السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

مبارك بن محمد آل نهيان.. أربعة عقود من العطاء

مبارك بن محمد آل نهيان.. أربعة عقود من العطاء
11 يوليو 2020 00:20

ناصر الجابري (أبوظبي)

يعد الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، أحد أبرز الشخصيات الوطنية القيادية التي لعبت دوراً بارزاً في تأسيس النظام الشرطي في الدولة، كما تجسد سيرته الوجه الحقيقي للإخلاص والتفاني والبذل والعطاء، عبر مسيرة عمل استمرت لما يزيد على 4 عقود، شهدت العديد من المواقف المضيئة بالطيب والكرم والإحسان، بالتوازي مع صفات القيادة والانضباط والالتزام، وهي الخصال التي كانت حاضرة دوماً في شخصيته التي أحبها كل من اقترب منه وعرفه خلال عمله وتوليه المهام العديدة. 

نقاء القلب 
هذه الشخصية التي تجمع بين روح القيادة ونقاء القلب وصفاء النفس، ترسخت في بيت والده الشيخ محمد بن خليفة آل نهيان، حيث يعد الابن الثاني له من الشيخة موزة بنت أحمد بن خلف العتيبة، حيث نشأ في زمن كان فيه أهل أبوظبي يواجهون التحديات بإصرارهم وعزمهم وبإيمانهم المطلق بقدرتهم على تجاوزها، حيث رأى في سكان أبوظبي عائلته الأشمل التي وجد فيها الأخلاق الحميدة والخصال الحسنة التي تعلمها منذ صباه، فوجد في كبارها الحكمة وسداد الرأي والمعرفة الجمة بتفاصيل شؤون الحياة، ووجد في شبابها الاندفاع نحو الخير والرغبة في المساهمة المجتمعية والتطوير. 

لقد ظهرت في صغر الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، تفاصيل خاصة جعلته منذ صباه أحد الذين يشار لهم بالإشادة والثناء على رجاحة عقلهم، فكان كثيراً ما يحضر المجالس، ويستمع إلى نقاشات الرواد، وينهل من خبرتهم وتجاربهم التي صقلتهم بها الحياة، كما كان شغوفاً بالخير والعطاء، إضافة إلى الشخصية القيادية التي كانت هبة تمتع بها بين أقرانه، الذين عرفوه ناصحاً ومستشاراً وخيّراً بما امتلكه من صفات حسنة، وحرص على تطوير الذات والنفس، من خلال توظيف الحكمة التي تلقاها من الرعيل الأول مع الطاقة نحو الإنجاز والبذل وكتابة التاريخ. 
 جميع هذه الصفات، جعلته صاحب الكفاءة المطلوبة، ليكون رئيساً لدائرة الشرطة والأمن العام في أبوظبي عام 1961، حيث حرص منذ الأيام الأولى على بناء المؤسسة الشرطية في الإمارة، عبر الاستثمار في الكادر البشري والعمل على التدريب والتأهيل لرجال الشرطة، وتذكيرهم بمهام وواجبات العمل الشرطي، باعتباره عملاً نبيلاً يسهم في ترسيخ الأمن والأمان المجتمعي، كما عمل على ابتعاث عدد من الأفراد بهدف أن يكونوا قادرين على استقاء التجارب المختلفة وبلورتها بعد عودتهم إلى الإمارة، انطلاقاً من ضرورة التطوير والتحسين المستمر للوصول إلى أعلى مستويات الكفاءة والمهارة والمقدرة.
 
خصال فريدة
كانت الأيام والسنين الأولى لتوليه هذه المهمة، وبرغم تحدياتها الكثيرة، مؤشراً على ما يتمتع به من خصال قيادية فريدة، فكان اهتمامه الدائم بالواجب المشترك بين المجتمع والشرطة للحفاظ على المكتسبات المجتمعية، فالشرطة جزء من المجتمع يسهرون على راحته وحمايته، كما كان قريباً من الضباط والأفراد عبر جولاته بينهم، وحرصه على الاستماع لشؤونهم ومعرفة أخبارهم وزيارة عائلاتهم، فكان مثالاً في التواضع والقيادة والحكمة التي حرص خلالها كل من عمل معه على تطبيقها، استلهاماً منه ومن صفاته ودوره الذي تلقى لأثره محبة مجتمعية واسعة. 
هذه النجاحات، جعلته مؤهلاً ليكون في عام 1966 رئيساً لدائرة الشرطة والأمن العام ودائرة الجنسية والجوازات العامة، كما تمت ترقيته إلى رتبة لواء في نهايات عام 1968، انطلاقاً من ثقة الوالد المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي وجد فيه شخصية قيادية قادرة على إرساء نظم الأمن العام في الإمارة، لنجاحاته المتتالية خلال توليه المهام في السنوات السابقة، ولصيته الذي أصبح شائعاً بين الناس بالخير والقيادة معاً، فكان يجمع بين الرؤية الطموحة تجاه القادم من أيام، والحرص على المساواة والعدل بين الجميع، إضافة إلى تطبيق النظام الذي يضمن حصول الأفراد على مستحقاتهم وترسيخ الاستقرار المجتمعي. 

محطات بارزة
فترة ما قبل الإعلان عن الاتحاد، كانت إحدى المحطات البارزة في سيرة الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، والذي امتلك الرؤية الوحدوية بضرورة الاتحاد ودوره المتوقع على شعب المنطقة، حيث كثيراً ما تحدث عن أهميته في النهوض بإمارات الدولة، وأن الرؤية المشرقة تجاه المستقبل تتطلب تكاتفاً وترابطاً بين الجميع، وهو الأمر الذي ركز عليه في خطاباته للضباط والأفراد من العاملين في المؤسسة الشرطية، باعتبار أن الاتحاد قوة في مواجهة التحديات المشتركة، وبه ستنتقل المنطقة إلى محطة مشرقة وسيشكل نقلة نوعية، فكانت نظرته الاستشرافية للمستقبل محفزاً ودافعاً لمن حوله للمساهمة في دعم فكرة الاتحاد وترسيخها بين شرائح المجتمع. 
ونظراً للنجاحات المحلية، تم تعيينه بعد قيام الاتحاد كأول وزير للداخلية في الدولة، حيث عمل على ترسيخ الفكر الوحدوي في الأجهزة الشرطية من خلال تحديد التحديات التي تواجه التكامل الشرطي خلال البدايات، ووضع خطة لتجاوزها خلال فترة زمنية قياسية، وأهمية العمل على تدريب الكادر البشري القادر على الإلمام بمبادئ وأساسيات ومفاهيم العمل الشرطي، كما حرص على تحويل وزارة الداخلية لأن تكون مثالاً حكومياً في الانضباط والالتزام الوطني، عبر ما تضمه من شخصيات وطنية بارزة كان لهم الأثر في ترسيخ الأمن والاستقرار في كافة إمارات الدولة، بما يحملونه من ولاء وانتماء وحرص للمحافظة على مكتسبات الاتحاد التي تحققت. 

تميز رياضي
استمر الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان وزيراً للداخلية حتى عام 1990، ظل خلال تلك السنوات مشاركاً في الاجتماعات العربية التنسيقية المشتركة بين المؤسسات الشرطية، وحاضراً دائماً في المؤتمرات الدولية التي تناقش أهمية التعاون العالمي، كما كانت له بصمته خلال السنوات التي أمضاها في إعداد الصفين الثاني والثالث من القيادات الشرطية الشابة، وذلك إيماناً منه بأهمية دعم الشباب ومنحهم الفرصة وتأهيلهم لأن يكونوا قادرين على القيادة مستقبلاً، فأوفد العديد من الشباب في البعثات الشرطية الخارجية، كما كان حاضراً بنصائحه وتوجيهاته للضباط والأفراد الشباب. 

وخلال تلك الأعوام، اهتم الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان بالرياضة، فشغل منصب أول رئيس لاتحاد الإمارات لكرة القدم منذ عام 1971 وحتى 1973، وشارك خلال تلك الفترة منتخب الإمارات في بطولة كأس الخليج، حيث حرص على وضع القاعدة التنظيمية والتأسيسية لاتحاد الإمارات، ووضع تصورا شاملا يتضمن دوره اللازم في دعم البيئة الكروية، نظراً لأهمية الرياضة ودور المنجزات الرياضية في نشر الفرحة الوطنية، باعتبار أن الاتحاد يعد الحاضن الأول للكرة في الدولة، وعليه مسؤولية النهوض بها وتأهيل الشباب القادرين على رفع اسم الدولة في المحافل الرياضية. 

حفاوة وترحاب
في 1971، تم تعيين الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، وزيراً للداخلية في إمارة أبوظبي ضمن التشكيل الحكومي المحلي للإمارة، وهو القرار الذي استقبله أفراد المجتمع بالحفاوة والترحاب، نظراً لمعرفتهم الوثيقة بالمنجزات التي تحققت في الجهاز الشرطي وللعلاقة التي تكونت بينهم وبينه على مدار السنوات الماضية، ولوجود الثقة المطلقة في المجتمع بقدرته على تولي هذه المهمة الإضافية بكل كفاءة واقتدار، أسوة بالمهام السابقة التي تقلدها، وأثبت من خلالها أنه من صنف الرجال الذين لا يهابون الصعاب بل يتجاوزونها وينتصرون عليها. 
وخلال هذه الفترة التي تولى فيها المنصب المحلي، عمل على تأسيس نظام وزارة الداخلية في أبوظبي وقانون الشرطة والأمن العام للعام 1972، لأهمية إيجاد البنية التحتية التشريعية التي تضمن وجود نظام متكامل يهدف إلى استمرارية المنظومة الأمنية بكفاءتها واقتدارها خلال السنوات اللاحقة، ولأهمية وجود معايير تختص بتحقيق المستهدفات الاستراتيجية للنظام الشرطي، فكان للقوانين التي أقرت دورها البارز في استدامة المؤسسة الشرطية وتحديد مبادئها وثوابتها الراسخة، وتحديد الحقوق والواجبات التي تضمن هيكلة مؤسسية تتماشى مع المفاهيم الحديثة للعمل الحكومي المؤسسي، كما عمل على استحداث وتأسيس العديد من أقسام مراكز الشرطة في مختلف أنحاء الإمارة، نظراً لزيادة الواجبات وتوسع المهام المطلوبة.

مدرسة الشرطة 
تميز الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان، بإيمانه العميق بأهمية المرأة ودورها في النهوض بمختلف المجالات، فاستحدث وحدة للشرطة النسائية في فبراير 1978، ووجه بإنشاء مدرسة الشرطة النسائية في أبوظبي، إدراكاً منه بأن المرأة شقيقة الرجل، وبضرورة تمكينها لما تتمتع به من مهارات وقدرة، ونظراً لخصوصية بعض المهام الشرطية والتي تتطلب وجود المرأة ضمن المنظومة، فكان حريصاً على تأهيلهن وتسلحيهن بالمعرفة والعلم والتأكيد عليهن بأنهن قادرات على رفد الوطن، بما لديهن من إمكانيات ومهارات ورغبة في خدمة دولة الإمارات. 

أوسمة
حصل الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان على العديد من الأوسمة خلال توليه مهامه الشرطية، ومنها وسام زايد الثاني، ووسام عيد الجلوس للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إضافة إلى الأوسمة التي تقلدها من الدول الشقيقة التي قدّرت أهميته ومكانته، من خلال منحه أوسمة تضمنت وسام الملك عبدالعزيز آل سعود، ووسام النهضة من الدرجة الأولى للمملكة الأردنية الهاشمية، ووسام عمان ووسام الجمهورية التونسية، إضافة إلى سلسلة ممتدة من الأوسمة التي حظي بها. 

مسيرة زاخرة
في عام 2010، انتقل الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان إلى الرفيق الأعلى، بعد مسيرة زاخرة بالمواقف البطولية، والتي جسد من خلالها مثلاً وطنياً خالداً بأعماله التي رسخت نجاحات وزارة الداخلية، إضافة إلى إسهاماته البارزة في تطوير العمل الشرطي بأبوظبي، والتي تتوافق مع شخصية عُرفت باحترام الصغير والكبير خلال تواجده في مجلسه بعد ذلك، والذي كان مجلساً للعلم والنقاش واستقبال الزوار، يتلقى خلاله زواره حكمته ورجاحة عقله وتجربته التي جعلته أحد رجال الوطن المخلصين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©