الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«متلازمة الكوخ».. تحدي العودة إلى الحياة

ممارسة الهوايات تزيد المناعة ضد متلازمة الكوخ (الصور من المصدر)
1 يوليو 2020 01:49

خولة علي (دبي)

لا يمكن أن ننكر مدى فاعلية العزل المنزلي، في الحد من تفشي فيروس «كورونا» المستجد، الذي طال العالم وشكل أزمة حقيقية في مجالات الحياة كافة، ومع تخفيف الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها، بدأ الكثير من الناس في الخروج للاستمتاع بوقتهم، إلا أن تلك العزلة جعلت البعض يحجم عن الخروج، ولا يستطيع التأقلم مع الحياة من جديد، وقد أطلقت الجمعية الإيطالية للطب النفسي على هذه الحالة بمتلازمة «الكوخ»، وهي حالة تحدث من جراء العزلة لمدة طويلة، حيث يفقد الفرد الرغبة في مواجهة الحياة من جديد. 
وقد علق رئيس الجمعية الإيطالية للطب النفسي، قائلاً إن العديد من الأشخاص يعيشون أوقاتاً صعبة خوفاً من مواجهة حياتهم السابقة، ومغادرة المنزل الذي أصبح ملجأ يحميهم ويحفظهم من مخاطر الفيروس، حيث يعاني أكثر من مليون إيطالي من صعوبة الخروج من المنازل والعودة للحياة الطبيعية بعد تقليص إجراءات العزل المنزلي، فإلى أي مدى يمكن أن تسبب العزلة هذه الحالة المرضية التي تستوجب علاجها. 

أعراض المتلازمة
تؤكد د. إسراء السامرائي أستاذة علم النفس في كلية العلوم والأسرة، أن الحجر المنزلي بالرغم من دوره وفاعليته في الحد من انتشار فيروس «كورونا»، إلا أن له بعض الأثار النفسية التي قد تؤثر على الأشخاص نتيجة البقاء في المنزل لفترات طويلة، وهذا ما يؤدي بدوره لزيادة القلق والتوتر والاكتئاب لدى الأشخاص، وانتشار ما يسمى بمتلازمة الكوخ حيث تنتج هذه المتلازمة عن العزلة الاجتماعية، والتي يواجه المصابون بها صعوبة في الخروج من المنزل، بعد العزل لفترة طويلة، وهؤلاء لايستطيعون العودة للحياة والانخراط مرة أخرى في المجتمع. 
وتشير السامرائي، قائلة: من أعراض هذه المتلازمة القلق المستمر، التوتر، الخمول، الحزن والاكتئاب، صعوبة التركيز، سرعة الانفعال والعصبية، الأرق وصعوبة الاستيقاظ من النوم وكثرة القيلولة، والشعور باليأس، موضحة أنه ليس بالضرورة أن يعاني كل المصابين من نفس الأعراض لكن معظمهم يشكون من سرعة الانفعال والقلق المستمر، لذلك ينصح بالتعرض لأشعة الشمس حتى لو كنا في المنزل من خلال فتح النوافذ والجلوس في البلكونة أو في حديقة المنزل للحصول على فيتامين (D)، مع تناول الأغذية الصحية والأطعمة التي تساعد على تحسين المزاج كالمكسرات والشوكولاته الداكنة والابتعاد عن الحلويات والسكريات والوجبات السريعة، وممارسة الرياضة والمشي، ووضع أهداف للحياة اليومية والسعي لتحقيقها، فالشعور بالإنجاز يعطي طاقة إيجابية. 
وتوضح السامرائي أن العمل على شغل وقت الفراغ عن طريق حضور المحاضرات والدورات التدريبية عن بعد (أونلاين)، يشعر الفرد بالإنجاز وتبعد عنه النمطية والملل من الروتين اليومي، مؤكدة أهمية التواصل الاجتماعي عن طريق وسائل التواصل المختلفة ومكالمات الفيديو مع الأهل والأقارب والأصدقاء، فكل ذلك من شأنه أن يقينا هذه المتلازمة.

حزن واكتئاب
تشير الكاتبة فاطمة الناهض، قائلة: تحصل «متلازمة الكوخ» أو «حمى الكابينة» عندما يتواجد الإنسان في مكان معزول لفترة طويلة بعيداً عن التواصل المجتمعي، حيث تبدأ أعراض العزلة في الظهور حين تطول المدة، ويسود الشعور بالتوتر والقلق والعصبية وقلة الصبر، وكلما طالت المدة زادت الأعراض لتشمل فقدان الطاقة وعدم القدرة على التركيز وربما الحزن والاكتئاب وصعوبة الاستيقاظ والإفراط في الأكل، وكلها أمور مفهومة لأن الإنسان كائن اجتماعي له حياة وروتين وآمال وأهداف لا تشمل البقاء في بقعة واحدة لفترة طويلة من الزمن، ولأن هذه العزلة قسرية وليست بإرادته فإن وقعها يكون أشد، لذلك ينصح في عزلة الحظر بسبب هذا الوباء أن يحاول الإنسان التخلص من هذه المتلازمة أو تخفيفها إلى حين الخروج من العزلة إلى الحياة الطبيعية، فبدلا من مشاهدة التلفزيون طوال الوقت يمكن أن يقوم ببعض التمارين العقلية مثل حل الألغاز والكلمات المتقاطعة والقراءة، أو القيام بنشاط جسدي ولو بسيط مثل صعود السلالم والنزول منها كنوع من الرياضة، مع المحافظة على روتين طعامه وعدم الإفراط فيه لمجرد التعويض أو التنفيس، كما يمكن إجراء اتصالات هاتفية ومرئية مع الأهل والأصدقاء، وعند فك الحظر ينصح بالخروج من المنزل بالتدريج، من خلال قطع مسافة قريبة والعودة، ثم مسافة أكبر وهكذا حتى يتم كسر جدار العزلة.

تجنب الخروج
تؤكد الصحفية أمل النعيمي، أن هذا المصطلح النفسي بما يسمى بمتلازمة الكوخ، أطلقتها الجمعية الإيطالية بعد أزمة «كورونا» لأن الكثير من الإيطاليين وجدوا أن الأمان يكمن في منازلهم، فأصبح لديهم نوع من القلق والتخوف من الخروج مجدداً، وبالنسبة لي لم تكن وطأة العزلة المنزلية في هذه الأزمة تشكل لي مشكلة، فبعد فترة من تقاعدي أصبحت أكثر رغبة في ملازمة المنزل والبقاء فيه والخروج فقط للضرورة، وتلبية احتياجات المنزل، وبذلك لم يشكل الأمر هاجساً لي على الإطلاق، عكس ما أراه في بناتي اللاتي كن متضايقات نوعاً ما من العزلة وغير معتادات عليها، فمع انتهاء فترة التعقيم الوطني، أصبح الأمر متاحاً للخروج، إلا أن ذلك لم يكن بالسهولة المتوقعة، في ظل الالتزام بالضوابط والإجراءات الوقائية، الأمر الذي يجعل الفرد يتوخى الحذر ويتجنب الخروج إلا للضرورة ويحاول أن يبقى بعيداً عن الآخرين، وهناك بعض الحالات لا يمكن إنكارها، فقد تعرض البعض لصدمة من جراء العزلة، وأصبح لديهم بعض التخوف من العودة مجدداً للحياة.

لقاء الأصدقاء
ويشير خالد محمد القاسمي (خبير تربوي)، قائلا: لا أعتقد أنه من الممكن أن يساهم هذا العزل في الإصابة بمتلازمة الكوخ، فهذا التباعد الجسدي عزز لدي مفهوم الترابط الأسري والعلاقات الاجتماعية وأهميتها في حياتي، لذلك فإن فترة العزل لم تؤثر سلبياً عليّ، بل بالعكس فقد زادت من لهفتي بلقاء الأصدقاء والأقارب بعد فترة انقطاع، وأعتقد أن ذلك يتوقف على شخصية الفرد.. هل هو في الأساس اجتماعي أم انعزالي؟، وهل هو من الذين لديهم «فوبيا» الإصابة بالمرض إذا ما عاد للاختلاط مجدداً بالمجتمع؟. 
ويضيف القاسمي: قد تتعرض فئة من المجتمع لحالة من صعوبة الاندماج والانزواء بعيداً، خاصة شريحة كبار السن أو الأفراد الذين كانوا يعانون في الأساس من صعوبات في التواصل الاجتماعي، سيما وان فترة الحجر كانت طويلة نسبياً، كما ان التخوف لايزال قائماً وقد يستمر لفترة، كما أن التباعد يمثل خطوة غير مباشرة نحو المزيد من عدم الاندماج الاجتماعي الذي اعتاد عليه أفراد المجتمع.

الحوار البناء
غادة محمد الرفاعي (سيدة أعمال)، تقول: ربما تحمل العزلة شيئاً من الإيجابية، فهي تعطي الفرد فرصة لمراجعة نفسه وذاته، ولكن السلبي في الأمر يكمن في عدم قدرة الإنسان على الحوار البناء مع الآخر، والاختلاف في التفكير، فدائما الجمال يكمن في الاختلاف، والتفكير في الأبعاد الأخرى التي تغيب عنّا، فالعزلة قد تحرمنا من هذا الفكر المتباين، فيكون لدينا نوع من التعطش للرأي الآخر، فالسعادة تتوفر من خلال الآخرين وفي وجودهم حولنا، والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي فلا يمكن أن نعيش بمعزل عن الآخرين، وبلا شك أن هذه العزلة جعلت الكثير من الأفراد يغلقون أبواب منازلهم خوفاً من الظهور مجدداً للمجتمع.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©