الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

كيف نحافظ على «عيالة العين»؟!

كيف نحافظ على «عيالة العين»؟!
15 أغسطس 2020 00:14

نوف الموسى

التطرق إلى عوالم الفنون الشعبية في الإمارات، عبر «الاتحاد الأسبوعي» فتح وبشكل مستمر، آفاقا لا نهائية لإعادة طرح الأسئلة حول أدوارنا المحورية في الإعلام والمؤسسات الثقافية، نحو إثراء التجربة الوجدانية من خلال الإيقاع الشعوري المتشكل في هوية مجتمعنا المحلي، وهي نقطة جوهرية للكشف عن مواضع الخلل التنظيمي، على مستوى الفرق وجمعيات الفنون الشعبية والجهات المعنية، والذي أدى وبشكل ملحوظ إلى خفوت عام، في الاحتفاء النوعي بطبيعة نشأة تلك الفنون وأثرها في الموروث الاجتماعي والتاريخي، وتقلص حجم فضاءات الدعم المادي والمعنوي، والذي بدوره تسبب في حالة عزوف من قبل الشباب، ما تطلب طرح مسألة الفنون الشعبية مجدداً على طاولة المناقشة البحثية، ومنها فن «عيالة العين»، الذي يواجه في الوقت الحالي، إشكالية توقف العديد من الفرق الشعبية التي قدمت هذا الفن.

وبحسب القائمين على جمعية العين للفنون الشعبية والتراث، فإنه بين عامي «1999 - 2000» تم رصد عدد فرق «عيالة العين» النشطة، إلى نحو 16 فرقة، بينما في الوقت الحالي هناك نحو 3 فرق شعبية فقط، خرجت منها فرقتان شبابيتان، ما يجعلها تصل إلى 5 فرق شعبية، وهو يطرح سؤالاً جوهرياً، إلى أي مدى تستطيع تلك الفرق الخمسة الاستمرار، وما هي الآلية الجديدة التي يتطلبها للحفاظ على توسع حضور الموروث الفني الشعبي في المحافل المحلية والعالمية، باعتباره إحدى البنى الأساسية في المكون الحضاري لدولة الإمارات.

نقاشات يومية 
الإيمان بأثر الفنون الشعبية، وضرورة حضورها في المخيال المجتمعي، والنقاشات اليومية ضمن البيئات الإبداعية بمختلف توجهاتها المعاصرة، يحتاج بشكل أساسي إلى وعي بحثي ومعرفي، نبدأ من خلاله بتعريف الفنون الشعبية والخوض في غمار الأداء والنشيد واللحن، واستخراج القصص التاريخية المرتبطة بحالة الاتصال بين المؤدين والفن نفسه، وبذلك نبني هالة من الاستقطاب الإبداعي من قبل مختلف فئات المجتمع، ليس فقط ليكونوا مؤدين، بل متذوقين للفن الشعبي، وأن نستخرجه من حالة الأداء الاعتيادي، إلى فرجة مسرحية مفتوحة، يحق فيها للمتلقي أن يشارك بفكره وإحساسه، لذلك، فإن تطور الفنون الشعبية ليس في مكون الفن نفسه، بل في كيفية تنامي تفاعل الجمهور المجتمعي معه، ومن هنا انطلقنا بالأسئلة حول فن «عيالة العين»، وأبرز ملامح تشكلاته في مدينة العين الواقعة في العاصمة أبوظبي، إلى رئيس جمعية العين للفنون الشعبية والتراث بالحاي خير بالحاي الكويتي،  قدم في توضيحاته الرئيسية حول الفن، من خلال ورقة بحثية توثيقية أنجزتها جمعية العين للفنون الشعبية والتراث، قام ببحثها وتدقيقها الشاعر راشد بن جمعة العزاني، مستشار فني في مجال الفنون الشعبية في الجمعية، وتم اعتماد مصادرها من الرواة، وهم: راشد جمعة مرزوق الشامسي «أبو عيالة الشوامس» - وبالحاي خير الكويتي «رئيس الجمعية» و«ابو عيالة خير الكويتي» ومصبح العزيزي «ابو عيالة شباب العين».

يذكر البحث أنه في عام 1960م كان هناك عزوف عن أداء فن العيالة لدى أهل منطقة «واحة العين»، مما جعل الوالد خير بالحاي الكويتي، يتجه بشكواه إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - حاكم العين في ذلك الوقت يشكي إليه عزوف أهل منطقة واحة العين من المشاركة في فن العيالة، ومن حكمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وجهه بالآتي: بأن يتم تجميع أهل المنطقة عند مسجد الزرعوني المتواجد في السوق وقام الوالد خير بالحاي بدعوة الجميع للحضور عند المسجد، وتم ذلك لمدة 3 أيام دون حضور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان. وفي اليوم الرابع، جاء ليقول كلمته في هذا شأن بأن هذا الرجل، الذي يعرف لدى أهل منطقة واحة العين باسم «خيريه»، هو بمثابة الأخ والوالد، وأن كل من لا يستجيب لدعوته لأداء فن العيالة، فإنه يخالف أمر سموه، وفي ذلك الوقت تم تكليف السيد سلطان باليازية النيادي لمتابعة هذا الموضوع ورفع تقرير مفصل بكل من لا يرغب أو يمتنع عن أداء فن العيالة الأصيل والمتأصل في أهالي منطقة العين، وبحسب الوالد خير بالحاي الكويتي، أن سموه كان له حكمة في عدم حضوره لمدة 3 أيام إلى الموقع «مسجد الزرعوني - سوق العين»، من خلال إعطاء الموضوع طابع الأهمية وإشغال تفكير الجميع في الموضوع خلال المدة التي يتم حضوره فيها، ليؤكد على ضرورة الحفاظ على هذا الفن الأصيل، الذي يمثل المنطقة وأهلها وموروثها الشعبي.

اختلاف المعطيات
في حديثه، قال بالحاي خير الكويتي لـ «الاتحاد»، إنه علينا أن ننظر إلى اختلاف المعطيات بين السابق والحاضر، خاصة فيما يتعلق بارتباط المؤدين بفن عيالة العين، فهم ينتمون له بشكل أساسي لأنهم «طرابه»، ومحبون للفن، ونحن ندرك أن هناك أسئلة حول دور الجمعية، وأسباب تقلص فرق «عيالة العين»، والتي اعتمدت على توريث الجد والأب لأبنائهم لهذا الفن، والسؤال ربما يوجه إلى الجيل الجديد ومدى قدرته على الاستمرار في تقديم الفنون الشعبية، والذي يكاد يكون صعباً دونما حضور دعم مركز وقوي ومستمر من الجهات المعنية، خاصة في ظل المتغيرات السريعة وتطور شكل الحياة، بالنسبة لي كرئيس جمعية، فإنني أنظر إلى مسألة اللوائح والقوانين، والحاجة الماسة لتطويرها، وإتاحة صلاحية للجمعية لتنظيم العلاقة بين مختلف الفرق الشعبية، خاصة بوجود فرق من خارج دولة الإمارات، في الحقيقة أشارك كعضو في الجمعية منذ عام 1994، وعلى مدى 12 عاماً أديرها كرئيس مجلس إدارة، وأدرك أن هناك خللاً من ناحية تنظيم العلاقات بين الجمعية والجهات المعنية والفرق الفنية، إلى جانب نقطة مهمة جداً وهي الإمكانيات المادية المحدودة، - 100 ألف درهم هو الدعم السنوي المقدم للجمعية.
وفي إشارة جوهرية، حول مسألة توقف الفرق الشعبية التي تقدم «عيالة العين» أوضح بالحاي خير الكويتي، أنه تم رصد 16 فرقة بين عامي 1999 و2000، وبعد عملية تقييمها من الجهة المعنية، تم تقليص العدد إلى 8 فرق شعبية، وصلت في الوقت الحالي إلى 3 فرق رئيسية، خرجت منها فرقتان شبابيتان، ليصل العدد إلى 5 فرق في الوقت الحالي، وهي: فرقة «راشد جمعة مرزوق الشامسي»، فرقة «خير بالحاي الكويتي»، فرقة «الشيبة الدرمكي»، والفرق الجديدة التي دخلت مؤخراً، «فرقة العين» و«فرقة بن شلول».

الأداء الحركي
في استرسال، ذكر علي الشيبة الدرمكي، تفاصيل الأداء الحركي والآلات المصاحبة لفن «عيالة العين»، وهو ما أشارت إليه ووثقته الورقة البحثية المذكور أعلاه والتي قدمتها جمعية العين للفنون الشعبية والتراث، عن فن «عيالة العين»: أنها عبارة عن صفين متقابلين، والايقاعيون يكونون في المنتصف ويوقدهم راعي «الكاسر»، يمسك أصحاب كل صف في أيديهم العصي ويكونوا متماسكين ومتراصين، أي أن كل فرد يمسك عصاه بيده اليمنى ويمسك الذي بجانبه بيده اليسرى. ويوضح التوثيق البحثي أن العياله تمثل «الحرب» القائمة بين جهتين يكون الخصم فيهم «أصحاب الطبول» الذين نشبههم بالعدو الذي يحاصر ويقهر بالصفوف. وتحتمل العياله أكثر من صفين، عموماً يكر ويفر صاحب «الكاسر»، وهو في قيادة الطبول الممثلة بالأعداء ويحارب بالصفوف، وعندما لا يجدون نفعاً من المحاولة يعيدون الكره على الصف الثاني وهكذا، وفي بعض مشاهد الحرب القائمة يُرى بأن أهل الصف يضربون بالعصى ويلوحون بها لإبعاد العدو الممثل بأصحاب الطبول إلى أن يحتدم الصراع بوقوف أهل الطبول أمام الصف لمدة معينة وتوجد في هذه المدة بعض الحركات منها حركة الرأس وميلانه في الصفوف، فهي بمثابة أن ينظر كل شخص إلى صاحبه وإلى استقامة هذا الصف في مواجهة العدو الممثل بأصحاب الطبول وفي بعض المرات تركز العصي في الأرض دليل على ضرب العدو في مقتل، وهكذا إلى أن يرجع عن الصف هذا ويذهب للآخر وتتكرر المشاهد إلى أن ينتهي دور العيالة.
أما فيما يتعلق بالآلات المستخدمة في فن «عيالة العين» فهي: «الرحماني» (الدمام): يضرب علي الرحماني بضربة واحدة ومرات يرضف عليه بالثانية. و«الطار» (الصماع)، و«الكاسر»: يشكل به صاحبه حسب خبرته ومزاجه الطوس أو الطاسه (الصاجات) يأتي بها من الهند أو من زنجبار: يضرب بها اثنتين وواحدة، و«العصي» (الخيزرانه). و«المدقة» (عصى غليظة مقطوعة يضرب بها الكاسر). 

ملتقى الجميع
«يحتاج إلى صبر وقدرة كبيرة على إدارة قرابة الـ 45 شخصاً، ولا تتوقع مردوداً مادياً كبيراً، وأحياناً تدفع من أموالك للاستمرار»، هنا توضيح من قبل علي الشيبه الدرمكي، من توارث الفن عن أبيه ضمن فرقة الشيبه الدرمكي،  لفت إلى أهمية الحفاظ على الموروث، مبدياً تحفظه على دور الجمعية، في الدفع بتنشيط عمل الفرق الشعبية، وحضور «عيالة العين»، قائلاً: هناك طلب على عيالة العين، ولكن دور الجمعية مغيب، التي يجب أن تكون ملتقى لجميع الفرق، وتحفيز الشباب خاصة، إلى جانب دورها التنظيمي، فأنا أقوم بتدريب مجموعة من الشباب، لفترة طويلة، وبعدها يتم استقطابهم في فرق أخرى، رغم أنه لا يوجد خلاف وقدمت لهم كل حقوقهم، فهذه مهمة الجمعية أن تحفظ حق شرط العلاقات بين الفرق الشعبية وأعضائها وتنقلاتهم، ونحن نكن كل التقدير لجهود الدولة التي انطلقت من حرص الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حول الحفاظ على الموروث الفني الشعبي، ولكن دور الإعلام في إبراز فن عيالة العين وتاريخها ضروري، ويساهم في دعم مشاركتنا في المحافل الوطنية والعالمية، إضافة إلى المناسبات الاجتماعية، منها الأعراس، والملتقيات الاحتفائية، فمثلاً نتواجد في مواقع سياحية من مثل جبل حفيت (المبزرة)، والحدائق العامة وغيرها، لإثراء حس الفن الشعبي بين مختلف شرائح المجتمع في دولة الإمارات.

جمعية العين الشعبية
بحسب الورقة البحثية حول فن «عيالة العين» التابعة لجمعية العين الشعبية والتراث أنه في إحدى زيارات المغفور له الشيخ زايد لمنطقة العين أثناء تفقد أحوال الأهالي، مر في جولته على منطقة الكويتات رأى تجمع فرقة العيالة عند منزل الوالد خير بالحاي الكويتي وكانوا يتجهزون للذهاب لإحدى المناسبات لتأدية فن العيالة وخلال حديثه مع الوالد خير قال له بأنه سوف يتم تجهيز مقر لجميع فرق العيالة لتنظيم عملها، ووجه كلامه بأن يتم تعيين الوالد خير الكويتي في المقر إلا أنه وضح للشيخ زايد بأنه لا يقرأ ولا يكتب، وبالتالي جاءت التوجيهات بأن يتم اختيار العناصر التي تدير المقر على أن يكون خير الكويتي هو المؤسس الأول لهذا المقر مع باقي المؤسسين وبالتالي وذلك في سنة 1982م جاء القرار بإنشاء وتأسيس جمعية العين للفنون الشعبية بتوجيهات القائد المؤسس وبقرار وزاري بتاريخ: 2-12-1982م من وزارة العمل آن ذاك.

«طلع البدر علينا»
في رؤية بحثية للباحث د. سعيد الحداد، مدير معهد الشارقة للتراث - فرع كلباء، حول فن «عيالة العين» أنها فن يشار إليه في الماضي بـ «العرضة»، وأنها امتداد «للعرضة البرية»، التي تزخر بها معظم دول الخليج العربية، وهي من فنون الحرب التي تنتمي إلى المدرسة العسكرية، شأنها في ذلك شأن «العيالة»، و«الحربية»، و«فن الوهابي»، و«الرواح»، و«اللقية»، و«فن الندبة»، هذه الفنون التي تنتمي للمدرسة المذكورة.
وأشار الدكتور سعيد الحداد، فيما يتعلق بـ «العيالة»، بأنها العرضة الممتدة إلى ما قبل ظهور الإسلام، مطلعاً «الاتحاد الأسبوعي»، برؤاه البحثية في أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، استقبل بالنشيد: «طلع البدر علينا»، تضمن الاستقبال استخدام الدفوف، وما هو معروف عن العرضة أنها تستخدم «الدف» و«الطار»، وهو ما يستخدم في فن العيالة البرية، ويمكننا ملاحظة «اللزمة» الموجودة في العرضة، المرتبطة باللحن والوزن في البيئة الخليجية، جميعها توحي بأهمية الإطلاع على نشأة الفنون الشعبية، التي تشكلت بظهور البشر والتواصل التاريخي، وتوارث الحضارات.
ويؤكد الحداد على مسألة مهمة وجب الالتفاف نحوها وهي أن فن «العيالة» عموماً هو: «فن من فنون الاستعراض لا من فنون الرقص، لأن ليس بها ما يدل على الرقص ولو كان بها لظهر واضحاً، وهذا شيء واضح وواقع وقائم بها لا يقبل التغيير والتبديل في مفهومه، لأن من ألف وجسد هذا الفن لم يودع فيه ما يدل على الرقص، وإلا لما رأينا هذا الفن بجملة مفاهيمه هذه التي نراها عليه».
حول موضوع النقاشات البحثية بين الباحثين المهتمين بـ «العيالة الساحلية» و«عيالة العين»، لفت الباحث سعيد أبوميان إلى أهمية إقامة الحلقات النقاشية بين الباحثين، من مختلف إمارات الدولة، لأهمية ذلك، في إحداث التطوير البحثي، واستخراج نتائج مهمة تساهم في إثراء حضور الفنون الشعبية في الحياة المجتمعية والثقافية، والتي من شأنها أن تلقي الضوء على أهم التحديات، وكيفية طرح القضايا المتعلقة بالجمعيات المختصة بالفنون وطبيعة التعاون مع الجهات المعنية في الدولة، وإيجاد حلول جذرية لآلية عمل تنشيط هذا الحقل، الذي يواجه عزوفاً مستمراً، ويستدعي التكاتف للحفاظ عليه، كموروث اجتماعي وثقافي وإنساني.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©