الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

منصات الكذب «السياسي»

منصات الكذب «السياسي»
18 يوليو 2020 00:14

محمد وقيف (أبوظبي) 

الأكاذيب السياسية ليست شيئاً مستجداً، بل وجدت منذ أن وجد الإنسان تقريباً، لكن أساليب نشرها هي المستجدة. في سنوات العقد الثاني من القرن العشرين، حشدت «اللجنة الأميركية للإعلام» الدعم العام لمشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى، ليس من خلال الأفلام والمطويات والملصقات فحسب، ولكن أيضاً من خلال الأكاذيب التي كانت تزوّد بها الصحف. وبعد نحو أربعين عاماً على ذلك، استعانت شركات التبغ بخدمات عملاق العلاقات العامة «هيل آند نولتون»، ليس من أجل إنكار تأثير السجائر المسبب للسرطان، وإنما لزرع الشك في البحوث الطبية وإلقاء اللوم على جهات أخرى. ونتيجة لذلك، لم يصدر التشريع الذي كان يمكن أن ينقذ مئات الآلاف.

بات الجميع تقريباً يعرفون أن منصات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيندر»، أضحت وسائل لنقل وتداول كمٍّ هائل من المعلومات الكاذبة والمثيرة للانقسام والاستقطاب. وفي هذا السياق، ما زالت النقاشات في الولايات المتحدة محتدمة حول ما إن كانت جهود العملاء الإلكترونيين الأجانب قد أدت إلى تغيير نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016. وفي الأثناء، يحذّر «مركز برينان للعدالة» من أن التدخلات الخارجية في انتخابات هذا العام، ستكون «أكثر جرأة» من 2016. 
 لكن إلى أي حد يعتبر هذا الأمر جديداً بحق؟ وهل جعلت التكنولوجيا الكذبةَ السياسيةَ مختلفةً عن نظيرتها القديمة؟ فيليب هاورد، مؤلف كتاب «آلات الكذب»، يُعتبر - من دون شك - الشخص الأنسب للإجابة عن هذا السؤال وتقديم إضاءات حول هذا الموضوع. ذلك أن هاورد هو مدير «معهد أوكسفورد للإنترنت»، وفي 2017، طلبت منه لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي إنجاز تقييم لأنشطة «وكالة بحوث الإنترنت» الروسية على وسائل التواصل الاجتماعي. 
وعمل هاورد وفريقه كان محورياً في توضيح الاستراتيجية الروسية في 2016. فقد أظهروا، على سبيل المثال، كيف استهدفت الوكالة الروسية الأميركيين على طرفي الطيف السياسي، فأجّجت انقساماتهم وغمرت المناطق المتأرجحة بإعلانات مؤجِّجة للمشاعر شاهدها ملايين المستخدمين. 
ويحذّر هاورد من التفاؤل والاعتقاد بأن جودة الخطاب السياسي على الإنترنت ستتحسن قريباً. بل على العكس، إذ قامت بعض الدول الكبرى مؤخراً باختبار أدوات جديدة لنشر الأكاذيب العامة على الإنترنت، وذلك من أجل استخدامها داخلياً أولاً، ثم ضد الخصوم الأجانب لاحقاً. أدوات أخذت تنتشر وتصل إلى مزيد من الدول بسرعة. وقد تحدث هاورد مع شركات في بولندا والبرازيل تساعد تلك الجهود، ووجد تنافساً محموماً بينها. ويشير تحليله إلى أن الحوافز التي تحرّك العرض، في هذه السوق النشطة، من غير المحتمل أن تتقلص قريباً. 
لكن بغض النظر عما إن كانت أي نتيجة انتخابية قد تغيّرت بسبب التدخل الخارجي، فإن هاورد يبدو مقنعاً حينما يعرّف ظاهرة «الدعاية الكمبيوترية» الصاعدة باعتبارها تهديداً خطيراً للديمقراطية. فباستخدام تحليلات البيانات الكبيرة، يقوم هذا التكتيك على صياغة هذه الدعاية واستهدافها لتخوفات الناس ونقاط ضعفهم. تكتيك يختلف قليلاً عما تفعله محلات البيع بالتجزئة. ذلك أن شركة أمازون، مثلاً، تسعى لمعرفة ما يريده المرء، حتى قبل أن يفكّر فيه، في حين يسعى مروّج الدعاية إلى استغلال مخاوف الشخص وتغيير ما يؤمن به، وبالتالي، تغيير الطريقة التي يصوّت بها.
واللافت أن معظم تحليل هاورد مسكون بفكرة ضبابية، مفادها أن الوسائل الكمبيوترية الجديدة لا تعدو كونها مجرد نسخ مختلفة لأشكال سابقة من الدعاية، لكنه يسوق أيضاً حجة أكثر إقناعاً، وهي أن الدعاية الكمبيوترية تسمح للقوى السياسية المنظَّمة بالتأثير في عقول الناخبين بشكل مباشر، فتخاطبهم، ليس من خلال العقل، وإنما من خلال التلاعب بمشاعرهم. 
 والواقع أن علماء النفس الاجتماعي لطالما شدّدوا على أهمية الشبكات الشخصية في تعلم أشياء حول العالم. وهذه الخلاصة مهمة في هذا السياق، لأن تعرّض كثير من الناس للدعاية الكمبيوترية هو نتيجة لتقاسم منشورات وتدوينات من قبل الأصدقاء والأقارب. وقد أظهر البحث الذي أجراه هاورد، أن نحو 30 مليون شخص تقاسموا منشورات «وكالة بحوث الإنترنت» الروسية على فيسبوك وإنستغرام. وغني عن البيان أن هذا الانتشار الواسع يمكّن الوكالة ومثيلاتها من استغلال البنية التحتية النفسية الأساسية في تشكيل الاعتقاد الفردي. 
 لكن، إذا كان عرض الدعاية الكمبيوترية سيزداد على الأرجح، فماذا يمكن فعله؟ هاورد يتأسف للطريقة التي غيّر بها اقتصاد البيانات توازنَ القوة بين الأشخاص والقوى المنظَّمة، ويضغط في اتجاه إلزامية الإبلاغ والتدقيق في عمل وسائل التواصل الاجتماعي. لكنه، وعلى نحو فضفاض، يشير إلى إمكانية فتح «الإمكانيات الحقيقية لمنصات التواصل الاجتماعي من أجل دعم الحياة العامة». غير أن هذه الفكرة لم ترد إلا في الصفحات الأخيرة من الكتاب.

كتاب: آلات الكذب.. كيف تنقذ الديمقراطيةَ من الجيوش الإلكترونية، والروبوتات الخادعة، وعمليات «خردة الأخبار»، والعملاء السياسيين
المؤلف: فيليب هاورد
الناشر: يل يونيفرستي برس
تاريخ النشر: مايو 2020

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©