الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الاستدامة الثقافية.. واقتصادات المعرفة

الاستدامة الثقافية.. واقتصادات المعرفة
2 مارس 2023 01:28

نوف الموسى (دبي)

شكلت القيمة الحضارية للاستدامة الثقافية، ضمن الاستراتيجية الوطنية التنموية لدولة الإمارات، أفقاً واسعاً للإبداع المجتمعي، في التعبير عن جوهر المكونات الثقافية القائمة على إنتاج المعرفة، وآلية نقلها، والإمكانية الفكرية من تداولها، وسط فضاءات نقاشية مفتوحة، تحتفي بالمكان الثقافي والبيئة المجتمعية العامة، والجمهور بذائقته المتنوعة والمتعددة، من خلال الاعتماد على مرجعية المصادر الأولية في التشكل والبناء المعرفي عبر الموروث الثقافي، المحفوظ ضمن الاعتبارات التشريعية للحماية والصون التاريخي، والذي ارتأى بعدها بناء مرحلة متدرجة من التطور التفاعلي بين الإنسان والمكان، قام فيها بنقل المجتمع الإبداعي إلى ممارسة المعاصرة الفنية الثقافية بأبعادها اللانهائية، وبالتالي إتقان المبدعين لعملية نسج المعارف الأولية بالخبرة والتقنية المعرفية الآنية، لصياغة تتمة جديدة للمفاهيم الثقافية بشقيها الفكري والأدائي. 
وقد ساهم ذلك في صياغة مؤشرات نوعية، من شأنها أن تتنبأ بأبعاد مستقبلية لماهية تأثير الثقافة في إلهام إنتاج المعارف الحديثة، في ضوء تعاقب سيرورة الأجيال، ومدى استدامتها في إمكانية إحداث الانتقال الحضاري دونما فقد لقيمتها الإنسانية، أمام تحديات العالم الراهنة، إلى جانب مكامن قوتها في تعزيز انفتاح الهوية المجتمعية، وفق انسجام يألف الحوار، باعتباره الوسيلة الأسمى لابتكار البرامج والمشروعات، وتكوين البنية الفلسفية لدور المعرفة الثقافية وتطورها من خلال تبني منهجيات متقدمة مثل «الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية» التي باتت تمثل إحدى الركائز التنموية في منظومة الاقتصاد الإبداعي.

الدعم المعرفي
وتعريف الاستدامة الثقافية، في المنجز التنموي لدولة الإمارات، امتد إلى مسارات واسعة من الاشتغالات والاتفاقيات الدولية، يتصدرها توثيق وتسجيل المكون الثقافي للمجتمع المحلي بتنوعه واتساعه، وصولاً إلى دعم البيئات الثقافية الحضارية، بمختلف الدول العربية وفي بقية العالم، حيث شهدت المؤسسات الثقافية الوطنية الكُبرى في الدولة، علاقة ممتدة مع قطاعات الدعم المعرفي والترميم المعماري وبناء المنصات وتأسيس المجتمعات الإبداعية الحيوية، من خلال دعم المبدعين المحليين، واستقطاب المواهب ورواد الأعمال، مع التركيز على أهمية البحث عن آلية تطوير مستدامة للمشروعات الثقافية بسياقاتها الجديدة التي تتطلب الاهتمام برسوخ المُنتج الإبداعي بهيئته الحديثة، وتتيح فرصة لقراءة أثر المنتج على الفعل والحوار الثقافي، وصولاً إلى ثباته في التجربة المعرفية للإنسان، والإقبال عليه كجزء حيوي من ثقافة الاقتناء والتداول، سواء كان المنتج الإبداعي مادياً (ملموساً) أو فكرياً.

الاقتصاد الإبداعي
ومن هنا، فإن المقومات الرئيسية للمشروعات الثقافية المستدامة، تدور حول مستوى المهارة العلمية والتقنية للمحيط الفكري الإبداعي العام، ومدى إدراك تكامله مع القطاعات التنموية الأخرى، وفقاً للتدابير المتبعة في مجال تنمية الاقتصاد الإبداعي، المعنية بمراقبة نمو الصناعات الثقافية والإبداعية واستدامتها في القطاعات العامة والخاصة.

مشاريع مستدامة
وفي هذا المقام، قال مبارك الناخي، وكيل وزارة الثقافة والشباب: «لطالما أولت دولة الإمارات أهمية كبرى للمشاريع المستدامة لإدراكها بأن ما ينجز اليوم يجب أن يبقى مستمراً للأجيال المقبلة، وهو ما يعبّرُ عن رؤية تنموية شاملة طالت مختلف القطاعات الحيوية في الدولة، وسعت الوزارة إلى مواكبته وتحقيقه من خلال طرح وتبنّي مشاريع مستدامة تخدم الإنسان في حاضره ومستقبله، محلياً وعالمياً».  وقال: «الثقافة جزء أصيل من مكونات التنمية للمجتمعات، والركيزة الأساسية للهوية الوطنية، وفي العام 2015 تم إدراج الثقافة لأول مرة ضمن جدول الأعمال الدولي للتنمية المستدامة ضمن أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الأمم المتحدة. وبناء على هذا التوجّه وضعت دولتنا أهدافاً طموحة تعنى بالاهتمام بالثقافة وقطاع الصناعات الثقافية والإبداعية الذي يمتلك تأثيراً فاعلاً على مستوى الاقتصادات الوطنية، ومختلف أشكال الحِراك الثقافي، الأمر الذي يسهم في التأكيد على أن الثقافة عامل تنمويّ مهمّ وله أبعاد مستدامة غاية في الأهمية». 

الاستراتيجية الوطنية
وأضاف الناخي: «وتعتبر المبادرات والمشاريع التي تضطلع بها الدولة وتتعاون فيها مع مختلف المنظمات العربية والدولية أمثلة على الثقافة المستدامة، ونذكر منها مشروع إحياء روح الموصل، وما تقوم به الدولة من جهود حثيثة في سبيل الحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي للمجتمعات وتسجيل عناصرها في قوائم اليونيسكو الرسمية، إضافة إلى الدفع باتجاه تعزيز أهداف التنمية الثقافية المستدامة. كما تعمل الوزارة وبالتوازي مع جهودها خارجياً على العديد من المشاريع والمبادرات التي تساهم في تحقيق الاستدامة الثقافية محلياً، وتعزّز مكانة الدولة عالمياً في هذا المجال، ومن بين تلك الجهود إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية، ومبادرة (أبدع) التي تضم تحتها مبادرات ومشاريع طموحة منها (أبدع مسرح) و(أبدع نشر)، إضافة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها الوزارة لتقديم التسهيلات اللازمة للمبدعين والموهوبين وصناع المحتوى وتوفير البنية التحتية الملائمة لهم لاستقطابهم والارتقاء بما يقدمونه من إبداعات، إلى جانب العمل على تعزيز الأصول الثابتة للسياحة الثقافية محلياً، وكلها جهود مستمرة تسهم بشكل كبير في تحقيق الاستدامة الثقافية للدولة على المستويين المحلي والخارجي».

مشاريع ومبادرات
ومن جهتها، أكدت هالة بدري، مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، أن دعم الاقتصاد الإبداعي يمثل إحدى الأولويات القطاعية الرئيسية لاستراتيجية «دبي للثقافة»، مشيرة إلى أن الهيئة برئاسة سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، سعت -ولا تزال- لتطوير مشاريع ومبادرات متنوعة تشكل ركائز أساسية في نمو الصناعات الثقافية والإبداعية في دبي، بهدف تحقيق الاستدامة الثقافية في الإمارة.

وقالت: «تكتسب الصناعات الثقافية والإبداعية في دبي أهمية متزايدة، حيث ارتفعت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة من 4.0% في عام 2018 إلى 4.1% في 2021، ما يؤكد أهمية دور الصناعات الثقافية والإبداعية في تحقيق مستهدفات استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وتحقيق رؤية دبي الثقافية الهادفة إلى ترسيخ مكانة الإمارة مركزاً عالمياً للثقافة، وحاضنة للإبداع، وملتقى للمواهب».

سلسلة قيمية
ونوّهت بدري إلى أن منظومة الصناعات الثقافية والإبداعية تقوم على سلسلة قيمية، تتألف من 4 عناصر رئيسية، هي: الابتكار، والإنتاج، والتوزيع، وقنوات النفاذ للمنتجات والخدمات الناتجة هذا القطاع، مشيرة إلى أن تقوية هذه العناصر تساهم بشكل فاعل في تحقيق الاستدامة الثقافية. وأضافت: «تعمل (دبي للثقافة) على إيجاد منظومة متكاملة مدعومة بمحفزات وبرامج تمويلية بالتعاون مع شركائها في القطاعين الخاص والعام، لتشجيع الصناعات الثقافية والإبداعية، وتلبية متطلبات المبدعين من جميع أنحاء العالم، وتوفير فرص عمل تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي ورفد الناتج المحلي للإمارة». 

استدامة الإبداع
قالت هالة بدري: «تكثف (دبي للثقافة) جهودها لتعزيز القطاع الثقافي والإبداعي في الإمارة، من خلال تطوير وتفعيل مجموعة من الشراكات الرئيسية والمشاريع والمبادرات الرامية للارتقاء بجاذبية دبي، وضمان استدامة أعمال المبدعين فيها، إلى جانب استقطاب المواهب وتحفيزها على تأسيس أعمالها في الإمارة، من خلال فتح أسواق جديدة مستهلكة للمنتج الإبداعي».
ولفتت مدير عام «دبي للثقافة» إلى أهمية الاستثمار في قطاعات الصناعات الثقافية الإبداعية، ودورها في دعم أداء القطاعات الأخرى، قائلة إن «الصناعات الثقافية والإبداعية تُعد من أهم دعائم أجندة الإمارة لخلق فرص وظيفية جديدة، وترسيخ ثقافة ريادة الأعمال، ما يؤثر إيجاباً على أداء القطاعات والصناعة والأنشطة المرتبطة بالسياحة والتجارة والأنشطة العقارية والنقل والتخزين، وغيرها من القطاعات الرئيسية».

ازدهار الصناعات الثقافية
أكدت  مدير عام «دبي للثقافة» أنه: «من خلال إطلاق منطقة القوز الإبداعية والتأشيرة الثقافية وغيرها، عملت (دبي للثقافة) على خلق بيئة ثقافية مستدامة عبر تطوير بنية تحتية متكاملة، تساهم في تمكين المواهب ورواد الأعمال وازدهار الصناعات الثقافية والإبداعية، كما سعت لإيجاد سبل تمويل جديدة ومبتكرة تساهم في توجيه الاستثمار نحو الاقتصاد الإبداعي، وتدعم رواد الأعمال، بالإضافة إلى تأسيس مجموعة شبكات اجتماعية لضمان التواصل المستمر مع المجتمع الإبداعي، والتعرف على احتياجاته ومتطلبات نموه، كما عملت أيضاً على خلق إطار تصنيف اقتصادي متكامل بمعايير عالمية، قادر على قياس أداء الاقتصاد الإبداعي ورصد أداء القطاع الثقافي».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©