السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

القراءة.. أسلوب حياة

القراءة.. أسلوب حياة
9 مارس 2023 01:08

محمد عبدالسميع

يبرز فعل القراءة، كتحدٍّ كبير للمشروع الثقافي العربي، وقد قطعت الإمارات شوطاً كبيراً في ذلك، وحققت ريادةً ونسب قراءة مرتفعة وجديرة بالاحتفاء من خلال مبادراتها ومشروعاتها التي لم تكن فقط محليّةً وإنّما توخّت أيضاً تعميم الفائدة والمردود في كل العالم العربي، حيث اجتذبت قطاعات واسعة من الناس للمشاركة في هذه المبادرات والمؤتمرات التي أخذت الطابع المؤسسي المنتظم.
ومن خلال مؤشر الإمارات الوطني للقراءة عام 2021، فقد وصل متوسط عدد الكتب المقروءة سنوياً في الإمارات بين الأدباء إلى 10 كتب، و6 كتب بين الأفراد البالغين، فيما أشار 81.1% من الذين شملهم المسح إلى أن هناك تشجيعاً من الوالدين أو من أحدهما على القراءة منذ الطفولة، فيما تبيّن من الدراسة أن الوافدين من أوروبا وأميركا هم الأعلى تشجيعاً للأبناء على القراءة بنسبة 88%، يليهم الإماراتيون بنسبة 84.9%.
وبحسب منظمة اليونسكو، فقد وصلت نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة بين الفئة العمرية 15-24 إلى 98.2% وبين الفئة العمرية من 65 سنة فأكبر إلى 87.1%، وهي أرقام جديرة بالقراءة والاطلاع والتصرّف في ضوئها على مستوى العالم.
والحال أن القراءة أسلوب حياة في مجتمع الإمارات، لأنها أداة أساسيّة في طريق التمكين المعرفي، ويدلّ هذا أيضاً على نهج الإمارات المتواصل في الاهتمام بالقراءة ومتابعة زيادة معدلاتها وتعزيز آثارها على الفرد والمجتمع والوطن وحضارة الأمّة بشكل عام.
وفي هذا الاستطلاع لـ«الاتحاد الثقافي» مع عدد من المثقفين والأكاديميين والشباب متنوعي الاهتمامات، كان ثمّة تأكيد على حرص القيادة الرشيدة على تعزيز القراءة وترسيخ ثقافة العلم والمعرفة، من خلال العديد من المبادرات والحملات، مثل حملة «أمّة تقرأ»، وعن طريق إنشاء مكتبات متخصصة مثل مكتبة الشيخ محمد بن راشد، ومعارض كتاب لافتة مثل معرضي أبوظبي والشارقة الدوليين، تلقى إقبالاً كبيراً وتشهد فعاليات قرائيّة منتظمة، انطلاقاً من رؤية ثقافيّة وحضاريّة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجهود التنمية الشاملة التي تدخل الثقافة والمعرفة عاملاً مهماً فيها، في ظلّ العزوف عن القراءة، لدى بعض الشرائح، في العديد من البلدان، بسبب انتشار ثقافة الشاشة ووسائل التواصل، ما يدعو فعلاً للقلق من انتشار أميّة القراءة على مستوى العالم.

مؤشر الإمارات للقراءة
بدايةً، يقول فهد المعمري، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمكتبات والمعلومات، إنّ دولة الإمارات دائمة التشجيع على القراءة والاهتمام بها، بحرص ورؤية سديدة من القيادة الرشيدة، لترسيخ العلم والمعرفة، بمبادرات وسلسلة مشروعات ثقافية وفكرية ومعرفية، وقد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال حملة «أمّة تقرأ».
ويشير المعمري إلى إعلان وزارة الثقافة عام 2022 نتائج مؤشر الإمارات الوطني للقراءة 2021، الذي كشف نسباً مهمة، منها أنّ متوسط عدد الكتب المقروءة سنوياً في الإمارات بين الأدباء هو 10 كتب، و6 كتب للأفراد البالغين.
وفي مجال الأدب ومجتمع الأدباء، كان متوسط عدد الكتب المقروءة لغير الإماراتيين 12 كتاباً مقارنة مع 9 للإماراتيين، كما أفاد 92.1% من المشاركين بأنهم من محبي قراءة الأدب الإماراتي. ورأى 66.2% من الأدباء أن الأدب الإماراتي يُشبع ذائقة القرّاء ويلبي احتياجات المجتمع، واعتبر 80.1% منهم أنّ الأدب المحلي يعكس المشهد والحراك الثقافي والمجتمعي، فيما أكّد 90.1% من مجتمع الأدباء أنّ ترجمة الأدب الإماراتي ونقده يحفزان على قراءته، وأنّ متوسط عدد الكتب المقروءة سنوياً لدى الطلبة هو 12 كتاباً. كما رأى 91.2% من الطلاب أن المبادرات والمشروعات المعرفية والثقافية التي تطلقها الإمارات تشجع على ممارسة القراءة، وكشف 74.8% من الطلاب أنهم يقرؤون من مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي.

تنمية القيم الوطنية
ومن جانبها، تؤكّد فاطمة الحمادي، الباحثة وأستاذة الدراسات العليا بجامعة العين، أنّ ميزة القراءة تكمن أنّها تفتح آفاقاً جديدة، وتنمّي الخيال، واللغة والإبداع، باتجاه بناء إنسان واعٍ ومدرك لما يدور حوله، بالإضافة إلى أنّها تزرع داخلنا الإخلاص للوطن والقيم الجميلة التي تنبت أطيب الثمار على شكل ثقافة وعلم وتفكير. فالقراءة تهذب وتبني أجيالاً مبدعة، وقادرة على حمل الأمانة وإكمال المسيرة، ومن هنا كان لابدّ من المواكبة والسير الدائم في مشروع القراءة.

اللغة وتعدد الثقافات
وترى الناقدة الدكتورة مريم الهاشمي أنّ فن القراءة هو الأكثر إنسانيةً، فيما القارئ هو المواظب على الحقيقة والطامح إلى عناوين متجددة من الكتب على أرفف مكتبته، أو في ذاكرته، مقارنةً بين الحياة مع القراءة ومن غير القراءة، حين تكون كئيبةً ورتيبة لا تنمّى فيها معرفة العقول والعادات والمجتمعات والرؤى والأفكار.
وحول القراءة والشباب، تقول الهاشمي إنّ القراءة قد تكون حاضرة لدى هذه الشريحة، ولكنّها قد لا تكون بالضرورة باللغة العربية الأم، وهذا ما يقودنا إلى البحث في إشكاليّة اللغة الأم والتحدث باللغات الأجنبية، مع أننا نقول دائماً إنّ اللغة العربية هي أساس الهوية وركيزتها الأساسية.
وتعترف الهاشمي بأنّ العالم اليوم أصبح متعدد الثقافات، وأنّ القراءة فيه باتت لأكثر من لغة أو ثقافة، متحدثةً عن التاريخ اللغوي كمظهر من مظاهر تاريخ العالم، ومن ثم يحتاج إلى «إدارة التعدد اللغوي»، حيث التعددية قدر مشترك، والحضارات التي تريد الاستمرار تحافظ على لغتها دائماً. وترى الهاشمي أنّ مواقع التواصل الاجتماعي من أحدث المنتجات الإعلامية التي أفرزتها تكنولوجيا الاتصال وأكثرها شعبية، متطرقةً إلى عصر ثقافة الشاشة التي اتسعت فيها درجات استخدام اللغة لتكون مظهراً كونيّاً يشترك فيه الكلّ مع الكلّ، من دون أن يكون ذلك محدداً في بيئة تواصلية مؤطرة.
وتقول إنّ اللغة اليوم تتآزر مع قوة الشاشة في برمجة التصورات الذهنية وتسهيل تغلغلها في الأبصار والأسماع والأذهان، لتتعمق التصورات فتتحول إلى العادي والطبيعي، باعتبار اللغة علامة ثقافية زمنية مهمّة.
وتعرب الهاشمي عن أسفها لأن هذا الضخّ المتصل خلال ثقافة الشاشة قد يعاني معه البعض من فقدان اللغة قدراتها الحقيقية ومكانتها المثلى، كأكبر عنصر من عناصر الهوية. ومع أنّ القراءة ضرورة ملحّة، كما ترى، إلا أنّنا يجب أن نبحث عن القراءة الحقيقية والمؤثرة في محو أميّة العقول، باعتبارالإنسان كائناً خلاقاً لا يرضى بالجمود، ولهذا، فالقراءة فعل مهم للتنوير الإيجابي المستمر ومعرفة الحقيقة وتطوير أو توسيع مدارك الإنسان، فضلاً عن كون القراءة محاولة تفريغ للأحلام والنهوض، وأساساً لصنع الحضارة.

القراءة والتواصل الاجتماعي
وترى عايدة الشامسي، باحثة دراسات عليا في علوم الابتكار واستشراف المستقبل، أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد سرقت القارئ أحياناً من القراءة، فأخذته من وقت كان يخصصه للقراءة والاطلاع والمعرفة، فاختفت الجداول الورقيّة التي كانت تتضمّن وقتاً للاطلاع اليومي، وهو ما يجعلنا ننظر إلى آثاره وندرك أهميّة القراءة لدى المجتمع والشباب.

عام القراءة وشهر القراءة
ويشير مهند العنزي، لاعب منتخب الإمارات لكرة القدم، إلى تسمية عام 2016 عاماً للقراءة في الإمارات، لترسيخ ثقافة القراءة وترجمة الجهود الوطنية في زيادة الأوقات المخصصة لها وترسيخ الدولة كعاصمة للثقافة والمعرفة، ويدخل في ذلك أننا نقوم من خلال القراءة بتربية جيل قارئ شغوف بالمعرفة، وفي هذا السياق يأتي قانون القراءة في الإمارات، والاهتمام بما لمسناه من جهود من خلال «شهر القراءة» المتجدد في مثل هذا الشهر من كل عام.

استراتيجية شاملة
وتقول الدكتورة والكاتبة الأردنية مرام جرادات من جامعة العين، إنّ الإمارات تسير بخطوات مستمرة لتعزيز ثقافة القراءة، وقد حققت منجزاً قرائيّاً مهمّاً، مشيدة بالجهود الكبيرة في هذا المجال، كما في إطلاق مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم كأضخم مكتبة من نوعها تضمّ أكثر من 4.5 مليون كتاب ما بين ورقي وإلكتروني وسمعي، وتهدف إلى دعم وتعزيز الاستراتيجية الشاملة للدولة في القطاع الثقافي والمعرفي، ورفع مستوى الثقافة والمعرفة في العالم العربي، بالإضافة إلى غرس شغف المعرفة وحبّ الاطلاع لدى النشء، وهو ما يجعل هذه المكتبة نموذجاً رائعاً في الاهتمام بالقراءة والمكتبات وتحفيز الشباب وكافة شرائح المجتمع على القراءة والتزوّد بالمعرفة والعلم وتنمية العقول والوجدان واتساع المدارك.

تحدي القراءة العربي
يؤكد الباحث محمد قدورة أنّ القراءة أسلوب ثقافي وحضاري مهم، كما أنّ المعرفة هي أساس البناء وتحقيق الأهداف والغايات الوطنية، وتعزيز رفاهية الشعوب، مشيداً بمستوى القراءة في الإمارات الذي تتزايد وتيرته بشكل لافت، وخصوصاً لدى فئة الشباب والأطفال، وفي هذا المجال تبرز المبادرات المشجّعة على القراءة والاهتمام بها، ذاكراً مبادرة «تحدي القراءة العربي» الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كأكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في عموم العالم العربي عبر التزام كلّ طالب بالمشاركة في قراءة خمسين كتاباً في كلّ عام دراسي، وهو ما ساعد في جذب الكثير من الشباب والأطفال داخل الإمارات وخارجها للقراءة، وكلّ ذلك جهد وطني وعربي مهم ومدروس وله تأثيره الذي تلمسه الأجيال.

معارض الكتاب
يقول الناشر والكاتب أمجد ياسين إنّ القراءة، وبعد جائحة كورونا 2020، أصبحت من أساسيات اهتمام الشباب، لافتاً إلى دور معارض الكتاب وفعالياتها القرائية والثقافية في أبوظبي والشارقة والعين والظفرة و«شهر القراءة» و«تحدي القراءة العربي»، في الفعل القرائي، على سبيل المثال حقق معرض الشارقة الدولي للكتاب نسبة إقبال كبيرة في دورته السابقة، باجتذاب 2.17 مليون زائر، كرقم يجسد الاهتمام الحقيقي بالقراءة. ويشير ياسين أيضاً إلى أنّ منصات الناشرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لديها الكثير من المتابعين الشباب، ولهذا، فقد نجحت دولة الإمارات في جعل القراءة أسلوب حياة لدى الشباب والأطفال من خلال المبادرات المتنوعة في الإمارات طوال العام.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©