عدد اليوم
قد يكون العنوان مستفزاً لمحبي مصر الحبيبة، وقد يثير الغضب والمشاعر السَّلبيَّة تجاهي؛ ولكنَّني أقول: مهلاً، فلا بدَّ أن تقرأ بقيَّة المقال لتعرف ما أعنيه؛ فللجملة بقيَّة. نعم، أنا أنصح ألَّا تسافر إلى مصر إذا كنتَ تتَّصف بالصِّفات الَّتي سأذكرها هنا.
بدايةً لا تسافر إلى مصر إذا كنت ذا مزاج عكر؛ فالشَّعب المصري شعب صاحب نكتة، شعب مثقَّف متحدِّث، يحبُّ أن يتجاوز سلبيَّات يومه بنفسيَّة متفائلة. فإذا كنت (نكدياً) فلا تسافر. كما أقول لك: لا تسافر إلى مصر إذا كنت ستزعجنا بالشَّكوى من السَّلبيَّات التي توجد في أيِّ بلد سياحيٍّ؛ فمصر مثلها مثل أيِّ دولة سياحيَّة قد يصادفك فيها بعض ما يعكِّر صفو مزاجك، فإذا كنت (تدقِّق) في كلِّ صغيرة وكبيرة فاجلس في مكانك. لا تسافر إلى مصر إذا كنت ممَّن سيحكم على شعب كامل من خلال ممارسات فرديَّة. لا تسافر إلى مصر إذا كنت ترغب (فقط) في قضاء يومك جالساً في المقاهي وانتقاد النَّاس. لا تسافر إلى مصر إذا كنت تنوي أن تقتصر زيارتك على القاهرة فقط؛ فمصر فيها الغردقة، وشرم الشَّيخ، وأسوان والإسكندريَّة، وسيوة، والأقصر، وعشرات الأماكن الَّتي لا أستطيع حصرها في مقال واحد. لا ترهق نفسك بالسَّفر إذا كنت تنوي الجلوس في بهو فندقك دون أن تخرج وتخالط الناس، وإذا كنت تنوي أن تأكل (فقط) من المطاعم الشَّهيرة ذات 5 نجوم؛ فلا بدَّ من تجربة الطَّعام المصريِّ على أصوله من المطاعم الشَّعبيَّة ذات الجلسات الممتلئة بالبساطة والتَّرحاب. فأنت في مصر، ومن الضَّروريِّ أن تتذوَّق الكشري والملوخيَّة - خاصَّة إذا طبخت باستخدام تقنيَّة (شهقة الملوخيَّة) - والحمام والطَّواجن والرُّز بلبن، وبعد ذلك ترتشف كأس شاي في الخمسينة. ولا مانع من تجربة (فول العربية) إذا كنت ترغب باكتشاف كيف يبدأ المصريُّون يومهم، وكما قال المثل الشَّعبيُّ: (اللي يشوف الفول ولا ياكلش.. يحبّ ولا يطولش).
لا تسافر إلى مصر إذا لم تضع تاريخها نصب عينيك؛ فآثارها تتحدَّث، وحضارتها تروي قصَّة ذات دلالات عميقة. خصِّص في رحلتك إلى مصر وقتاً لتغوص في أعماق هذا التَّاريخ وهذه الحضارة؛ وشاهد آثارها الَّتي تحكي أساطير فرعونيَّة قد يصْدق بعضها، ولا يثبت الآخر. لا تسافر إلى مصر إذا كانت (عزومة المراكبية) ستزعجك؛ فهي دعوة يقصد بها شيء، والمعنى آخر فافهم يا فهيم. اجعل لنهر النِّيل الوقور نصيباً من هذا الحضور. لا تسافر إلى مصر إذا كنت ستنزعج من الحسِّ الاجتماعيِّ والطَّرافة عند المصريِّين، واستعدَّ لسماع جمل مثل (ما تخلي علينا يا باشا).
هذا ما أردته بالعنوان، لا تسافر إلى مصر إلَّا إذا كنت تنوي أن تستمتع، وتروِّح عن نفسك، وتتعرَّف على شعب طيِّب وعلى بلد عظيم. وأخيراً أقول لك: (نوَّرت مصر يا عسل).
