السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«ماما سامية».. قلب تنزانيا الجديد

«ماما سامية».. قلب تنزانيا الجديد
10 ابريل 2021 00:08

وائل بدران (أبوظبي)

بثلاث كلمات: «دعونا نتخذ موقفاً»، بدأت رئيسة تنزانيا الجديدة، سامية سولو  حسن، في خطاب متلفز الثلاثاء الماضي عهداً جديداً، لتقر حكومة الدولة الأفريقية بالوباء، مع التعهد بحرية الصحافة، وتعزيز الحقوق المدنية، ما أعطى أملاً في التخلي عن سياسات سابقة.
وتولت سامية حسن، أو «ماما سامية» كما يلقبها التنزانيون، الرئاسة الشهر الماضي عندما توفي جون ماجوفولي جراء مضاعفات مرض القلب، وكان من أشد منكري وباء «كورونا المستجد»، لدرجة أن حكومته لم تصدر أي بيانات عن انتشاره منذ أبريل العام الماضي. 
وحذر مسؤولو الصحة خارج تنزانيا من أن ارتفاع نسب حالات الإصابة بين المسافرين إلى تنزانيا، في مؤشر على أن الدولة تعاني من تفشٍ واسع النطاق، بما في ذلك معظم السلالات الجديدة المتحوّرة، بحسب الباحثين، خصوصاً أن تنزانيا لم تطبق أي إجراءات لاحتواء الوباء. 
وثمة آمال كبيرة معلقة على «ماما سامية»، التي كانت نائبة الرئيس الراحل، في العدول عن السياسات السابقة لماجوفولي، والتي شملت رفض اللقاحات، وهو ما هدّد بعزل تنزانيا عن المجتمع الدولي. 
كما يأمل نشطاء الحقوق المدنية أن تحاول سامية إعادة بناء دعائم الديمقراطية، التي يقولونا إنها تداعت طوال سنوات ماجوفولي الخمس في السلطة، لاسيما إغلاق الصحف والمواقع الإلكترونية، ووضع عراقيل مالية لإصدار مطبوعات جديدة، وحبس الصحافيين. 
وفي خطابها الثلاثاء الماضي، أشارت سامية سولو إلى نيتها فتح مجال الحريات، عن طريق الدعوة إلى إعادة تراخيص المؤسسات الإعلامية المحظورة.
وقالت: «ينبغي ألا نمنع وسائل الإعلام بالقوة.. أعيدوا فتحها، لكن علينا أن نضمن اتباعها للقواعد». 

تحوّل
مع التحول السياسي الكبير الذي يجري في تنزانيا، أصبحت سامية سولو الرئيسة السادسة للدولة الواقعة في شرق أفريقيا، والمرأة الوحيدة التي تترأس دولة في القارة الأفريقية بأسرها.
وركزت أجندة مكافحة الفساد للرئيس الراحل ماجوفولي على العمل الجاد والعلاقات السيئة مع شركات التعدين العملاقة متعددة الجنسيات، والاستثمارات الكبيرة في القطاع العام، وهو ما لاقى استحسان فئات كثيرة من الشعب. 
لكن ذلك تزامن مع تضييق المجال السياسي، وهو ما أدى إلى تفاقم الانقسامات السياسية العميقة، التي تزايدت مع فوز ماجوفولي العام الماضي في انتخابات شهدت خلافات حادة، بنسبة بلغت 84 في المئة من الأصوات.
ويعني ذلك، أن «ماما سامية» ورثت اضطراباً سياسياً وانقساماً حاداً لبقية حكمها على مدار السنوات الأربع والنصف المقبلة.
وكنائبة للرئيس خلال خمس سنوات ونصف، كانت دوماً مؤيدة مخلصة لأجندة الحكومة، رغم أنها لم تنكر إشاعات وجود توترات في العلاقات عام 2016.
وكثيراً ما عملت سامية سولو كممثلة رئيسة لماجوفولي في الخارج أثناء فترتها كنائبة للرئيس، لذا حظيت بدور دبلوماسي كبير، مدفوعاً بما يشبه إجماعاً، لكن ذلك ربما يتغير بعد توليها منصب الرئيس.
ورغم مزاعم أن اختيارها نائبة للرئيس كان بسبب الحاجة إلى امرأة لتشغل المنصب بعدما هزم ماجوفولي امرأتين في انتخابات الرئاسة، فإن «ماما سامية» نجحت في لعب دور بارز وبمستوى عالٍ من المسؤولية.

تحديات
حققت تنزانيا نمواً اقتصادياً مذهلاً خلال العقدين الماضيين بلغ متوسطه 7 في المئة، لكنه تراجع بصورة دراماتيكية من 5.8 في المئة في 2019 إلى 2 في المئة فقط في 2020. وحدث فقدان للوظائف في القطاع العام، فيما دُفع مئات آلاف التنزانيين إلى ما دون خط الفقر. 
وأدى قرار ماجوفولي بعدم فرض أي تدابير إغلاق في تفشي وباء كورونا، معتبراً ذلك نهجاً يمنح الأولوية للاقتصاد. بل وأثنى على قراره قائلاً: «واجهنا عدداً من الأمراض الفيروسية، بما في ذلك الإيدز والحصبة، لكن اقتصادنا يجب أن يأتي أولاً»، مضيفاً: «إن دولاً في أفريقيا ستأتي إلى هنا لشراء الغذاء في السنوات المقبلة، وسوف تعاني بسبب إغلاق اقتصاداتها». 
ولا توجد سجلات متاحة لأعداد الوفيات في تنزانيا، ولم يتم الإفصاح عن أي معلومات حول تأثير فيروس كورونا منذ أبريل الماضي، عندما تم الإبلاغ عن 500 إصابة و20 حالة وفاة.

وأصرت السلطات على أنه لا يوجد ما يدعو للقلق، واتخذت إجراءات صارمة ضد من تتهمهم بنشر «معلومات كاذبة». وأعلن ماجوفولى أن البلاد «خالية من كوفيد- 19»، وسخر من فعالية الكمامات، وشكك في نجاح اختبار الفيروس، وأثار غضب منظمة الصحة العالمية والدول المجاورة. 
وشهدت تنزانيا قليلاً من الاختبارات، ولم يتم وضع خطط لبرنامج التطعيم، وهو ما جعل البلاد خارج خطط مواجهة الوباء، ولذلك فإن المرحلة الجديدة تتطلب أن تتخذ تنزانيا مساراً متناسقاً مع الجهود الدولية للقضاء على الفيروس.
وهناك قضايا اقتصادية ومجتمعية تواجه رئيسة تنزانيا الجديدة، أبرزها الفقر، المنتشر في المناطق الريفية، حيث يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان البالغ عددهم 60 مليون نسمة، بأقل من دولارين في اليوم، كما إن هناك قضايا متعلقة بحقوق الإنسان.

واحة استقرار
رغم أن «ماما سامية» تواجه سلسلة من التحديات، ليس أقلها أزمة وباء كورونا، فإنها رغم ذلك ورثت دولة تمثل «منارة السلام والاستقرار في شرق أفريقيا». 
وتوجد بتنزانيا هويات متعددة، شأنها في ذلك شأن أغلب الدول الأفريقية، ففيها أكثر من مئة قبيلة وملل وديانات مختلفة، غير أنها استطاعت أن تجعل هذا التنوع مصدر ثراء لا احتراب وعامل قوة لا عامل ضعف. 
وقامت الدولة منذ تأسيسها على اعتماد مبدأ المساواة والتحاور، وكثيراً ما قامت الطوائف بتنزانيا بمناظرات تهدف إلى التقارب والتعايش فتعزز مفهوم المواطنة والانتماء المشترك، وزاد من ذلك اعتماد نظام تعليمي شامل يفتح الفرص أمام الجميع من دون استثناء ومن دون تمييز. 
وكرّس التنزانيون تقليداً في الحكم لم ينص عليه في الدستور، لكنه صار تقليداً متبعاً، يقوم على أن يتولى الرئاسة مسيحي ثم مسلم بالتناوب والتوالي، واطرد هذا التقليد من أول رئيس مسيحي وهو نيريري إلى الرئيسة الحالية «ماما سامية». 
ومع الوقت صارت تنزانيا أنموذجاً أفريقياً للتناغم والتلاحم ونقطة جذب للحوار والتصالح، كما نأت بنفسها عن الاستقطابات المحلية والدولية.
ورغم الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية اللذين تقوم عليهما قوة تنزانيا الحالية، فإن «ماما سامية» تواجه تحدي المحافظة على اتحاد الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، الذي اندمجت بموجبه تنجانيقا وزنجبار في عام 1964.

زعيمة قديرة
تحظى «ماما سامية» باحترام كبير في بلادها، ووصفها جانيواري ماكامبا، أحد أعضاء البرلمان والذي عمل معها في مكتب نائب الرئيس، بأنها «أكثر سياسية بُخست قيمتها في تنزانيا».
وقال: «لقد لاحظت عن كثب أخلاقيات عملها واتخاذ القرار ومزاجها، إنها زعيمة قديرة للغاية».
لكن لم يتضح بعد أين تضعها تلك المؤهلات في عالم السياسة.
وفي عام 2017، زارت زعيم المعارضة، توندو ليسو، في مستشفى بالعاصمة الكينية نيروبي بعد أن نجا من محاولة اغتيال. 
ومع تكهن الناس بتورط عملاء الدولة في محاولة الاغتيال، تسببت صور الزيارة في إحداث صدمة في جميع أنحاء البلاد.
وذهب ليسو إلى المنفى بعد ذلك، وعاد لفترة وجيزة للمشاركة في الانتخابات العام الماضي، لكنه عاد للعيش في بلجيكا قائلاً: إنه تلقى المزيد من التهديدات.

حياة خاصة
على الرغم من كونها نائبة للرئيس منذ عام 2015 وشغلت منصب وزير دولة في الحكومة السابقة، لا يُعرف الكثير عن حياة سامية الخاصة.
ولدت في يناير من عام 1960 في زنجبار، الجزر شبه المستقلة قبالة سواحل تنزانيا القارية، وفي وقت لاحق تابعت دراسة الإدارة العامة في تنزانيا أولاً، ثم تخرجت في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة.
وفي عام 1978 تزوجت من حافظ أمير، الذي يُعرف بأنه أكاديمي في مجال الزراعة، لكنه أيضاً ظل بعيداً عن الأنظار، ومنذ أن أصبحت سامية نائبة للرئيس، لم يتم تصوير الاثنين معاً.
ولديهما أربعة أبناء، من بينهم موانو حافظ أمير، وهو حالياً عضو في مجلس النواب في زنجبار.
وكانت انتخبت لأول مرة لمنصب عام في عام 2000، وبرزت على الصعيد الوطني في عام 2014 كنائبة لرئيس الجمعية التأسيسية التي أنشئت لصياغة دستور جديد، وهناك نالت الثناء لسلوكها الهادئ في إدارة الاجتماعات واحتوائها حالات الغضب من حين لآخر، والطريقة التي تعاملت بها مع بعض الأعضاء المفوهين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©