الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

العطور القديمة.. عبق الأصالة

(تصوير عادل النعيمي)
21 يناير 2021 00:07

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

يدخل زائر مهرجان الشيخ زايد إلى «سوق الوثبة» الذي تم تصميمه على هيئة الحي الإماراتي القديم بكل تفاصيله، وبهيئة البيوت والدكاكين القديمة نفسها والطرقات والساحات والبراجيل والجنادل والقلاع والحصون، والعديد من مكونات الحضارة والتراث الإماراتي، فتستقبله الروائح الزكية من عطور وبخور، حيث يعبق الجناح برائحة أجمل العطور، التي أبدعتها الجدات وتوارثتها الأمهات. ويحمل المهرجان بين أجنحته أصالة التراث وعبق التاريخ ورؤية الحاضر لمستقبل أكثر ازدهاراً عبر أجنحته المتعددة التي تضم مجموعة من الإبداعات والتحف التاريخية التي تسلط الضوء على الإسهامات الإماراتية، وتعرّف الأجيال الشابة بالثقافة الوطنية لدولة الإمارات وهوية الدولة وموروثاتها، من خلال تنوع تراثي حافل من الموروث الإماراتي الثقافي الأصيل.

نقطة جذب
وانطلاقاً من مكانة العطور في الذاكرة الإماراتية، وما تمثله من رمزية، وما تحتله من مكانة مرموقة في المجتمع، فإن سوق الوثبة بالمهرجان يعج بأنواع عديدة من العطور التي امتلكت المشاركات أسرارها، جعلت من السوق نقطة جذب للجمهور، وحيث إن المرأة الإماراتية ارتبطت بالعطور منذ القدم وطوعت الطبيعة وابتكرت الخلطات، لتطييب نفسها وبيتها خلال جميع المناسبات، خلال ابتكار أفخر أنواع العطور التي تعكس الجودة والرقي، إضافة إلى إتقانها فنون مزج العطور، ما جعل العطور من أكثر الأسواق انتعاشاً، ركزت على النفحات الصافية والغنية بشذى النباتات، وبحثت دائماً على تركيبات عطرية جديدة، ولم تكتف بذلك، بل أيضاً وضعتها في عبوات جميلة جعلتها أكثر أناقة، ما جعل البيت الإماراتي يزهو بالروائح الفواحة، حيث تقدّم النساء الإماراتيات أجود ما يصنعنه من أجل التعريف بالعادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة.

إبداع
اعتمد الأجداد على النباتات والخلطات الطبيعية في التعطير الشخصي والمنزلي، خاصة في الأعياد والأعراس والمناسبات المختلفة، مستخدمين أوراق النباتات والأشجار العطرية التي تصنع بشكل يدوي في كل بيت، كالزعفران، والصندل، والمسك، والعنبر، وماء الورد ومسحوقه، وأوراق الياس العطرية، أنواع كثيرة استخدمتها المرأة الإماراتية في صنع خلطات العطور التي كانت تستخدم في كل بيت في تعطير البيت والفراش والملابس، ورغم تنقل طرق تعتيق الأوراق والخلطات بين الإماراتيات، فإن كلاً منهن لديها طابعها الخاص وسرها الخاص في زيادة أحد المكونات، بما يتناسب مع ذوقها وأفراد أسرتها.

أفضل الخلطات
وقالت زهرة سعيد سالم، مشاركة بسوق الوثبة بمجموعة من العطور العربية والخلطات التي أضفت عليها من إحساسها ومشاعرها: إن للعطور مكانة خاصة عند الإماراتيين، لا سيما أنهم اعتمدوا قبل عقود على خامات البيئة المتاحة في تصنيع العطور، فكانت المخمرية أفضل الخلطات التي اعتمدت عليها المرأة الإماراتية في تعطير نفسها في ليلة العرس والأعياد والمناسبات المختلفة، وكانت السيدات يتنافسن في إبداع خلطات خاصة بهن، وذلك بمزج العديد من المكونات بما يتناسب مع ذوق كل سيدة.

شغف
وتعرض زهرة سالم أنواع وخلطات العطور، مؤكدة أنّ هذه الحرفة التي بين يديها، قد أتقنتها منذ نعومة أظفارها، الشيء الذي يرجع إلى تاريخ المهن في العائلات الإماراتية واهتمامها بالروائح الطيبة، موضحة أن الإماراتية كانت وما زالت شغوفة بالعطور، فابتكرت أجمل الخلطات مستغلة ما تجود به الطبيعة.
وأوضحت أن شغفها بالعطور العربية الأصيلة التي تتميز برائحتها القوية بدأ مبكراً عندما كانت تشاهد والدتها تعمل على صنع عطرها بنفسها، مما دفعها إلى تحويل موهبتها إلى مصدر دخل، ويتوفر رواقها على مجموعة من العطور التي صنعتها بنفسها معتمدة على حسها الفني، موضحة أن المرأة الإماراتية امتلكت أسرار خلط العطور لتبتكر عطراً خاصاً بها ويناسب شخصيتها، حيث تميزت بإتقان مزج العطور.
وأشارت إلى أن أغلب العطور كانت تأتي من الهند كمواد خام، بينما تقوم النساء بخلطها لابتكار خلطة تميزها، ومن هذه العطور التي كانت تجلب من الهند وتشكل أساس بعض الخلطات، ولا سيما تلك التي تستعمل في تعطير الفراش، «أبو حبيبن»، و«أبو ولد»، و«ماء الورد»، بينما كان يستقبل الضيوف بالمرشات، لافتة إلى أن كل بيت يمتلك سراً من أسرار العطور والتي كانت وما زالت تعتبر مكوناً أساسياً من الهوية الثقافية الإماراتية.

لكل مناسبة عطر
ويعتبر العطر عنصراً أساسياً في حياة الإماراتي، يحضر في الحياة اليومية، وفي جميع المناسبات، حيث قالت زهرة سالم: قبل التفكير في المناسبة، يبدأ تحضير العطور، حيث امتلكت الجدات أسرار الخلطات الخاصة بالأعراس والأعياد والمناسبات السعيدة، مستغلة ما تجود الطبيعة وما توفر لديها من مواد خام، مثل عرق الحناء، فيجي وموثيا ودهن العود ودهن الورد والزعفران ومسك أبيض ومسك أسود وعنبر وصندل، وغيرها من المكونات التي كانت تمزج بمقدار معين، وتضيف لها كل سيدة من مشاعرها وأحاسيسها وذوقها لتصنع خلطة خاصة بها تميزها، حيث كانت النساء تسعى للتميز برائحتها، ومن الخلطات التي كانت تعمل النساء على تخميرها تحت الأرض 40 يوماً لتصبح رائحتها ذكية نفاذة.

وأكدت أن المرأة الإماراتية، لم تتفنن في صناعة العطور فحسب، إنما أبدعت في تقديمها، حيث إن البيوت الإماراتية تتزين بأنواع كثيرة من العطور، وهي ثقافة متأصلة، إذ يتوفر كل بيت على زاوية توضع فيها أجمل أوعية تحتوي على أنواع كثيرة، وتتنافس السيدات على أجمل القوارير الفاخرة، ما يجعل من العطر ثقافة متأصلة في المجتمع.

نقل الخبرة
من جانب آخر، قالت فاطمة يوسف إن قصتها مع صناعة العطور بدأت منذ أكثر من 10 سنوات، حيث تميزت بخلطاتها المتميزة، والتي نالت استحسان أولادها وصديقاتها والأهل الذين شجعوها لاستثمار موهبتها في تصنيع العطور، ما جعلها تبدأ في مشروعها الصغير والمشاركة في المهرجانات والمعارض التراثية، ومنها مهرجان الشيخ زايد، وفي ركن خاص بها لصناعة العطور، تقوم بعرض العديد من العطور التي تتمتع بجودة عالية، أطلقت عليها مجموعة من الأسماء، موضحة أن بدايتها الحقيقية كانت من المدارس، حيث كانت تشارك في فعاليات الأيام التراثية التي تنظمها مدرسة أبنائها، ومن ثم أحفادها، مؤكدة أهمية استثمار المواهب للحفاظ على الصناعات التراثية الأصيلة، ونقلها لهذا الجيل.
وقالت: إنّ صناعة العطور مهنة تحتاج إلى دقة وجهد وصبر مثلها مثل أي حرفة أخرى، لافتة إلى أنها نجحت في ابتكار عطور خاصة بها لاقت إقبالاً كبيراً من الناس الراغبين في شرائها من أنحاء الإمارات كافة، الشيء الذي دفعها إلى المشاركة في المهرجان، حيث أعجب الزوار بعطورها، موضحة أن مهرجان الشيخ زايد جعلها تحتك مع العديد من صانعات العطور، وأتاح لها الفرصة لتبادل الخبرات مع مختلف المشاركات.

أنواع جديدة
يتضوع «سوق الوثبة» بمهرجان الشيخ زايد بالروائح العطرة، حيث تشارك عشرات السيدات بخلطات مميزة تجعل ساحة السوق فضاء يعبق بأطيب الروائح، من هؤلاء زمزم إبراهيم، والتي تعمل في هذا المجال منذ أكثر من 14 سنة، وهي تعرض مجموعة من العطور الرائعة. وأوضحت أنها لطالما اشترت العطور العربية والفرنسية، محاولةً مزج أنواعها من أجل استكشاف أنواع أخرى، وتسعى دائماً إلى ابتكار أنواع جديدة حسب المواسم والأعراس، مؤكدة أن لكل مناسبة عطراً معيناً، وكذلك لكل شخصية عطر، لافتة إلى أن أبناء الجيل الحالي يعشقون العطور، وقد ورثوا هذا الشغف من الجدات، إلا أنهم يميلون إلى العطور الفرنسية، ما يجعلنا نبتكر خلطات تناسب جميع الأذواق.

عناصر الجمال
الشابة أماني مصطفى التي تعرض مجموعة من العطور العربية، قالت: إن هذا الجيل ورث شغف حب العطور وصناعتها، ما جعلها عنصراً أساسياً في حياته وتعكس فن العيش الإماراتي، موضحة أن المجتمع الإماراتي يعشق التطيب والتعطر بأجمل العطور، وتتوفر على مجموعة من العطور الأصيلة.
وأكدت أن المشاركة في مهرجان الشيخ زايد تعتبر إضافة كبرة بالنسبة لها، لا سيما أن السوق يستقطب العديد من الزوار الذي يستمتعون بالفعاليات المرافقة وبما يعرضه السوق من منتجات تراثية أصلية، ما يفتح النافذة على التراث الإماراتي الأصيل، حيث يأتي السائح للاطلاع على جانب من عناصر الحضارة والمكونات الرئيسة لتراث الإمارات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©