عدد اليوم
سؤال يتردد في أوساط بعض الذين يشتغلون على الكتابة، وربما غيرهم كذلك، هل نحن في عزلةٍ أم حظر، وتتقاطع الإجابات بحسب القناعات والرؤى والأفكار الخاصة بكل فردٍ فينا، ولكن المؤكد أن الجميع يتفق على أن المرحلة تعني تقليص اتصالك بالآخر بصرف النظر عن السبب الذي هو في زمننا هذا وباء «كورونا».
ولأن الفرق كبير بين العزلة والحظر، فإن بعضنا يصر على أنه في عزلة ويضع لذلك أسباباً كثيرة بالنسبة له مقنعة جداً، بينما هي مثار تساؤل لدى آخرين يرون أن ما نحن فيه هو تنفيذ لتعليمات جاءت من جهات مختصة لأسباب إنسانية مهمة هي الحرص على سلامة الجميع، فإذن هو حظر، أو بمسمى أرقى من ذلك كما هو لدينا «مرحلة تعقيم» تتطلب عدم الخروج أو الاختلاط لــدواعٍ صحية.
بينما الذي يراها عزلة ينظر إلى ذلك من زاويته هو بخاصة المشتغلين على الإبداع «كتابة، مسرحاً، فنوناً تشكيلية» وغير ذلك، فالذين يعملون في هذه الحقول ويتمتعون بمواهب وحضور مجتمعي ولديهم منجزهم الثقافي، يجدونها فرصة مناسبة للحديث عن عزلة المبدع، ويضعون الكثير من العناوين أمامهم كأن تقفز رواية «مائة عام من العزلة» لماركيز كمثال، وقد يكون بعضهم لم يتعرف على الرواية وحتى لم يلمس غلافها، لكنه يتخذها مثالاً حينما يتحدث عن العزلة.
العزلة تختارها لنفسك ومع نفسك وبنفسك، تختار أن تكون بعيداً عن الآخرين لإتمام عمل ما، لتعرضك لحالة نفسية تتطلب الراحة أو لمرورك بعارض إبداعي يتطلب القراءة والانزواء لترتيب الأفكار وتنضيدها أو قد تكون هرباً من مواجهة ما قد يؤدي الاصطدام بها إلى تعميق المشكلة أكثر، وبالطبع العزلة لا تعني الوحدة إطلاقاً إنما هي الخروج من الإطار الاجتماعي ثم العودة إليه، أما الوحدة فهي شعورك بأن لا أحد حولك.
هنا تتعمق الحيرة، أنت تحتاج إلى الآخر لكنك تفضل البعد عنه، هذا يحدث بإرادتك لذا تكون آثاره طفيفة عليك لأنك سرعان ما ترجع إلى حالتك الطبيعية لانتفاء السبب المرتبط بوقت محدد يكون الخط الفاصل بين الابتعاد والعودة، لكن في حالة الحظر الاجتماعي أو العزلة الاجتماعية المفروضة لأسباب يقبلها الجميع، فإن درجة التقبل والتعايش مع الوضع الطارئ تخلق إشكالية لدى بعض الذين يعتبرون أن حياتهم تكتمل بالتواصل مع الآخرين.
أعتقد أن الأمر في نهايته هو عزلة بشكل أو بآخر، مفروضةً أم طبيعية، العبرة منها تكمن في النتائج ماذا فعلت؟ ماذا أنجزت؟ هل كنتَ وحيداً أم احتضنت الحياة بتفاصيلها كافة وإنْ عن بُعد، حددوا شكل حالاتكم لتعرفوا طبيعتها.
