الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: فلسفة الفستان الأزرق

د. شريف عرفة يكتب: فلسفة الفستان الأزرق
28 أغسطس 2020 00:35

وصلتني رسالة من قارئة عزيزة تشكو من عدم قدرتها على تخيل أهدافها المستقبلية.. فظننت أن السبب يعود لكونها متشائمة، لكن أدهشني السبب الحقيقي الذي كان مثيراً للاهتمام حقاً.. فبعد تبادل الحديث قالت إنها لا تستطيع التخيل البصري أصلا.. وحين طلبت منها إغماض عينيها وتخيل أي صورة، دائرة أو مربع، قالت إن هذا غير ممكن وتعجبت من أن يستطيع المرء فعل شيء عجيب كهذا! كانت المرة الأولى التي أصادف فيها شخصا لديه ظاهرة «الأفانتازيا» النادرة التي قرأت عنها كثيراً، وتجعل العقل غير قادر على استخدام الخيال البصري وخلق الصور الذهنية أثناء عملية التفكير.. 
تخيل معي دهشتها حين علمت أن هناك أناسا يفكرون بطريقة مختلفة عنها، ولا تعمل عقولهم كما يعمل عقلها.. قد تبدو هذه الحالة غريبة حقا.. لكن، مهلاً عزيزي القارئ.. ألا نشبه جميعا صديقتنا هذه بدرجة أو بأخرى؟ هل لديك -أنت شخصيا- أي ضمان لكون الناس يفكرون كما تفكر، أو يرون العالم كما تراه؟

يقول عالم النفس «بياجيه» إن الأطفال يعتقدون أن ما تراه أعينهم هو ما يراه غيرهم أيضا.. ففي تجربة مثيرة جاء بنموذج مصغر ثلاثي الأبعاد لغابة صغيرة، فيها جبل وشجرة.. وأجلس الأطفال حولها ليسأل كل واحد منهم: هل يستطيع الطفل الجالس أمامك رؤية الشجرة؟ كان الطفل يجيب بنعم إذا كان هو نفسه يرى الشجرة.. لأنه لا يعي أن الطفل الآخر لا يرى الشجرة لأن الجبل يحجبها عن زاوية نظره.. مع الوقت يكبر الناس في السن ويدركون أن المشاهد تتغير باختلاف زاوية الإبصار، لكن كثيرا منهم يظلون عاجزين عن إدراك أن اختلاف الرأي قد يعود أيضا لأسباب مشابهة.. يقول أحدهم لنفسه: لو لم يتبنى الشخص الآخر الرأي الذي أقتنع به، فالمشكلة عنده هو بالضرورة، لأن ما أراه من زاويتي المحدودة هو الحق المطلق الذي ينبغي أن يراه باقي البشر على الكوكب!

الحقيقة هي أننا لا نرى العالم بنفس الطريقة، وأظرف إثبات لذلك هو «صورة الفستان الأزرق» الشهيرة التي غزت الإنترنت منذ فترة.. لو كنت لا تعرفها، فابحث عنها واستمتع بإفساد علاقاتك الاجتماعية عند النقاش حولها.. فهي صورة فستان يراه كل شخص بألوان مختلفة: إما أرزق وأسود، أو أبيض وذهبي، رغم أن كلا الشخصين بجوار الآخر وينظران لذات الصورة! فسر الباحثون هذا الاختلاف بتفاوت طفيف في تكوين مستقبلات الضوء في العين أو باختلاف ترجمة العقل لإضاءة الصورة.. لكن أيا كان السبب فالنتيجة واحدة..
وهي أننا لن نستطيع التعايش في سلام وتقبل بعضنا البعض، إلا لو أدركنا أننا لا نري العالم بنفس الطريقة.. 
حتى حين ننظر بأم أعيننا لنفس الشيء!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©