الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مشروع «كلمة».. جسر الثقافات

مشروع «كلمة».. جسر الثقافات
29 سبتمبر 2022 01:15

سعد عبد الراضي

منذ أن أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قرار إنشاء مشروع «كلمة» عام 2007، ومشهد الترجمة في الإمارات والوطن العربي يتألق عاماً بعد عام، ولا شك أن الإحصائيات الموثقة تؤكد الوهج والتألق الذي أحدثه المشروع الذي يتبع لدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، حيث وصل عدد الكتب المترجمة فيه إلى 1168 كتاباً، وعدد المترجمين المشاركين فيه أكثر من 600 مترجم في اللغات والتخصصات كافة. ووصل عدد اللغات إلى 21 لغة هي الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، الإيطالية، البرتغالية، الألمانية، الهندية، الصينية، البولندية، الهولندية، الكورية، الأوكرانية، التركية، المالاوية، اليابانية، اللاتينية، الكردية، الفنلندية، الروسية، النرويجية، السويدية.
وفيما يخص التصنيفات بلغت 10 وهي: المعارف العامة، الفلسفة وعلم النفس، الديانات، العلوم الاجتماعية، اللغات، العلوم الطبيعية والدقيقة/ التطبيقية، الأدب، الفنون والألعاب الرياضية، تاريخ وجغرافيا وكتب السيرة، أطفال وناشئة.

والخطط المستقبلية لمشروع «كلمة»، الذي يديره الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، كفيلة بالاستمرار في رفد المكتبة العربية بكل متميز ونوعي من الكتب المترجمة من اللغات كافة، والاهتمام بأدب الطفل.
«الاتحاد» استطلعت آراء نخبة من المشتغلين بهذا المشروع الرائد لقراءة منجزاته وآفاقه.

معاوية عبد المجيد: مشروع نهضة معرفية
وقال المترجم معاوية عبد المجيد: في حين كان المترجمون يعانون تحديات جمة في أداء عملهم ما بين مشاقَّ العمل ومصاعب الحياة، برز مشروع «كلمة» في دولة الإمارات العربيّة المتَّحدة، ليقدِّمَ مفهوماً مختلفاً يصوغ من خلاله شروط عملٍ محفزة لم تكن المنطقة العربيّة قد اعتادتها من قبل. إذ كان المترجم، ولا يزال، يبذل جهوداً مضنية بوقته واستطاعته في قراءة كثيرٍ من الكتب قبل أن يختار منها واحداً، ليبدأ بذلك مرحلةً أخرى لا تقلُّ عن سابقتها بالتحديّات والصعاب في متاهات العمل على نقل العبارات والأفكار من لغةٍ إلى أخرى. فوجد رحابة صدر وتعاملاً مهنيّاً لدى مشروع «كلمة» الذي يحمل تضحياته على محمل الجدّ ويُقدِّرُ جهوده ويكافئه عليها مادّيّاً ومعنويّاً بصدقٍ وأمانة.

ولطالما قيل عن مشاريع الترجمة في العالم العربيّ إنَّها مشاريع نهضويّة، تحتاج إلى وفاء للخطط الموضوعة، لكنَّها في معظم الأحيان كانت تستند إلى تضحيات المترجمين بحقوقهم وأجورهم. وفي هذا الجانب ما يُميِّز مشروع «كلمة»، إذ إنَّ النهضة لا تعني هضم حقوق العاملين من أجلها. ومن ناحيةٍ أخرى، لا يخفى على أحد أيضاً سعة المنشورات وتنوُّعها، من الأدب إلى الفكر والتاريخ والعلوم والفلسفة والدراسات في شتّى المجالات، ما يتيح للمترجم فرصة اقتراح أعمالٍ من حقولٍ متنوِّعة، أو العمل على ترجمة كتبٍ من أحد قطاعات المعرفة الذي يتماشى وتأهيله العلميّ والأكاديميّ. 

رشا صلاح الدخاخني: تعزيز جسور التواصل الثقافي
وأكدت رشا صلاح الدخاخني، مترجمة مصرية، أن الترجمة تلعب دوراً مهمّاً في تعزيز التعاون وإرساء قواعد التفاهم الثقافي، والتقريب بين وجهات النظر، والمساهمة في إثراء المعرفة الإنسانية، وذلك من خلال التبادل الثقافي والمعرفي وفتح قنوات للتواصل والتحاور بين مختلف الشعوب والأمم. فإذا كان أبناء آدم قد تفرَّقوا، بسبب اللُّغات واللهجات، فلقد جمعتهم الترجمة مرة أخرى ليلتفُّوا حول شعلتها، وصار المترجمون حمَلَة شعلة التنوير والتطوير على مرِّ العصور.

وهنا يأتي دور مشروع «كلمة» الذي أثرى المحتوى العربي المترجَم، وأحدث حراكاً ثقافياً في العالم العربيّ، أعاد إلى حركة الترجمة بريقها ورونقها مرة أخرى، فعلى مدار أكثر من عقد من الزمن، ساهم مشروع «كلمة» في مدِّ جسور التواصل بين مختلف الثقافات، وأنعش حركة الترجمة والنشر والتأليف، بتقديم توليفة متنوِّعة من الكتب التي أتاحت للقارئ العربيّ وليمة ثريَّة من المعارف والعلوم. 

اليازية المرّي: مشروع ثقافي كبير
وقالت اليازية المرّي، مترجمة من الإمارات: قبل أن أخطوَ خطواتي الأولى مترجمة في مشروع «كلمة»، تتَّبعت إصدارات المشروع وإنجازاته لسنوات قارئة شغوفة بجديد الإنتاج العالميّ في الأدب والثقافة والعلوم. واقتنيت وقرأت الكثير من الأعمال التي أنتجها هذا المشروع الثقافي الكبير، ولا يزال يمدُّني بعضها بالحماسة، ويُثري شغفي بالقراءة والكتب. وبعد مُضيّ سنوات من العمل في مجال الترجمة، لم تطرأ على مخيِّلتي قبلها إمكانية المساهمة في هذا المشروع، ولم أتصوَّر اليُسرَ الذي وجدتُه في تعاملي بشكل مباشر مع فريق «كلمة». أعمل حالياً على ترجمتي الأولى مع المشروع، وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط من إعرابي عن رغبتي في ترجمة أحد الكتب، وتواصلي مع فريق المشروع الذي أولى طلبي الاهتمام اللازم، واستجاب لمقترحي بسرعة قياسيَّة. وبعد خضوع عَيِّنة الترجمة لتقييم المحكِّمين، وفي غضون أيام قلائل، حصلت على موافقة العمل على الترجمة. 

أحمد يعقوب المازمي: منهل للمعرفة عربياً
وقال الأكاديميّ والمترجمَ الإماراتيّ أحمد يعقوب المازمي: في عام 2011 أقامت جامعة الإمارات العربية المتحدة فعالية لتعريف الطلبة بمشروع «كلمة» للترجمة، وأتاحت لهم فرصة اقتناء الإصدارات. لقد انبهرت حينها بتنوُّع المواضيع التي لم أكن مطَّلعاً عليها، وجذبتني تلك الكتب البرَّاقة والمتقَنة الكتابة والإخراج، حيث كانت نقلة نوعية مقارنة بما كنت أعهده من معارض الكتب العربية. وخلال دراستي الجامعية، شكَّل مشروع «كلمة» للترجمة منهلاً للمعرفة في دولة الإمارات والمنطقة العربية، كنافذة على عوالم كانت بعيدة المنال بسبب العوائق اللُّغوية والمعرفية. ولم يكن انتقاء العناوين المترجمة عبثياً، حيث يجد المتفحِّص جودة العناوين المختارة، ونوعية الإنتاج المتقَن لغةً وإخراجاً وتقديماً، لخدمة مشروع ثقافيّ يسعى إلى بناء جسور معرفية بين القارئ العربيّ ومختلف الحقول العلمية التي تراجع الإنتاجُ العربيُّ فيها خلال العقود الأخيرة. وبذلك فإنَّ مشروع «كلمة» للترجمة ليس مجرد إحياء لحراك ثقافيّ منحسِر منذ عهد بيوت الحكمة في العالم الإسلامي، بل هو أيضاً توظيفٌ للمعرفة الإنسانية الجَمعيَّة، لخلق أجيال واعية ببقية أرجاء المعمورة، ومطَّلعة على أهمِّ وأحدث ما يصدُر من أفكار في مختلف البقاع، ومتفاعلة معها ومُنتجة للمعرفة. وأنا أرى أنَّ مشروع «كلمة» للترجمة، الحاضن للفكر، يُعَدُّ رافداً أصيلاً في تاريخ ثقافة المنطقة الخليجية. 

نوفل نيّوف: مسار تنويري جاد
واعتبر الدكتور نوفل نيّوف أن «كلمة»، كدار نشر، تؤدي دوراً مميَّزاً في مسيرة حركة الترجمة إلى العربية، والثقافة عموماً، بكفاءة عالية. فهي منفتحة، بوعي ودراية ومسؤولية، على مختلف الثقافات العالمية، تختار منها الثمين والجديد، وتقدمه للقارئ العربي في ترجمات لا تضنُّ عليها بما تستحقه من عناية تشمل المراجعة والتدقيق اللغويّ، وشكل الكتاب وإخراجَه الفنّيّ بطريقة حديثة ولائقة. وتتعامل «كلمة» مع المترجم بدقّة ووضوح واحترام منذ توقيع العقد وحتى صدور الكتاب. وبذلك توفِّر له جوّاً وشروطَ عمل تشجِّعه على إتقان عمله، والمساهمةِ الفعّالة في مواكبة حركة الترجمة والثقافة اليوم. والحال أن «كلمة» تمثل إضافة نوعية جديدة تُثري هذا المسار التنويري الجادّ، تعزِّزه وتدفعه إلى الأمام.

موسى الحالول: عصارة الفكر العالمي
الدكتور موسى الحالول أستاذ الأدب المقارن والترجمة الأدبية بجامعة الطائف، في السعودية، قال: منذ انطلاق مشروع «كلمة» عام 2007، ونفوس المترجمين العرب تهفو إلى الانضمام إلى رَكبه للمساهمة في الحراك الثقافي الواعد لهذا المشروع، والإفادة من المكافآت المالية المجزية التي يقدمها. وبالفعل وفّر «كلمة» منصةً ثقافيةً، هي الأبرز بلا منازع في الساحة العربية، لكل مترجم محترف يعتدُّ بخبرته، ليقدم ما لديه لإثراء الثقافة العربية المعاصرة بعصارة الفكر العالمي في فروع المعرفة المختلفة. إن «كلمة» يصبو لأن يكون بحقٍّ وارثَ «بيت الحكمة» في العهد العباسيّ. 
وبعد مرور عقد ونصف عقد، أثبت «كلمة» فعاليته وصواب طموحاته في مدِّ جسور التواصل الحضاريّ بين الأمم، كما أثبت أنَّه الأجدر بالدوام من غيره من مشروعات الترجمة التي ظهرت في العالم العربيّ في القرن الحادي والعشرين. ولا أبالغ إن قلت إن ما يوفِّره «كلمة» من فرص تعليمية للمترجمين، ولا سيما الشباب منهم، لا يقلُّ أهمية عن برامج إعداد المترجمين المحترفين في المعاهد الأكاديمية شرقاً وغرباً.

نور طلال نصرة: رؤية حضارية
قالت المترجمة نور طلال نصرة: كانت لي تجربة غنيّة ومهمة مع مشروع «كلمة» تمثّلت بترجمة كتاب «الأدب الإيطاليّ/ مقدَّمة موجزة جداً» للكاتبين: بيتر هينسوورث وديفيد روبي، صدر عام 2021.
وأضافت: يُعدُّ مشروع «كلمة» رافداً مهماً ومُنعشاً للمكتبة العربيَّة، فانطلاقاً من أهمية الترجمة كحقل ثقافيّ مُتشعِّب وثريّ بالمواضيع الأدبيَّة والعلميَّة والفكريَّة التي من شأنها أن تؤسِّس لرؤية مستقبليَّة حضاريَّة، وتكون جسراً حيوياً بين الثقافات، يأتِي مشروع «كلمة» ليُعبِّر عن هذه الرؤية، وما أحوجنا اليوم لمجهود جماعيّ متضافر يكون بمثابة مشروع متكامل يتبنَّى ويُقدِّم أعمالاً جديدة ومختلفة في شتَّى مجالات الترجمة، البيئية والتراثية والفلسفية والفكرية والتاريخية والجغرافية، إضافة إلى تنوُّع اللُّغات المُترجَم عنها، فالمشروع لم يكتفِ بالترجمة عن اللُّغتين الإنجليزية والفرنسية، بل توسَّع ليشمل اللُّغات، الألمانية والإسبانية والروسية، كما أنَّ المُطَّلع على إصدارات المشروع يُدرك أيضاً هذا الجهد العظيم المبذول في انتقاء مواضيع الترجمات، وإصدارها في أفضل صورة، ابتداءً من العناوين الجذَّابة والأغلفة الأنيقة، وتكليف المترجمين الأكفاء، والاهتمام بأدقِّ التفاصيل، وليس انتهاءً بالدعم المعنويّ والمادّيّ للمُترجم. 

سارية المرزوق: تفاهم وتبادل الثقافات
بدورها، قالت الدكتورة سارية المرزوق- برلين، ألمانيا: يرفع احتفال هذا العام باليوم العالمي للترجمة شعاراً استثنائياً: «عالم بلا حواجز». وهو ما يعكس حاجة شعوب العالم إلى عالم يجمعه الفهم المتبادل بين الدول والثقافات، والتسامح، والإصغاء بإمعان إلى وجهات النظر المتنوعة. 
وأضافت: قد لا تتطلب ترجمة الأدب عادة أي شهادات رسمية بل تستند بشكل أساسي إلى معرفة المترجم باللغة ومهارته اللغوية في صياغة النص المترجَم وإيصاله للقارئ على الضفة الأخرى. غير أن الترجمة التخصصية لكتاب «خيول» الذي كلفني به القائمون على مشروع «كلمة» أعادتني إلى منصة البحث الأكاديمي، وأضافت إلى مكتبتي 4 كتب اختصاصية جديدة عن الخيول، فضلاً عن مكتبتي التي بنيت محتواها في أعوام دراستي الطويلة للوراثة عند الخيول. وينسحب الأمر على مجموعات كتب الأطفال التي انتقاها مشروع «كلمة» بعناية ورهافة، وقمت بترجمتها عن الألمانية خلال العامين الأخيري.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©