المعمارية البارزة، مثل متحف اللوفر أبوظبي ومتحف المستقبل في إمارة دبي وبيت الحكمة بالشارقة، بجانب مبادرة الإقامة الذهبية لكوادر القطاع الإبداعي، والتي تم إطلاقها مؤخراً لمنح المبتكرين والمبدعين وأصحاب العقول النابغة حرية العيش والازدهار ومباشرة ممارساتهم الإبداعية بشكل مستقل في دولة الإمارات.
وقد صاحبت هذه المبادرات والتطورات الملموسة في تاريخ الإمارات الحديث طفرة كبيرة في مسيرة نمو وازدهار المجتمع الإبداعي المتنوّع، الذي يضم العديد من الكوادر الثقافية والفنية. وهناك تقارب وتعاون قوي بين المبدعين المحليين ونظرائهم في جميع أنحاء العالم، بعدما لمس الطرف الأخير نشاطاً وانفتاحاً كبيرين داخل المجتمعات الإبداعية المحلية وأدركوا ما يزخر به من فرص واعدة اختاروا - كما اخترت أنا- دولة الإمارات وطناً ثانياً لهم.
تؤمن دولة الإمارات إيماناً راسخاً بأهمية تعزيز تضافر الجهود وأوجه التعاون والمشاركة بين القيادة والحكومة والشعب، لأن ذلك يؤسس آفاقاً واسعةً من الحلول المبتكرة والأفكار الملهمة التي ترسم ملامح مسيرتنا التنموية ككتلة واحدة، وهو ما يتجسّد جلياً عندما نجتمع معاً في الأحداث العالمية مثل بينالي البندقية، الذي يُعد منصة عالمية تواصل بناء حوارات ملهمة وتنصهر فيها مختلف الثقافات للخروج بأفضل المنتوجات الخلاقة.
ويقدم الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية نموذجاً يُحتذى به، إذ استقطب على مدار السنوات الماضية مجموعة واسعة من المبدعين والمبتكرين والقيمين الفنيين والباحثين والشركاء من جميع أنحاء العالم، والذين ساهموا جميعاً في إحياء وتقديم أفكار معارض الجناح الوطني، مما أتاح لنا سرد قصص الإمارات الملهمة أمام الجمهور الدولي في بينالي البندقية. وخلال المشاركة العاشرة للجناح الوطني، قدّم معرض «أرضٌ لَدِنة» مزيجاً متنوعاً من الأفكار والرؤى من خلال شراكات وحوارات ملهمة بين مختلف الثقافات لطرح حلٍ لتحديات دولية بطابع ومفاهيم محلية. وتكليلاً لهذه الجهود الرائعة، فاز المعرض بجائزة الأسد الذهبي، وهي أعلى تكريم في بينالي البندقية، بعدما سجّل أفضل مشاركة وطنية مقارنةً بالأجنحة الأخرى. وتؤكد هذه الإنجازات الباعثة على الفخر أن التنوّع في أشكال الإبداع والتعبير الثقافي هو أيضاً أحد الجوانب التي تتميز بها دولة الإمارات.
واليوم، من الواجب علينا أن نوظف هذا الزخم ونفرِّد مساحة أكبر لمفاهيم البحث والتجربة، مع تفعيل دور الكوادر الإبداعية الناشئة، كما يجب العمل على إزاحة العقبات وتوفير المقومات والأدوات اللازمة لصون وحماية هذا الإرث الإبداعي والبحثي. وبموازاة ذلك، يجب مواصلة الاستثمار في توفير الفرص الداعمة لمجتمعنا المتنوع من المبدعين المحليين، وكذلك المبدعين الدوليين لتمكينهم من النمو والازدهار انطلاقاً من وطنهم الثاني، دولة الإمارات.
ولا يمكننا تحقيق ذلك بمفردنا، فالتعاون والانفتاح هما سبيلنا نحو إيجاد حلول مشتركة قادرة على قهر التحديات التي تواجه البشرية.
وختاماً، أؤكد على أهمية الفن والثقافة والعمارة كمكون أساسي في استمرارية النهضة الإماراتية، وأن جهودنا المستمرة في بناء حوارات متعددة الثقافات وترسيخ قيم الشمول والانفتاح ستؤتي ثمارها بكل تأكيد، مما سيضمن نمو المشهد الإبداعي المحلي ليحقق بدوره المزيد من المكتسبات والإنجازات خلال الخمسين عاماً القادمة .
................................
* مدير التنسيق في الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©