الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«فن أبوظبي».. فضاءات الجمال

«فن أبوظبي».. فضاءات الجمال
24 نوفمبر 2022 01:29

فاطمة عطفة 

شهدت منارة السعديات مؤخراً إطلاق النسخة الـ14 من معرض «فن أبوظبي»، وهي الأكبر منذ انطلاقه، بمشاركة قياسية من 78 صالة عرض من 27 دولة، وبحضور كوكبة من الشخصيات الفنية البارزة ضمن فريق القيّمين الفنيين ومنسقي صالات العرض، بمن فيهم مؤرخة الفنون وأستاذة الفلسفة المعروفة رشيدة التريكي، ومديرة صالات العرض جايد يشيم تورانلي، والصحفية الفنية ريكاردا ماندريني. وتسلط فعاليات المعرض الضوء على أعمال فنانين من شمال أفريقيا وتركيا والمنطقة. وسيستمر المعرض حتى 20 من الشهر الجاري. «الاتحاد» التقت ببعض الفنانين والمبدعين الضيوف، مستطلعة آراءهم حول هذا الحدث الفني الكبير وأهميته الثقافية والجمالية.

عن أهم المراحل التي تركت تأثيرها في تاريخ الفن، تقول المقيّمة الفنية رشيدة التريكي: عرفت كل الحضارات منذ بداياتها فترات هائلة ومؤثرة تركت بصماتها على امتداد تاريخها، وهناك دراسات عديدة ومتنوعة في هذا الشأن، مبيّنة أن بعض الفنون الجميلة المعاصرة ولدت وترعرعت في الحضارة الغربية أولاً، واتخذت فيما بعد بعداً كونياً، وقد مرت في تاريخها بمراحل عديدة أثبتتها الأبحاث العالمية في تاريخ الفن. 
وترى التريكي أن المرحلة المؤثرة أكثر في تطور الفنون، وفي تاريخ الفن عامة، هي فترة النهضة في القرن الرابع عشر بإيطاليا، لأنها كونت ما يسمى باللوحة المسندية، وحررت الفن من غاياته الرمزية والطقوسية، وفتحت الباب للثورات الفنية الشكلية. ولعلها مصدر الفن الحديث وفنون ما بعد الحداثة، بما في ذلك الفن المعاصر.

أثر التكنولوجيا
وكيف ترى التريكي مدى تأثير التكنولوجيا على الفن التشكيلي؟ تقول: كانت التكنولوجيا عاملاً مهماً من عوامل تطور الفن منذ الثورة الصناعية، وقد واكبت المنعرجات في تاريخ الفن التطور التكنولوجي، ويظهر ذلك في نمط استعمالها الدائم من قبل الفنانين، مؤكدة أن التأثير الفعال في نمط الإبداع الفني نجده بكثافة في التكنولوجيات الجديدة التي فتحت الباب لظهور نوعيات جديدة للفن المعاصر، كما سمحت برقمنة الفن وجعلته متاحاً للجميع، وكونت متاحف رقمية لمسية فأصبحت الفنون متاحة للفرجة على نطاق أوسع. وتضيف موضحة أن الإبداع أضحى مصاحباً لتطور هذه التكنولوجيات الجديدة ليستعمل المصورة الرقمية والهواتف الذكية والبرامج الإلكترونية والشبكات التواصلية وغيرها. وهذه كلها غيرت طبيعة السلوك الإبداعي بصفة عامة. وتلفت الناقدة التريكي إلى أنها بينت في أبحاثها أن الفن تحت تأثير هذه التكنولوجيا قد انفتحت اختصاصاته وتضافرت، ليصبح المبدع متنوع المهارات، وهذا ما تسميه «تضافر الإبداعات».
وحول زيارة رشيدة التريكي لأبوظبي وكيف تراها محلياً وعالمياً، تقول: لا يشك اثنان في عظمة أبوظبي الآن بعد الإنجازات الكبرى والمدهشة التي تحققت فيها بفعل القيادة الرشيدة. لا أتحدث هنا عن التطور الاقتصادي والاجتماعي فقط، بل وأيضاً عن القفزة الفكرية الرائعة لأبوظبي، قفزة نلحظها في مجالات الثقافة العديدة، كما نلحظها في عدد الجامعات وفي التدريس بصفة عامة، فضلاً عن المهرجانات والأيام الثقافيّة. وتؤكد أن أبرز ما استرعى انتباهها هو هذا الاهتمام الرفيع بالفنون. فوجود متاحف متنوّعة، ومعارض فنية متتالية، هو في الحقيقة مرآة ينعكس عليها وضع الفنون في العالم وتطورها. وأنا سعيدة جداً بوجودي هنا في بلد سعيد لأشارك في معرض فن أبوظبي Art Fair في منارة السعديات.

تحقق للفن.. كثير
وفي لقاء الفنان عبدالله السعدي، وهل يستلهم فنه من ملامح الطبيعة أو من المحيط الاجتماعي، يقول: أعتقد أن المكان «المحيط الذي يعيش فيه الفنان» له دور أساس في استلهام الأفكار وينعكس على كثير من الأعمال الفنية التي ينجزها الفنان خلال رحلة حياته الإبداعية. وأنا بحكم كوني ساكناً حالياً في منطقة زراعية في القرية، من حولي الجبال والأشجار، ومرتبطاً بالأعراف والتقاليد الاجتماعية، كما أني مرتبط بتاريخ طفولتي، فإن هناك كثيراً من الأعمال تعكس ذلك التاريخ من خلال رسم المناظر الطبيعية، ورسم الحشرات، والطيور والنباتات. وهناك أيضاً أعمال تعكس جوانب مهمة من تاريخ القرية وتوثيق تاريخها مثال: العمل الفني، الفندال العاري، البطاطا الحلوة، رسائل أمي (طريقة من طرق التواصل الاجتماعي قديماً - علامات)، نعل حجرية (تعبير عن التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع في استخدامه للنعال التقليدية إلى نعل أكثر غلاء)، موضحاً أن التاريخ نقرؤه وندونه ونسجل كثيراً من مفرداته ويومياته عن طريق هذه الأعمال الفنية.
وحول نظرة الفنان السعدي إلى التطور الكبير الذي شهدته الإمارات يقول: خلال الخمسين عاماً حدثت تحولات اجتماعية واقتصادية تحقق خلالها الكثير للفن، وانعكست على حياة كل فنان، من البحث عن مرسم (مشغل) إلى بحثه عن شراء أدوات للرسم والألوان وغيرها لعدم توافرها سابقاً، وكانت هناك أسئلة كثيرة: لماذا يرسم الفنان؟ ولمن يرسم؟ وما الفائدة؟ وما كان هناك تواصل بين الفنانين أو وجود جمعيات فنية تهتم بالفنانين وبإقامة معارض فنية، لكن مع مرور السنوات تحسن الاقتصاد والدخل، وأصبح الوضع الفني أكثر ازدهاراً بسبب وجود جمعيات ومتاحف واهتمام متزايد من الدولة والمؤسسات المجتمعية، فازدهر الفن بوجود قنوات كثيرة مثال: «فن أبوظبي» و«فن دبي» و«بينالي الشارقة» والمشاركة في بينالي «فينيسيا» وغيرها.

التأمل   والاستغراق
أما عن الملامح الفنية بين البيئة المحلية ومدى التأثير العالمي، فيقول الفنان السعدي: هناك هوية عامة وهوية خاصة لكل فنان، وكل مبدع يتميز بأسلوب معين خاص به ضمن حدود الهوية، وينعكس ذلك على أعماله الفنية التي ينتجها. وبالنسبة إليه كفنان، يوضح أن هناك أعمالاً فنية مرتبطة بالتأمل والاستغراق في التفكير.
وتابع الفنان السعدي مؤكداً أن ما يمكن التعبير عنه بالرسم، يمكن رسمه أو الكتابة عنه من خلال اليوميات وغيرها. وهو يرى أن لحركة الفنون العالمية تأثيراً كبيراً على الفنانين، لأن الفنان يجد نفسه بينها متفاعلاً وناشطاً ومشاركاً مع غيره.

الفن والثقافة الرقمية
ومن الرواد المتخصصين في فضاءات الفن وتفاعله مع الثقافة الرقمية، كان لـ«الاتحاد» أيضاً لقاء مع د. عمر خليف، ليعطينا لمحة عن تجربته الفنية في عالم «الميتافيرس» والتأثيرات الجديدة التي أدخلتها التكنولوجيا على الفن التشكيلي، يقول: إن العالم الرقمي غيّر الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع الفن منذ عقود، لكن نقطة التحول الكبيرة حدثت في الألفية الثالثة عندما بدأت المتاحف باستخدام مواقعها الإلكترونية منصات لعرض الفنون للجمهور العالمي. ومنذ ذلك الحين، واصلت هذه التأثيرات في الانتشار على نطاق متفاوت في جميع أنحاء العالم، ومنح ذلك الفنانين حرية أكثر لتوزيع أعمالهم عبر منصات متعددة.
وحول رؤيته لـ«فن أبوظبي» وأهميته محلياً وعالمياً، يقول: بدأت رحلتي مع فن أبوظبي في عام 2017، حيث كنت أول قيم فني زائر لمعرض فن أبوظبي، وأشرفت على قسم «فضاءات» لثلاثة أعوام، وهذه هي المرة الأولى لي منذ ذلك الحين. وأضاف د. خليف أنه يثمن عالياً المجهود الذي تبذله ديالا نسيبة، مديرة فن أبوظبي، لمواصلة تطوير المعرض، وتركيزها بشكل خاص على دعم الفنانين من المنطقة لتسليط المزيد من الضوء على أفكارهم والمفاهيم الفنية التي يقدمونها.
يشار إلى أن للدكتور عمر خليف عدة مؤلفات حول الثقافة الرقمية المعاصرة لقيت رواجاً واسعاً جمع فيها خلاصة ما يقرب من عقدين من الزمن. وسيصدر لاحقاً كتابه الجديد المنتظر الذي يحمل عنوان «الفن والإنترنت: من نشأة الويب إلى ظهور الرموز غير القابلة للاستبدال» عن دار فايدون للنشر في عام 2023. وتولى الدكتور خليف التنسيق والإشراف على عشرات المعارض التي تتناول مواضيع الثقافة الرقمية حول العالم، لعل أبرزها معرض «الطريق السريع الإلكتروني» عام 2016 في غاليري وايت تشابل للفنون بلندن، ومؤخراً معرض «الفن في زمن القلق» في مؤسسة الشارقة للفنون بدولة الإمارات العربية المتحدة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©