عدد اليوم
نوف الموسى (دبي)
تتكاثف أصوات الفنانين الشباب الإماراتيين، بالقرب من خور دبي، في حي الفهيدي التاريخي، يتحدثون في مشاركاتهم الأولى بوضوح جمالي وفني، عن تجاربهم الشخصية في مهرجان سكة للفنون والتصميم، محدثين حالة من التعابير الجماعية، الشبيهة بالجوقة الموسيقية في الأغاني الشعبية، فيها الجُمل اللحنية تستند على إيماءات اللحظة والمعاصرة الزمنية، ولكنها محملة بذاكرة ممتدة من التساؤلات، والرغبة العميقة في اكتشاف الذات، والتجذر في المكان والكينونة المتفردة في أصالتها، والمتنوعة والمتعددة في مصادرها المعرفية والثقافية والحضارية.
في البدء، كانت الفنانة الشابة حمدة الفلاحي، تقف عند بوابة الدخول الرئيسية للمهرجان، ماسكةً بخيوط النسيج المنسابة من عمارة «المشربيات» وهي تطلع زوار المهرجان عن المعنى في لون خيوط نسيج أهل الخليج، ودلالات ارتباطها التاريخي في فضاء فني مفتوح، قائلة: «أردنا أن يكون الجمهور جزءاً من التمازج المعماري والمحتوى الفني البصري، وهو ليس عملاً وقتياً مرتبط بالمهرجان، بل ترحيباً واسعاً لمكانة موقع حيّ الفهيدي في الذاكرة المحلية، من خلال فلسفة الأنماط والرسومات بالألوان المائية على اللوحات المعلقة بين «سكيك» الحيّ، بالتعاون مع الفنانة عائشة الرحومي، والمهندسة المعمارية ريما المهيري، بينما توقفت الفنانة فاطمة جواد في عملها التركيبي، الذي يصور انحناء قاسٍ للعمود الفقري، معبرة بذلك عن معاناة جسدية شخصية، تحررت بمكوناتها الشعورية والفيزيائية في اللحظة التي قررت فيها أن تشارك العالم ألمها، وقدرتها على تجاوزه عبر الفن، وتابعت: «إنها ليست عملية سهلة، أن تقف في الفضاء العام وتتحدث عن تجاربك الشخصية، إلا أنه بمجرد أن تطلقها في تعابير إبداعية، حتى تجدها تصبح أسهل عليك، وتتعافى تدريجياً، هنا نتجاوز معتقداً في الثقافة المجتمعية عزز بشكل لا واعٍ فعل الاختباء وطمس التجارب الصعبة بعيداً عن فعل الحياة اليومية».
فكرة الشغف
بنفس الوتيرة والحس الذاتي، اجتمع المخرج المسرحي الشاب يوسف القصاب، والمصمم الجرافيكي سلطان صالح، والمصور الفوتوغرافي ناصر النعيمي، ولاعب كرة القدم عبدالله الموسوي، من خلال عملهم الفني التفاعلي «الحالمون المحبطون» في مواجهة واضحة مع المفاهيم الخاطئة في ذهنية بعض الأسر والأصدقاء والمحيط في المجتمع، من ينظرون لفكرة الشغف بأنه أمر مستحيل، وربما أحياناً ليس له مردود حقيقي، مرددين جملة «صعبة عليك، صعبة عليك»، ويوضح المصمم سلطان صالح، المشروع المشترك بقوله: «نود أن نتحرر من حديث الناس، أن نخرج من هذه الصناديق؛ لذا قررنا أن نقدم فوتوغرافيا تجسد عرضاً أدائياً لأشخاص ناجحين ومبدعين، لم ينالوا قدراً كافياً من التشجيع، ولكنهم فعلياً أنجزوا في النهاية، يرى فيها المشاهد كيف أن المبدع مغلف بأكياس بلاستيكية خانقة، محاولاً عبر فتحة ممزقة.. أن يروا بوضوح نحو النور بتجاه الحُلم».
واللافت في مهرجان سكة للفنون والتصميم، هو الالتقاء المستمر لسؤال الجوهري حول من أكون، وأثر الطفولة في تكوين مشهدية الحياة ككل، تحدثت حولها الفنانة الزينة لوتاه، وهي تصف مراحل متعددة من تجربتها بين الطفولة والمراهقة وعمر العشرينيات، من خلال عمل تركيبي بعنوان «الحركة في الفضاء»، خاصة ما تضمنته الطفولة من تعقيد، وآلية التحرر المتدرجة المبنية على الفرص والتجارب الخارجية، كالتي حصلت عليها في المهرجان، فهي الدافعة لفهم أكثر لتجربتها الشخصية من خلال التواصل والاحتكاك المستمر والفهم، وهو بطبيعته لا يعني نسيان ونكران الماضي، كونه جزءاً من التجربة، ولكنه مع الوقت يفقد قوته على التأثير في الاختيار بين مسارات الحياة الواسعة.
حركة الأفكار
في السياق نفسه، استخدمت الفنانة الشابة مريم الحريز، خيطاً أحمر، ونسجت يدوياً في بعضها وبالآلة في أخرى، على صور فوتوغرافية شخصية لها، في مرحلة الطفولة، ومرحلتها العمرية الحالية، مبينةً أن كل صورة هي فعلياً ذاكرة بحد ذاتها، تتحرك في مساحة العرض، بهدف عشوائي، ما يعكس حركة الأفكار والذاكرة وعبثيتها في آلية عمل الدماغ، إلا أنها تحمل تنظيماً خاصاً فيها، بناءً على حالة الأشخاص وإحساسهم وتفاعلهم مع العرض الفني.
