الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نور السويدي: الشمس للجميع.. القمر لك!

الفنانة نور السويدي بجانب بعض أعمالها (من المصدر)
8 يونيو 2023 01:22

نوف الموسى 
عندما تختار الأعمال الفنية، أن تُعبر عن نفسها، بشاعرية خاصة وممتدة، فلا يُمكن للمتلقي سوى الانضمام والتروي نحو اكتشاف الحس من فعل الحركة والزمن في عمق تجربة الفنان وعفويته الخالصة، إذ إن الحدس بطبيعته لا يحفز المشهدية الفنية دونما اتصال حيّ بين الأشخاص والفضاء العام. فكل شيء في الحياة برمزية الإبداع، إنما هو تأكيد على أن الكون هو سريان شعوري نستمد منه إلهامنا، وإلا ما السبب الذي يدعو الفنانة الإماراتية نور السويدي لأن تضع عنواناً شاعرياً ملهماً لمعرضها الفني الفردي الجديد «الشمس للجميع.. القمر لك» الذي أقيم في «جوسا من السركال» بالسركال أفنيو بمدينة دبي، سوى أنها تود أن نتحرك في مدارات الإلهام اللانهائية حول لوحاتها التسع، بتجريد رفيع، وألوان تطفو على سطح اللوحة، قد تحمل انطباع التضاريس في النظرة العابرة للأشياء، بينما تتميز بشكل جاد في كونها مرايا شخصية للعالم.
وقد يتراءى لك كمتلقٍّ في أعمال «الكولاج»، أن الفنانة نور السويدي ترسمك، تضع فيك جُملاً من الطبيعة، تعيدك إليك بنفَسٍ شعري، حيث تقول: «هكذا يخيل إليهم، ولكنني في الحقيقة أتحدث بلغة تستفيض بها روحي نحو المساحات المشتركة، لإثراء حيز الحوار بيني وبين ذاتي، وبيني وبين الآخر، وبيني وبين الطبيعة، إنه بحثٌ عن المعنى فيما أود أن أسميه حُباً، في المخيال الفني والأدبي والإنساني».

إثراء نوعي
والفنانة نور السويدي مواليد عام 1981، من إمارة أبوظبي. وقد قدمت عبر 14 عاماً من العمل كفنانة وقيّمة للمعارض ومنتجة ثقافية، إثراءً نوعياً لقطاع الصناعات الإبداعية على مدى عقدين، حيث نظمت معرضها الفردي الأول في عام 2011 في كورك ستريت غاليري في مايفير بالعاصمة البريطانية لندن. وفي حوار مع «الاتحاد» تتحدث هنا عن الوعي بالفعل الفني الاحترافي، وقيمته الجوهرية في المرحلة الراهنة، من التحولات الثقافية التي يشهدها الفنانون الإماراتيون الشباب، مبينةً أن المنصات الفنية في دولة الإمارات، باتت تؤدي دوراً تفاعلياً، يبني نسقاً فنياً مبهراً واستثنائياً، يحاكي الوعي الجمالي والمعرفي، سواء ما تشهده العاصمة أبوظبي من حضور لمنصات عرض ومشاريع ثقافية كُبرى، وما توفره مدينة دبي من إقامات واستوديوهات فنية، والإيمان بفعل المجتمع والحي الفني، وما تهديه مدينة الشارقة من تواصل بين البنى الثقافية الحضارية المتنوعة، من خلال برنامج متواصل، يستمد من المدينة هويتها المتفردة، مضيفةً أن ما نحتاجه اليوم بشكل أساسي هو استحضار التفاعل المجتمعي، وتعزيز التكامل بين لغة الفنان وعلاقته بالجمهور، أن نجعل من المساحات الفنية لقاءً مستداماً وجزءاً رئيسياً من أفق الحياة الاجتماعية.
تجربة بصرية
ومن هنا فإن معرض «الشمس للجميع.. القمر لك»، لم يكتفِ بعرض أعمال فنية، وإنما جاء متضمناً لبرنامج ثقافي مصاحب للمعرض، مقدماً حلقة نقاشية بعنوان «من الاستوديو إلى المجتمع»، وورشاً تعليمية للأطفال تركزت على فن صناعة «الكولاج» ليس كممارسة فنية وبصرية فقط، بل هدفت إلى أن يستشعر الأطفال من خلال الورشة أنهم جزء من الحالة الإبداعية للفنان والمجتمع الفني ككل. 
وقد استوقفني جداً ما ذكرته الكاتبة ميرنا عياد، المتخصصة في مجال الكتابة الثقافية الفنية، من خلال نص سردي يصف لوحات الفنانة نور السويدي، وتحديداً أثر خربشات لملاحظات باللغة العربية كانت رسمتها نور السويدي أثناء دراستها في صفوف الرسم التوضيحي، خلال دراستها الجامعية في الجامعة الأميركية بواشنطن العاصمة (2001- 2004)، حيث حضر ذلك في أعمالها الفنية الحالية.

واللافت في الأمر، أن تلك الدروس كانت تقام في صفوف مواجهة لاستوديوهات تعليم الرقص في الجامعة، وسط احتواء الدورة الدراسية الفنية لمناقشات لوحات البالية الانطباعية للفنان التشكيلي الفرنسي إدغار ديغا، وأيضاً الحياة المسرحية لألوان الفنان الفرنسي أنري تولوز لوترك، وإبان ذلك انطلقت الفنانة نور السويدي أكثر في استشفاف حركة الجسد، موضحةً ذلك بقولها: «بدأت أرى أوجه التشابه بين طبيعة منحنيات الخط العربي، ومنحنيات الجسد، على رغم أن الجسد كان يمثل تحدياً بالنسبة لي لتصويره، إلا أنني وجدت أنه ممتع، من الناحية الجمالية والحسية، بكل خطوطه، ومنحنياته وتفاصيله».
رمزية الهوية
وقالت الفنانة نور السويدي في هذا الصدد: «إنه ليس خطاً عربياً بالمعنى المتعارف عليه، ولكنها رمزية الهوية وبصمتك الخاصة، إشارة إلى خط اليد والطريقة التي تكتب بها، والتي تعكس محاولة حميمية للاتصال، عندما كنت أعيش شعور الغربة في الخارج أثناء دراستي، كانت خربشاتي بالعربية والاستماع إلى الأغاني العربية أيضاً بمثابة محاولة جمالية في البحث عن شعور دافئ قادني بعفوية مطلقة نحو الإبداع وإدراك قيمة ذلك في إحداث التواصل بيني وبين بيئتي ومجتمعي والعالم». 
عفوية الإبداع
هناك الكثير من المدارس الفنية، تؤمن بذكاء عفوية الإبداع، التي قد تظهر إبان الممارسة الفنية. وبالنسبة للفنانة نور السويدي، وصفت تلك الحساسية المرهفة لعفوية الإبداع، بشيء يشبه الفطرة، فبينما هي تحضر الأشكال الورقية، وتلعب معها، يحدث أن القطعة الواحدة تبدأ باختيار موقعها من ذاتها في لوحة «الكولاج» لمجموعة «حُبّ الذات»، لافتةً إلى أن المتلقي والمتابع للأعمال قد يعتقد أنها تعمدت رسم الأشكال واختيار مواضعها في اللوحة، إلا أنها في الحقيقة تتحرك من تلقاء نفسها، وما الفنان سوى جسر الاتصال بين ما تريده تلك القطع منه، وبين حاجة روحه للتعبير وتطوير الحالة الفنية، التي اطلع عليها أكثر من 200 زائر، طوال الـ10 أيام المتواصلة التي أقيم فيها المعرض، وتخيلوا عبرها الكثير من التصورات لأشكال الحياة البرية للحيوانات والنباتات وطبيعية الجغرافيا والمناخ وغيرها، والذي ألهم الفنانة نور السويدي باتجاه تطوير المشروع الفني إلى تصميم منحوتات ثلاثية الأبعاد لأعمال الكولاج، حيث تكون لها أبعاد أوسع في التجربة الحسية للمتلقي.

السمة المفاهيمية
وثقت الكاتبة ميرنا عياد مسألة قطع الكولاج الخاصة للفنانة نور السويدي بأنها تحمل السمة المفاهيمية، ببعدها التصويري والتجريدي، ويظهر ذلك في طريقة القص والصب لهذه الأعمال، مرجحة فكرة أن دروس النحت الفنية التي شاركت بها السويدي، ساهمت في صقل التعاطي المباشر مع الكتلة الواحدة التي عادة تصقل صانعها لا العكس، وحول هذا قالت الفنانة نور: «لا يمكنني مزج الألوان أو الارتجال، ولذا فإن الصورة المجمعة هي التي تتحكم بي وليس العكس». وتابعت: وكل هذا يتدفق بشكل طبيعي للغاية، فبينما تتبع العين اللوحة القماشية، فهي ترى الانسجام والتوتر معاً، ففي كل مرة ينظر المتفرج فيها إلى اللوحات، سيجد لحظات متجددة، وهذا ما أسعى للوصول إليه، سواء في صنع أعمالي أو في إعادة النظر إليها. 
سيرة فنية
عرضت الفنانة نور السويدي أعمالها في صالات العرض في عدد من المدن، ومنها برلين وإسطنبول والكويت وواشنطن، إلى جانب مشاركتها في معارض نظمت في جميع أنحاء دولة الإمارات. وفي الفترة من 2018 إلى 2022، عملت السويدي في معرض الفن أبوظبي، وقد شاركت كفنانة دولية مقيمة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وشمال أفريقيا، وتعاونت مع العديد من العلامات التجارية، بما في ذلك شركة صناعة الساعات السويسرية الشهيرة «سواتش» في الاحتفال بتنظيم معرض «إكسبو دبي 2020». ويمكن العثور على أعمالها في مؤسسة برجيل للفنون «الشارقة»، ومؤسسة أبوظبي للموسيقى والفنون، وفي مجموعات خاصة بارزة. وتحمل البكالوريوس في «فن الاستوديو» من الجامعة الأميركية في واشنطن العاصمة، ودرجة الماجستير في «تنسيق التصميم المعاصر» من جامعة كينغستون بلندن.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©