الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

النار والرّماد

النار والرّماد
28 ديسمبر 2020 00:36

شيخة محمد الجابري

هي النار التي لا تخلّف وراءها غير الرماد، هكذا هي سنة الواقع والحياة، وبعض البشر الذين يصرّون على أنهم مخلفات رماد، رغم أن من خلّفهم- وتأتي هنا بمعنى أنجبهم- ليسوا رماداً للسابقين وإنما هم امتداد لأوجه الخير والمحبة والعطف والحرص على الصديق والجار والأهل، وكل من دخل منازلهم كان آمناً مطمئناً، فلم يجرّحوا ولم يسعوا إلى بث فرقة أو فتنة بين من يعرفون، كانوا لشدة بياض قلوبهم يحفظون الود، ويسامحون، ويتجاوزون، لأنهم وُلدوا في زمن غير الزمان، وكانوا ناس ذاك العهد الطّيبين، الفارهين حضوراً ومشاعر وعلاقات.
قيل في الأثر الشعبي «النار ما تخلّف إلا الرماد»، وهو مثل حقيقي إذا ما نظرنا إلى ما يدور حولنا من سلوكيات وتصرفات بعض البشر غير المسؤولة والتي لا يكون بوسعك عند حدوثها، أو تعرضك لشيء من شظاياها إلاّ أن تقول: «رحم الله فلاناً، كان من خيرة الناس، يحرص على القريب والبعيد، يحترم الآخرين، لكنّه لم يخلّف أبناء صالحين يشبهونه في دماثة خلقه»، صدق أن النار ما تخلّف إلاّ الرماد «هذا ما يردده لسان حال الناس بعد رحيله».
إن الذين يشبهون الرماد في سلوكهم يؤذون الناس، ولا يتوانون عن ظلمهم، والتجنّي عليهم، وحشد الاتهامات لهم، وأولئك «يا غافل لك الله»، لا يعلمون شيئاً ولا يعرفون ما يدور من وراء ظهورهم من مكائد ودسائس من الذين قد يكونون أقرباء أو أصدقاء أو معارف يتعمدون الإساءة إليهم، والتطاول عليهم، ولشدة نرجسيتهم المريضة، وأناهم العليلة يتمادون في غيّهم، وظلمهم، متناسين أن الله تعالى ينظر إلى أعمالهم، وأنه وحده قادر على لجمهم ووقف سيل غثائهم باتجاه من كانوا في يوم ما شركاء حياتهم وأوقاتهم.
هناك أبناءٌ لا يُشبهون والديهم في الصفات والمناقب والأخلاق الحميدة، فيظهرون في أثواب مختلفة عمّا اعتاده الناس، ويصبحون أعداءً لمن كان والديهم يحبونهم أو تربطهم بهم علاقات طيبة كريمة ومحترمة، تقوم على أسس أخلاقية وقيمية رفيعة، وسنع ومذاهب وأعراف يتخلى عنها الأبناء بكل أسف بعد رحيل الكبار، وعوضاً عن أن يكونوا «الخَلَف» الطّيب لهم، يصبحون شرسين وغير قادرين على التخلي عن عدائهم لمن كانوا له الأهل ورفقة العمر الطويل.
لنا أن نتساءل في ظل ما تشهده مجتمعاتنا من تحولات البشر القيميّة والسلوكية، لماذا تحدث هذه الهزّة الإنسانية فجأة؟ ولم يطيب لبعض أبناء الناس الطيبين أن يكونوا أشراراً ولا يعكسون في سلوكهم التربية الصالحة التي نشأوا عليها؟ كيف يطيب لهم أن يسيئوا إلى والديهم حينما يقول الناس «النار ما تخلّف إلاّ الرماد»؟ عافانا الله.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©