الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كتاب يبحث في «طعم التغيير والانتقال البيئي»

كتاب يبحث في «طعم التغيير والانتقال البيئي»
8 يونيو 2023 01:22

إميل أمين
عن دار النشر Slow food editor الإيطالية، صدر حديثاً هذا الكتاب، والذي قام بكتابة مقدمته البابا فرنسيس، وهو يطرح سؤال: ما علاقة طعم التغيير، بالتغير البيئي والنظام الاقتصادي العالمي؟ هذه هي رسالة هذا الكتاب، والتي تتمحور في عبارة جوهرية واحدة:«علينا أن نغير علاقتنا بموارد الأرض التي ليست لا متناهية»، على حد تعبير البابا فرنسيس.
تبدو المفارقة الأولى في هذا العمل متمثلة في المؤلفين، واللذين يمثلان توجهين متضادين، إن لم يكونا متصادمين بالضرورة من حيث الموضوعية.
الأول هو «غاييل جيرو، الراهب اليسوعي المثقف، الاقتصادي وعالم الرياضيات، الأستاذ في جامعة جورج تاون الشهيرة في واشنطن، والذي يبلغ السبعين من عمره. أما الثاني، فهو «كارلو بيتريني» المفكر صاحب الذوق المهني، مؤسس الحركة الدولية للطعام البطيء، وأول جامعة لعلوم تذوق الطعام، ويعد أحد أهم المنظرين العالميين للتحول البيئي والمترجم المخلص للبابا فرنسيس، والذي قام على ترجمة رسالة البابا البيئية الشهيرة Laudato si «كن مسبحاً»، وهو مبتكر الشبكة العالمية المعروفة باسم Terra Madre أو«الأرض الأم»، وتضم آلاف المزارعين والصيادين والمربين والمنتجين من 150 دولة حول العالم، ويبلغ 50 عاماً. المفارقة المهمة والحيوية في قصة الكتاب، هي أن المؤلف الأول مؤمن إلى أقصى درجات الإيمان، بينما نجد الثاني على العكس منه تماماً.

احترام البيئة  
ما الذي يجمع المؤلفين؟ تبدو قضية المسارات التشغيلية للتنمية الاقتصادية المستدامة، هي جوهر هذا العمل الفكري، وفيه ينتقد المؤلفان مفهوم الرخاء السائد اليوم، حيث تتم التضحية من أجل الناتج المحلي الإجمالي بكل جانب من جوانب العيش معاً يعتبر الناتج المحلي الإجمالي، وفي مقدمة الأشياء المضحى بها احترام البيئة، واحترام الحقوق. يسعى غابرييل جيرو، بأفكاره في طريق إعادة بناء الرؤية التي رسخ بها مفهوم الناتج المحلي الإجمالي تاريخياً، باعتباره المعيار الوحيد للحكم على صحة اقتصاد الأمة.
وتتوقف صفحات الكتاب بنوع خاص أمام النموذج الاقتصادي الغذائي العالمي الحالي، والذي تمليه العقيدة النيوليبرالية التي يثبت كل يوم أنها غير مستدامة، بالنسبة للكوكب والأشخاص الذين يعيشون فيه. ليس من قبيل الصدفة إذن أن يكون عنوان الفصل الأول «نهاية عالم». وحسب «كارلو بيتريني» أن ما يعيشه العالم اليوم هو:«نظام عالمي مفلس، فهناك ما يقرب من 900 مليون شخص يعانون من سوء التغذية في العالم ممن لا يضمن لهم الأمن الغذائي. عطفاً على ذلك، هناك نحو 200 مليون يتضورون جوعاً بالمعنى الحرف للكلمة، ومع ذلك في هذا العالم نفسه، يعيش مليار و700 مليون شخص يعانون من الإفراط في التغذية والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية، أي قرابة 12% من سكان الكوكب.
تبدو اللحظة الكونية الآنية، كلحظة من الجنون الذي يغرق فيه العالم، فوفقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة في عام 2030 ستكون النسبة المئوية للأشخاص الذين سيعانون من الجوع هي نفسها في عام 2015، وهذا يعني أنه على الرغم من الخطب والكلمات الكثيرة والوعود، لم يتغير شيء. ويندد غاييل جيرو بعدم استدامة نظام الائتمان الذي لا يزال مكشوفاً للغاية في دعم الاقتصاد الأحفوري.
جيرو يرى أن مطالبة البنوك العالمية المقرضين بالعمل فقط في الأسواق الخضراء من الآن فصاعداً، من دون إعفائهم من تعاطيهم المالي السابق للوقود الأحفوري، سيؤدي إلى تفاعل البنوك بشكل سلبي، ما يضيف فشلاً جديداً في طريق التحول البيئي حول الكرة الأرضية.
رؤية البابا
هل كان تقاطع فكرة هذا الكتاب مع رؤية البابا فرنسيس للبيئة، والتي لم ينفك يعمل عليها، هو السبب في كتابته مقدمة هذا العمل المهم في هذا التوقيت الأهم؟
كتب البابا فرنسيس في المقدمة يقول: «إن الخير الذي يبدو جميلاً يحمل معه سبب وجوب القيام به، وهذه هي الفكرة الأولى التي تتبادر إلى ذهني بعد قراءة هذا الحوار الجميل بين «كارلو بيتريني» و«غاييل جيرو».
لماذا يقول فرنسيس ذلك؟ لأن قراءة هذا النص ولدت لديه طعماً حقيقياً لما هو جميل وصالح، أي طعم الرجاء والأصالة والمستقبل. وعنده كذلك أن ما يقدمه المؤلفان في هذا الحوار، هو نوع من «السرد النقدي»، فيما يتعلق بالوضع العالمي. يستحسن فرنسيس تطوير المؤلفين تحليلاً منطقياً وصارماً للنموذج الاقتصادي والغذائي الذي نغوص فيه، والذي يذكرنا بالتعريف المشهور للكاتب الإيرلندي الشهير، «أوسكار وايلد»، «يعرف ثمن كل شيء، ولا يعرف قيمة شيء».
يبدو البابا فرنسيس واقعياً حين يقطع بأن المؤلفين يقدمان العديد من الأمثلة البناءة والخبرات الراسخة، كذا الأفكار الفردية، للعناية بالخير العام. ويفتح البابا في مقدمته مساراً فكرياً للمقاربة بين الأجيال القديمة ونظيرتها الحديثة، ويقطع بأن الأجيال الجديدة لديها دوافع ثابتة للثقة والرجاء. 
يقول البابا فرنسيس: «عادة نتذمر نحن الكبار من الشباب، لا بل نكرر أن الأوقات الماضية، كانت بالتأكيد أفضل من هذا الحاضر المضطرب، وأن من سيأتي بعدنا يبدد إنجازاتنا، لكن علينا أن نعترف بصدق أن الشباب هم الذين يجسدون شخصياً التغيير الذي نحتاجه جميعاً بموضوعية، إنهم هم الذين يطلبون منا في أجزاء مختلفة من العالم أن نغير موقفنا تجاه أنماط الحياة المفترسة الموجهة للبيئة، وأن نغير علاقتنا بموارد الأرض التي ليست لا متناهية، وأن نغير موقفنا تجاه الأجيال الجديدة التي تسرق مستقبلها، والتي لا تطلب منا ذلك وحسب، بل تقوم بذلك».
الشباب والتغيير
هل يمكن لهؤلاء الشباب أن يغيروا مصير عالمنا الاقتصادي والبيئي المعتل؟ غالب الظن وبحسب صفحات الكتاب، تبدو الأجيال الشابة كمن يرشد الكبار في أيامنا هذه، فهم من يختارون أن يستهلكوا بشكل أقل، وأن يختبروا العلاقات الشخصية بشكل أكثر، ويحرصوا على شراء الأشياء المنتجة وفقاً لقواعد صارمة للاحترام البيئي والاجتماعي.
إنهم مبدعون في استخدام وسائل النقل الجماعية أو الأقل تلويثاً. هذه السلوكيات تنتشر اليوم حتى كادت تصبح ممارسة شائعة تشكل مصدر تعزية وثقة.
والثابت، أن أفق القلق الذي يركز عليه جيرو وبيتريني اهتمامها، هو الوضع البيئي الحرج الذي نجد أنفسنا فيه، وهو وليد ذلك «الاقتصاد الذي يقتل»، والذي يسبب صرخة معاناة للأرض، حيث الأخبار التي تصلنا يومياً عن الجفاف، الكوارث البيئية، الهجرات القسرية بسبب تغيرات المناخ، لذا لا يمكننا أن نظل غير مبالين، سنكون شركاء في تدمير الكوكب الذي نعيش عليه. 
وفي كل الأحوال، فإنه يمكن للانتقال البيئي أن يمثل مجالاً نغتني فيه جميعاً كإخوة بكوكبنا وببيتنا المشترك، ونراهن فيه على حقيقة أنه من خلال استهلاك أشياء أقل وعيش المزيد من العلاقات الشخصية نعبر باب سعادتنا.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©