عدد اليوم
هكذا سار المثل «اربط صبعك وكلٍ بينعت لك دوا»، وهو كناية عن كثرة الناصحين ممن يرون في أنفسهم أنهم أطباء ومعالجون وباحثون، سواء كانوا حقيقيين أم مزيفين من الذين يدسون أنوفهم في كل شيء، ويعرفون في الفن والطبابة والأدب والطبخ والرعي، رغم أننا لسنا في زمن الرعي، لكنهم يفهمون في كل شيء، ويعرفون بما لا يعرفون.
هذا ما يحدث منذ أن حل وباء (كوفيد- 19) على العالم، وقبل ذلك أيضاً، لكن الأمر استفحل وازداد مع دخول الوباء حيز «التنفيذ» والانتشار بشكل مروع ومخيف، فقد طلع علينا منظرون وعلماء ومحللون يشبهون المثرثرين في القنوات الرياضية، وإخصائيي التنمية البشرية والصحية والتغذوية، وصرنا نصحو صباحاً على رسالة واتسابية لطبيب من قوم بوقذيله يرتدي نظارات ملونة، ويقدم نصائح يسميها ذهبية، وهي في الحقيقة مجرد هراء، فالصو كما يحلو للبعض التسمية.
ثم جاء دور الثوم والبصل والحميّض والحرمل واللبان والصمغ، ومن ثم الخيله والمُره وهذه طبعاً لها مريدوها من الأطباء الشعبيين، معتمدين أم غير معتمدين، وهذا سوق رائج لبعض النساء من عاشقات «لملال البلاستيك الصفراء والحمراء» التي يخلطنَ فيها الأعشاب لتدريب السيدات على تقليدهن لإعدادها في المنزل، فتقوم تلك السيدة بترويج الفيديوهات التي تتقاطر علينا مثل المطر في عز الصيف، شديد الهطول، قليل النفع لأنه مجرد روايح عابرة.
وعلى الجانب الآخر، هناك عند وسائل التواصل بخاصة تويتر وعصفوره المُحلّق ما يشيب له الرأس من مواد ترويجية ونصائحية، تظهر لك على العام وتأتيك في رسائل خاصة تُشبه رسائل المُنشدين الذين يعرضون خدماتهم ثم يورطونك في مبالغ مالية لم تتوقعها، يشبهونهم أولئك في الترويج لنصائحهم، فبين واحد يرتدي بالطو طبّي، وآخر يتمنطق ثياباً من آخر موضة تضيع من تشاهد ومن تصدق، من تتبع، ومن تتجاهل، مشكلة عويصة ليس لها حلّ أبداً، ما دام الناس يتداولون هذه المواد التي في أغلبها مغشوشة ومضروبة.
على الجانب الآخر، خذ أولئك الذين يتحدثون في الطاقة، وكيف أن هذا الوباء مجرد مكيدة صينية متُعمّدة إن عزّزت مناعتك، وملأت معدتك بالمغنيسيوم وخلافه، تجاوزتها وهو مجرد خدعة والناس يصدقون، ولا يصدقوا أن هذا الذي يقول لهم إن اللقاح سيفعل بكم كذا وكذا، سيكون أول اللاهثين للحصول عليه لأنه اشتاق السفر، وتصوير السنابات والتوكتوكات، ليروج أفكاره التي سرق أغلبها من مؤلفات أوشو.
كل ذلك يحدث وسيحدث أكثر، المهم أن تحسنوا ربط أصابعكم، ويفضل بشريط ملوّن لامع، وذلك إمعاناً في مزيد من الأمل والتفاؤل، ودمتم بخير.
