عدد اليوم
السياحة المظلمة هو مصطلح ظهر على ساحة السياحة خلال السنوات الماضية بتعابير مختلفة مثل سياحة الموت أو الحزن أو الصدمة أو السياحة المعتمة، وهي سياحة تسبر أغوار فصل مظلم، أو حقبة تاريخية مخيفة، أو موقع حدثت فيه قصة لها تأثير مرعب، قد تكون زيارةً لنصب تذكاري لكارثة طبيعية، أو مكان شهد أحداثاً قاتلةً ومجازر مخيفة، نقوم بهذه السياحة أحياناً دون قصد، فهل سبق لك زيارة متاحف الحروب ورؤية ما خلفته؟ هل فكرت في جولة لسراديب الأموات في باريس، أو بحثت عن آثار لجدار برلين عند زيارة ألمانيا؟ هل بحثت عن النقطة رقم صفر التي أصبحت نصباً تذكارياً لحادثة 11 سبتمبر الشهيرة في نيويورك؟ إذا كانت الإجابة بنعم أو ربما، فمرحباً بك في نادي السياحة المظلمة.
على الرغم من الخلاف الحاصل في قبول هذا النوع من السياحة؛ إذ يتضايق بعض سكان مناطق الكوارث من السياح، لإيمانهم بأنها مواقع عِبر، وليست مقاصد سياحية، ولكن يعتقد آخرون بأن هذا النوع من السياحة هو وسيلة للاتعاظ وأخذ الدروس من الماضي، فالحوادث، طبيعيةً كانت أم من صنع البشر، تسمح لنا -بطريقة ما- بالتعلم من الأخطاء، وبتكريم من كان يتواجد في هذه المواطن.
لا مانع أحياناً من ممارسة هذا النوع من السياحة ووضعها في صلب زيارتنا، على سبيل المثال بالإمكان التوقف في متحف هيروشيما للسلام عند زيارة اليابان، أو زيارة معسكر أوشفيتز للإبادة في بولندا، أو المرور بحقول القتل الجماعي في كمبوديا، كما أنك تستطيع أن تزور منزل «عائلة مانسون» القاتل الشهير، حيث سترى فظاعة ما ارتكبه من جرائم متسلسلة في لوس أنجلوس والقائمة تطول.
مؤخراً كانت لي زيارة لموقع الموت في مدينة بريبات- Prypiat القريبة من تشيرنوبل، حيث حدثت واحدة من أخطر الحوادث النووية تاريخياً بجانب حادثة محطة فوكوشيما في اليابان، وقدرت الأنشطة الإشعاعية الناجمة عن الانفجار بأنها أكثر بـ 500 مرة من قنبلة هيروشيما، زيارة رأيت فيها شبح الموت في كل جنبات المدينة من مبانٍ مهجورة، وأغراض تركها أصحابها أملاً في العودة يوماً ما، زيارة لا تستطيع أن تقوم بها إلا بعد الحصول على تصريح خاص والذهاب مع شركة سياحية متخصصة ومرخصة وبعد المرور بعدد من نقاط التفتيش، هناك يجب ألا تأكل أو تشرب في الهواء الطلق ولا تضع مقتنياتك على الأرض، لا تأخذ معك أي شيء ولا تلمس النباتات ولا تجلس على الأرض، ويجب عليك إحكام إغلاق ملابسك، كما يمنع التواجد من دون مرافق، مكان مليء بالإشعاعات التي ستسمع أزيز جهاز جيجر للإشعاع وهو يحذرك منها، رحلة مظلمة، اقتربنا فيها من المفاعل رقم 4 الذي حصلت فيه الحادثة، وتعلمنا الكثير وكانت عبرة، سياحة مظلمة من جانب، مضيئة من جانب آخر، فمرحباً بكم في نادي السياحة المظلمة.
